الصحافة

السويداء تدخل معركة التدويل من أوسع أبوابها

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ما كان لوقف إطلاق النار، الساري المفعول يوم 21 تموز الفائت، والذي جاء بعد اسبوع دام في السويداء سبق هذا اليوم الأخير، أن يحقق مراميه في التأسيس لحالة استقرار طويلة الأمد، والشاهد هو أن التوتر ظل حاكما للمشهد العام في المدينة وريفها على وقع الخروقات المتعددة أولا، ثم على وقع الحصار المفروض على المدينة، وهو بات أمرا واقعا على الرغم من إنكار السلطات الرسمية له، ويكفي للدلالة على ذلك إعلان نور الدين البابا، المتحدث باسم وزارة الداخلية، يوم 30 تموز، الذي جاء فيه إن «الحكومة قامت بفتح ممرات إنسانية لإدخال المساعدات الإنسانية وخروج المدنيين»، إذ لطالما كان من المؤكد إن الممرات لا تفتح لولا وجود «جدارات» عازلة من شأنها أن تحيط بحراك المدينة التي اشتد حصارها بعد رفض أردني لطلب يقضي بفتح «معبر إنساني» رابط ما بينها وبين الأراضي الأردنية، وفي الغضون مثل بيان مجلس الأمن، الصادر يوم 10 آب، بخصوص أحداث العنف التي شهدتها المدينة منتصف شهر تموز الفائت، تذكيرا بأن تدويل الأزمة السورية، الحاصل منذ تشرين أول 2011، لما تتغير مفاعيله بعد، فالبيان الذي أدان بشدة «أعمال العنف التي ارتكبت بحق المدنيين في السويداء، وشملت عمليات قتل جماعي، وفقدان للأرواح، وأدت إلى نزوح 192 ألف شخص داخليا»، عاد من جديد ليقول إن «القرار 2254 ( الصادر شهر كانون أول 2015 ) لا يزال يشكل الإطار الأمثل لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية»، والجدير ذكره هنا إن هذا القرار الأخير كان قال بوجوب انطلاق «عملية سياسية شاملة يقودها السوريون بأنفسهم استنادا للمبادئ الواردة في القرار»، الأمر الذي يعني عمليا عودة الأزمة السورية إلى خط التدويل من جديد، ودخول أزمة السويداء، على وجه الخصوص، على ذلك الخط عينه، وعليه فقد مضى طرفا الصراع، الحكومي والأهلي في السويداء، إلى رسم خيارتهما في ذلك الصراع انطلاقا من ذاك المعطى، طالما أن الأزمة لن تحل عبر موازين القوى أو تحت سقف الإعتبارات الوطنية.

بعد «الإشارة» الأممية السابقة ذهب كلا الطرفين باتجاه تحشيدات يرى أن من شأنها أن تعزز من مواقعه، وفي أولى الخطوات مضى شيوخ عقل الطائفة الثلاث، حكمت الهجري وحمود الحناوي ويوسف الجربوع، إلى اصدار ثلاثة بيانات منفصلة يوم 10 آب، لكن مضامينها كانت تشير إلى وحدة الموقف الدرزي في مواجهة حكومة دمشق، في تباين واضح للمواقف السابقة التي كان يتبناها هذان الأخيران في مواجهة مواقف الأول الذي أثبت أنه «الأوزن» شعبيا، وفي اليوم ذاته أصدر حزب «اللواء السوري»، وهو حزب تأسس في السويداء شهر تموز من العام 2021 وعرف عن نفسه على إنه «حزب سياسي مدني علماني، يسعى إلى بناء هوية وطنية سورية واحدة تحترم التعددية»، الأمر الذي فسره كثيرون على وجود نزوع انفصالي مستتر لدى هذا الأخير، بيانا ناريا دعا فيه أفراده إلى «النفير العام ضد هيئة تحرير الشام، ومنعها من دخول السويداء قبيل تشكيل حكومة انتقالية»، كما دعا البيان إلى «التنسيق التام مع الشيخ حكمت الهجري شيخ عقل الطائفة»، وهذي المناخات كانت قد شكلت أرضية مثلى للتظاهرات التي شهدتها ساحة الكرامة بوسط السويداء، ومدينة شهبا أيضا، يوم السبت الفائت، والتي علت سقوف شعاراتها بشكل غير مسبوق، لكن أخطر ما في الأمر كان ظهور «العلم الأزرق» وسط ساحة الكرامة، وهو مرفوع على أيادي أبناء الكرامة أنفسهم، فالفعل الذي قد يسوق «أصحابه» للكثير مما يبرره، إلا إنه يمثل منعطفا هو الأخطر مما شهده الكيان السوري منذ قيامه العام 1920، وفي السياق ذاته نشر الحزب على معرفاته قبل أيام بيانا جاء فيه «في متابعة دقيقة لتطورات الجنوب السوري يكشف حزب اللواء اليوم للرأي العام السوري، والإقليمي والدولي، عن غرفة عمليات إرهابية تشكلت في مدينة درعا»، وأضاف البيان إن من يقود تلك الغرفة «ثمانية أشخاص من أخطر الشخصبات الجهادية والتكفيرية المرتبطة مباشرة بتنظيم هيئة تحرير الشام، وبالتنسيق مع حركة حماس الإرهابية، وتنظيمي سرايا أنصار السنة وداعش»، وكان البيان قد ذكر بالإسم تلك الشخصيات التي من أبرزها أحمد الدالاتي، القائد العام السابق للأمن في السويداء، وشاهر عمران، قائد قوى الأمن بدرعا، وعبد الحكيم المحاميد، قائد الشرطة العسكرية بدرعا، وأنور طه الزعبي، مفتي سابق بـ «جبهة النصرة»، ليرد موقع «زمان الوصل»، وهو موقع قريب من «الإئتلاف السوري المعارض» منذ تأسيسه العام 2012 وقريب من السلطات الراهنة، بنشر ما قال إنه «وثيقة تثبت إن سلمان الهجري ( نجل الشيخ حكمت الهجري) قام بتشكيل غرفة عمليات عسكرية في مقر الفرفة 15 بالسويداء، الواقعة بين سد تشرين والفندق السياحي»، وأضاف الموقع، الذي نشر صورة لوثيقة تشي بذلك، إن «الهدف من تلك الغرفة هو التنسيق بين الميليشيات الدرزية، ومتابعة تحركات البدو»، كما أضاف الموقع في هذا السياق إنه «يجري الإعداد لقوائم حصر الممتلكات العائدة للبدو بغرض مصادرتها وفقا لشهادات العديد من المتضررين»، وعلى الضفة ذاتها نشرت عشرات الصفحات العائدة لنشطاء من درعا أخبار اجتماع لـ«عشائر حوران»، جرى بمدينة درعا يوم الأحد الفائت، وأضافت تلك الصفحات إن الإجتماع خلص إلى اتفاق يقضي بأن «لا حلول مع السويداء»، قبيل أن يؤكد المجتمعون، وفقا للمصادر ذاتها، على إنهم «أصحاب الأرض»، وإنهم هم «من استقبل الدروز عام 1860»، لكنهم اليوم عازمين على إعادتها فـ«الأرض أرضنا، ولا يمكن التخلي عنها»، ومن المؤكد إن من شأن هكذا طروحات، إذا ما جاءت على الدرجة الحادة نفسها التي ذكرتها تلك الصفحات آنفة الذكر، أن توسع من الشرخ الحاصل ما بين المدينة وبين محيطها السوري، ولربما تفضي إلى «وأد» الخطاب الساعي للعودة إلى حضن الوطن الأم، مرة واحدة، وإلى الأبد.

اللافت هو هذا الصمت الحكومي المطبق حيال ما يجري على الضفتين، والراجح هو أن هذا الصمت هو تعبير عن حالة «رضا» مضمرة حيال الخطاب المتوتر الصادر عن العديد من منابر السلطة، أو القريبة منها، وفي تفسير الدواعي التي قضت بالحكومة إلى هكذا نوع من الخيارات الكارثية، أو التي تدفع بالجميع نحو المجهول، يمكن القول أن دمشق، لربما، لمست، مباشرة أو من خلال قنوات وسيطة، تراجعا في الموقف الإسرائيلي حيال «ملف الدروز» في سوريا، أو هي لمست انشغالا اسرائيليا أقل بذلك الملف في تأكيد لتصورات سبق للحكومة أن تبنتها في علاج العديد من الملفات، ومفادها إن تل أبيب تستخدم الورقة الدرزية للضغط على دمشق بغية دفع الأخيرة لتقديم تنازلات أكثر، لكن السؤال الذي يجب أن يقفز فورا، و بشكل تلقائي، هو : ماذا لو كان ذلك الفتور «طبعة» جديدة لـ«فخ باكو»، 11 تموز، الذي قاد نحو تموز السوري الدامي في السويداء ؟.

عبد المنعم علي عيسى-الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا