مُفتٍ ممتاز
هل هي مصادفة أن يأتي كلام المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في حق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قبل عشرة أيام من الذكرى السابعة والأربعين على تغييب الإمام موسى الصدر؟ يستذكر اللبنانيون “إمام اللبنانيين” الذي كان كلامه جامعًا لكلمة سواء، وبعد تغييبه كانت الكلمة لنائبه الشيخ محمد مهدي شمس الدين، صاحب مبدأ “التوافقية” ثم مَن حل محله الشيخ عبد الأمير قبلان، إلى أن جاء نجله أحمد قبلان.
من الإمام موسى الصدر الذي أضرب عن الطعام لثلاثة أيام في العام 1975 في مسجد الصفا، في رأس النبع في بيروت، احتجاجاً على الحرب الأهلية. إلى الشيخ أحمد قبلان الذي من خلال هجومه على البطريرك الراعي يكاد أن يتسبب بحربٍ أهلية، شتَّان ما بين إمام يضرب عن الطعام احتجاجًا على الحرب الأهلية، وبين شيخٍ يكاد أن يتسبب بحربٍ أهلية.
من القمة الروحية إلى نبذ القمة الروحية
الشيخ أحمد قبلان كان بمعية نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب في القمة الروحية التي انعقدت في بكركي في الثالث عشر من تشرين الأول الفائت، وكان له موقف منخفض السقف خصوصًا بعد الجهود الذي بذلها الصرح لتوحيد موقف اللبنانيين، فلم يتوقف البطريرك الراعي عند ما كان يقوله الشيخ قبلان قبل ذلك، بل ركَّز على توحيد كلمة اللبنانيين، وهذا الموقف للصرح البطريركي لقي استحسانًا من جميع اللبنانيين. والمفارقة أن الشيخ قبلان الذي كان من أكثر المتحمسين للقمة الروحية، عاد وقال أول من أمس كلامًا مناقضًا، فرأى أن “لا قيمة للقمة الروحية إذا كانت تريد الانتصار للصهيونية أو النيل من سلاح المقاومة الذي يمثّل سلاح الأنبياء في هذا الزمان”.
اللافت أن مواقف الراعي لم تتبدَّل منذ وصوله إلى سدة البطريركية ورفعه شعار “شركة ومحبة”، وهو الذي ثابر على طرح “حياد لبنان” على رغم ما تعرَّض له من حملات. وكانت الرسائل توجَّه إليه حتى عبر القضاء، وشهيرة قضية المطران الحاج الذي أحتُجِز جواز سفره كما احتُجِزت الأمانات المالية التي كانت آتية لعائلات من أبنائها في الأراضي المقدسة.
هل كان هجوم قبلان معدًا مسبقًا؟
اليوم خطورة ما قاله الشيخ قبلان غير نابعة من مضمون كلامه بحدِّ ذاته، بل لأنه يشكِّل واجهة لثنائي “حزب الله” و”حركة أمل”، والتهمة جاهزة، فما كاد البطريرك الراعي ينهي مقابلته مع “العربية” حتى عاجله الشيخ قبلان ببيان مسهب مليء بالافتراء والتجني، حتى ليُخيَّل أن البيان معدٌّ سلفًا ولم يكن ينقصه سوى إسقاط بعض الأسماء والوقائع.
والسؤال الذي يطرحه المراقبون هو: هل موقف الشيخ قبلان يتبناه رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة “حزب الله”؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فهذا يعني أن الشيعية السياسية والشيعية المذهبية والشيعية الحزبية اختارت أن تكون ضد رأس الكنيسة المارونية، وهذا أخطر ما في الأمر، لأنه يشكِّل منعطفًا خطيرًا لم يشهده لبنان طوال سنوات الحرب وحتى زمن الوصاية السورية، فحتى في عز الاحتلال السوري، كان النظام السوري يتفادى الاصطدام ببكركي، وكان أزلامه يحاولون استرضاء البطريرك الراحل الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، ويعملون جاهدين للتخفيف من وقْع القسم السياسي في عظة قداس الأحد، لكن ظنهم كان يخيب باستمرار لأن البطريرك صفير بقي ثابتًا على مواقفه حتى استقالته من السدة البطريركية.
أين أمس من اليوم؟ الشيخ قبلان يطيح كل الحرمات فيقول: “من يردْ إسرائيل فليرحل إليها” ويتابع :”لا قيمة لحصر السلاح وسط دولة ضعيفة لا تملك إلا عدّ الغارات من وراء مكاتب خاوية، والسيادة مع ورقة التنازل السيادي ليست إلا بضاعةً بخسة في سوق البيع والشراء، ولا سلطة لباعة الوطن، ولا شرعية فوق سيادة ومصالح لبنان”، مؤكدًا أن “من استعاد لبنان منذ نصف قرن لن يقبل لهذا البلد السقوط بيد الصهاينة مجددًا”.
واضحٌ أن الشيخ قبلان يعيش على وهم أن البلد ساقطٌ في يد ثنائية “حزب الله – حركة أمل” و” الشيعية السياسية”، وأن هذه المكتسبات متمسكون بها، بهذا المعنى فإن الأمر يتجاوز مسألة رفض حصرية السلاح للوصول إلى رفض “حصرية القرار السياسي” بيد الدولة.
قال الشيخ قبلان كلمته فمَن سيرد؟ وكيف سيكون الرد؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|