رغم الإطاحة بنظامه.. تقرير لـ"Middle East Eye": ظل الأسد لا يزال يُخيّم على سوريا
بين السويداء ودمشق... الطريق المقطوع والإغراء الإسرائيلي
السويداء ترفع العلم الإسرائيلي وتطالب بالانفصال والاستقلال الكامل عن سوريا. منعطفٌ جديدٌ في تاريخ طائفة الموحدين الدروز في جبل العرب، فللمرة الأولى في تاريخهم يختارون طواعية وعلانية الانسلاخ عن دولتهم، بعدما حاربوا طوال عقود من أجلها.
تثير هذه الصورة الذهول، وهي على نقيض كامل مع الساحة نفسها منذ 9 أشهر. كانت الحناجر تهتف لحمص وحماه ودرعا ودمشق، وتردّد "واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد". لكن هتاف الوحدة انكسر واختنق قبل أسابيع، والسقوط جاء مدوياً للحلم السوري بشكل عام، على وقع مذبحة العصر.
يعكس المشهد حجم الخيبة الكبيرة هناك، مع كل الوجع والقهر الذي تحتويه. فما ارتُكب على أرض المدينة أكبر من طاقتها على استعادة يومياتها بشكل عادي، وأكبر من طاقة الناس البسيطين على التفكير بالمستقبل. فهؤلاء لا يملكون ترف العقل البارد وكل ما حولهم يذكّرهم بدم أبنائهم وأهلهم.
نجحت إسرائيل بأن تلعب دور المنقذ، حيث فشلت دمشق. لكن الأمر أصبح أكثر تعقيداً، ورغم حجم المأساة التي عاشتها السويداء، لا يبدو مطلب الاستقلال قابلاً للحياة، إن لم يكن ضرباً من الجنون. فالدروز لم يختاروا أوطانهم طوال تاريخهم منذ ألف عام، إنما كانوا دائماً أبناء الأرض التي يعيشون فيها، يدينون بالولاء لها أولاً، ولا يغادرونها مهما كان الأمر طارئاً أو خطيراً.
فهل عاش الدروز في السويداء تجارب مماثلة في السابق؟ إليكم بعض المحطات التاريخية المشابهة واللافتة.
كان الدروز دائماً دعاة وحدة لا انقسام، ففي قرية القريّا في جبل العرب، حيك علم الثورة العربية الكبرى في منزل سلطان باشا الأطرش. ومن هناك حمله الفرسان الدروز ورفعوه فوق سرايا دمشق، قبل وصول الأمير فيصل في الاول من تشرين الاول 1918، معلناً انتصار الثورة العربية على السلطنة العثمانية.
رفض الدروز إغراءات كثيرة لقيام دولة درزية خاصة بهم، فرضها الإنتداب الفرنسي من عام 1921 حتى عام 1936، تحت اسم جبل الدروز. فثاروا على الفرنسيين وشقوا الطريق نحو سوريا الموحّدة وأسقطوا الدويلات الطائفية ورفعوا شعار "الدين لله والوطن للجميع".
عانى الدروز من ظلم حكام سوريين كثر. فالرئيس أديب الشيشكلي شنّ حملة عسكرية على جبل العرب وقصف السويداء بالطيران وسقط حوالى الـ300 ضحية في العام 1954. فاختار سلطان باشا الاطرش أن يغادر إلى الاردن حقناً للدماء ووقف التنكيل الذي مورس على المدنيين. وثأراً لهؤلاء اغتيل الشيشكلي بعد 10 سنوات في البرازيل على يد ابن جبل العرب نواف غزالي.
اهتزت السويداء مجدداً في العام 1967، على أثر إعدام الضابط سليم حاطوم على يد قيادة حزب البعث. ليستغل الإسرائيلي التوتر مع المحافظة وإقصاء الجنود الدروز من الجيش السوري، عبر خطة يغآل ألون لإقامة دولة جبل الدروز مجددًا، تكون عازلة بينها وبين سوريا بعد حرب الأيام الستة. وأما الدروز من أبناء الجولان الذي احتلته إسرائيل في ذلك العام وضمّته فعلياً في العام 1981، فبقوا متمسكين بهويتهم السورية ورفضوا الحصول على الهوية الإسرائيلية حتى اليوم.
تكرّر المشهد على خط السويداء - دمشق بعد انطلاق الثورة السورية في العام 2011. فرفض الدروز الاستمرار بالالتحاق بالجيش على قاعدة أن "دم السوري على السوري حرام"، في موقف لافت لشيخ العقل أحمد الهجري، الذي توفي في بحادث سير غامض في العام 2012. كما كان مصير الشيخ وحيد البلعوس الاغتيال أيضاً في العام 2015 بعدما قاد حركة رجال الكرامة، لتثبت السويداء خيارها إلى جانب الثورة بشكل كامل، وتنامت بشكل كبير بدءا من العام 2023 إلى حين سقوط نظام الأسد.
تمسّك الدروز عند هذه الاستحقاقات بهويتهم السورية، وربما المشهد اليوم على خطورته ورغم حجم الإبادة التي حصلت، يحتاج إلى إعادة قراءة متأنية للتاريخ كما التحوّلات الجيوسياسية الكبيرة.
يقع جبل الدروز على رقعة شطرنج في لعبة أمم تعيد رسم خرائط المنطقة. في هذه الأثناء، يبدو أن إعادة وصل طريق السويداء - دمشق ليست بالمهمة السهلة، وربما تكون مستحيلة في المدى القريب. ولكن هل سيصل الكباش الاسرائيلي - السوري، ومن خلفه التركي، إلى سلخ الجنوب السوري فعلاً؟ العين على اللقاءات السورية الاسرائيلية المتكررة، وآخرها بين وزير خارجية سوريا ووزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي في باريس بحضور السفير الأميركي توم براك... فهناك يُرسَم الكثير من الخرائط.
نادر حجاز - mtv
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|