أيّ سيناريو لتصادم "الحزب" مع "غالبية" الدّولة؟
قدّم الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، في إطلالته التهديدية الأخيرة، السيناريو الأشد قتامة بين سيناريوات محتملة لمعالجة ملف نزع أو تسليم سلاح الحزب، وهو التهديد بحرب أهلية داخلية يدرك جيداً بالمعلومات أن الجيش اللبناني ليس في وارد الانزلاق إليها ولا أي من الأفرقاء اللبنانيين الآخرين. السيناريوات الأخرى في ظل إعلانه عدم استعداده لتسليم سلاحه طوعاً وإذا استطاع عزل العوامل الخارجية، وأهمها استمرار استهدافات إسرائيل لمواقعه وعناصره، هو تعطيل مسار استعادة الدولة اللبنانية سيادتها بما يقوّض السلطة وقدراتها، إن في الرئاسة الأولى أو الحكومة، وبما يرّسخ واقع أن تعطيلها يسمح باستمرار ازدواجية السلطة أو وضع العصيّ في دواليب الشرعية، لكن من دون أي قدرة على ضمان تأمين أي أموال ومساعدات للبنان، ما يرجّح أن يبقي اللبنانيين والجنوبيين خصوصاً في حال بؤس مستدام.
هل تغيّر واقع الحزب عما كان ما قبل 27 تشرين الثاني 2024 حين كان يفاوض وحده بواسطة "الأخ الأكبر" نبيه بري على وقف لإطلاق النار، والذي وافق بموجبه على حصرية السلاح في أيدي الأجهزة الأمنية الرسمية وحدها، فيما هو يرمي التّبعة على الحكومة اللبنانية لموافقتها على الورقة الأميركية التي أعادت تثبيت ذلك الواقع؟ هل تغير واقع إيران إيجاباً عما كان قبل اتفاق وقف النار اللبناني وما بعد حرب 12 يوماً الإسرائيلية الأميركية عليها لكي يستطيع علي لاريجاني ترجمة دعمه للحزب في استعادة لما كان قبل "طوفان الأقصى" أو يمنع استنساخ تجربة نزع سلاح الحزب في لبنان وفي العراق كذلك؟ فالمسؤولون الإيرانيون جالوا قبل 14 آب الجاري على حلفائهم في العراق ولبنان والتقوا أيضاً القيادة الحوثية، مؤكدين دعم هؤلاء جميعهم وعدم التخلي عنهم في موازاة وقبيل اجتماع الممثلين الدائمين لإيران والصين وروسيا لدى الأمم المتحدة في فيينا في 14 آب كذلك تنسيقاً من حيث المبدأ للجهود الديبلوماسية رداً على تحذير مجموعة E3 (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا)، من أنها قد تُفعّل آلية الإعادة القسرية للعقوبات الأممية على إيران بحلول نهاية شهر آب الجاري ما لم تستأنف إيران مفاوضاتها مع الولايات المتحدة حول الملف النووي، فيما ليست مؤكدة قدرة الصين وروسيا على منع ذلك. والسؤالان اللذان تثيرهما أوساط ديبلوماسية يرتبطان بواقع أن لا الحزب ولا إيران يملكان القدرة أو القوة على مواجهة متجددة مع إسرائيل، أقله في المدى المنظور، برغم التهديدات بالردود المناسبة إذا اضطرهما الأمر لذلك، كما يرتبطان بواقع أنه ليس مرجحاً قدرة إيران على دعم الحزب بالأسلحة كما في الماضي ولا حتى بالأموال، ما يجعل من المواقف التهديدية بالارتداد إلى الداخل اللبناني السلاح الأمضى للدفاع عن السلاح وفق ما يرى كثر.
أثار كلام لاريجاني وترجمته من قاسم تهديداً بقلب الطاولة على رأس الجميع قلقاً من دون أن يخيف فعلاً. إذ أولاً لا يمكن عزل لبنان عن الجغرافيا التي يتفاعل من ضمنها. والخطأ الجسيم في أداء الحزب ليس خطاباً موتوراً واستفزازياً لأمينه العام فحسب، بل استثمار زيارة أحد كبار المسؤولين الإيرانيين من حيث تظهير الحزب مدى ولائه وحاجته لدولة خارجية، فيما يرفض الاحتضان اللبناني له، والأكثر إذا وجد نفسه فجأة مستدرجاً لزيارات مماثلة يقوم بها مسؤولون عرب مثلاً دعماً للطائفة السنية في لبنان وتقوية عزيمتها من طريق المطار وصولاً إلى قلب العاصمة والمناطق الأخرى، فيما سوريا لم تعد تشكل ظهيراً للحزب كما في زمن استقوائه على اللبنانيين.
وثانياً، لم يتفاعل جوزف عون ولا نواف سلام مع زيارة لاريجاني على طريقة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي تدعم بلاده دوماً "جهود الحوار بين الولايات المتحدة وإيران، باعتباره السبيل الأمثل لحل الخلافات وتعزيز الاستقرار في المنطقة" تجنيباً للعراق من تحويله ساحة للصراع بينهما، بل أخذا كل من جانبه مسؤولية معالجة ملف لا يزالان يعتبران أنه ملف داخلي أيضاً على عاتقهما، ويستشعران خطورة تسليم مصير لبنان انطلاقاً من تحويل سلاح الحزب إلى مساومات بين إيران والولايات المتحدة.
وثالثاً، أن لبنان، على عكس العراق في الجانب المتعلق بالتنظيمات الموالية لإيران، يضم طوائف وأحزاباً أعلنت جميعها دعمها بقوة لمسار إنهاء السلاح خارج الدولة، وعدم قدرة أي منهم، بمن فيهم حلفاء الحزب سابقاً على مختلف المستويات، تحمّل المسؤولية التاريخية بإجهاض الفرصة المتاحة راهناً لإعادة بناء الدولة واستعادتها لقرارها وسلطتها. والإجماع اللبناني، باستثناء الحزب، حتى لو أنه بات يتحدث أخيراً باسم حركة "أمل" أيضاً، يوفر صورة للخارج أن هناك لبنان آخرَ، غير لبنان الحزب، يريد الدولة، وهو يمثل أكثرية طائفية وسياسية وعددية، بحيث يستحقّ الدعم في هذا الاتجاه من حيث الحاجة إلى رفده بالضمانات التي يمكن أن توفرها الديبلوماسية الدولية من حيث قدرتها على إجبار إسرائيل على تنفيذ ما يتعين عليها تنفيذه في اتفاق وقف الأعمال العدائية من أجل تجنب تقويض قدرة الدولة اللبنانية في توفير الأمن، وحتى من أجل عدم توفير عناصر قوة للحزب بأن الأمر يحصل فقط تحت وطأة تهديداته، وفق ما يرجّح أن يشيع في حال حصول ذلك، من أجل تبرير احتفاظه بأسلحته أو التخلي ظاهرياً عنها، وفق ما قد يتجه في مرحلة بديلة إذا شعر بالضغوط المناسبة التي لا عودة عنها. فهناك من يقرأ في موقف الحزب، عطفاً على تلميح أو عدم استبعاد إسرائيلي قبل أيام بمرونة في شأن وجودها في الجنوب، شيئاً من التموضع الاستباقي لمرحلة يبرز فيها الحزب خاصةً استعداده لإعلان "انتصار" ما في حال تحقق التراجع الإسرائيلي، على غرار ما جرى في 2006 وقبلها في 2000 أيضاً، والسعي لاستثمار ذلك لمصلحته ومصلحة إيران.
وفي أي حال، فإن الفرصة التي يضغط الخارج من أجل أن يستفيد منها لبنان لا تتعلق به وحده، وما يجب على اللبنانيين القيام به فحسب، بل ترتبط أيضاً بإرادة خارجية تتصل بعدم تركه لإيران مجدداً من جهة، وعدم مفاوضتها عليه من جهة أخرى كذلك.
روزانا بو منصف- النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|