قعقور وسعد يقدمان اقتراح تعديل قانون الانتخابات: تعزيز الكوتا النسائية وبطاقة ممغنطة
الفيدراليّة وأحمد الشّرع ووحدة سوريا !
في 29 يناير من العام الجاري، تسلّم أحمد الشرع منصب رئيس الجمهورية العربية السورية للمرحلة الانتقالية وذلك بعد نحو 7 أسابيع فقط من فرار الرئيس السابق بشار الأسد وسقوط حكمه الأمني الاستبدادي. عملياً، لم تواجه عملية اعتلاء أحمد الشرع السلطة أي معارضة تُذكر، خصوصا وأن البلاد كانت لا تزال تحت وطأة الصدمة الإيجابية الناتجة عن الخروج من عباءة ويلات حكم آل الأسد سيئ السمعة، الذي امتد قرابة 6 عقود.
ما بين فرار بشار الأسد وآمال السوريين: بداية عهد أحمد الشرع
خلال تلك المرحلة، اعتقد الكثير من السوريين، على اختلاف انتماءاتهم وألوانهم، أن الفرصة قد حانت لبناء سوريا جديدة تُشبه أبناءها، وأن أي نظام جديد سيكون - بلا شك - أفضل بمئات المرات من النظام البائد. وفي موازاة ذلك، اختارت الدول الغربية غض الطرف عن ماضي الشرع ومن معه، وقررت منحه فرصة ذهبية، عبر فتحصفحة جديدة عنوانها أفعال الحاضر والمستقبل.
لكن مقابل هذا الانفتاح الغربي على حكومة أحمد الشرع ورفع العقوبات عنها، وضعت 3 مطالب أساسية:
حماية الأقليات من مسيحيين وعلويين ودروز وأكراد، وضمان إشراكهم في الحياة السياسية.
. الانخراط الفاعل في جهود مكافحة الإرهاب، والقضاء على التنظيمات المتطرفة.
. إيجاد حل لمسألة المقاتلين الأجانب، باعتبارها إحدى أكثر القضايا تعقيداً وتشابكاً في المرحلة الجديدة.
وهكذا بدأت صفحة أحمد الشرع تكتب في تاريخ سوريا الحديث، مدعومة بدعم عربي كبير وملحوظ، خصوصا من المملكة العربية السعودية التي عملت بجد على تذليل العقبات أمامه على الساحتين العربية والدولية وذلك من أجل إعادة قيام الدولة السورية. ويُحسب لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دوره الجوهري في هذا الإطار، وخصوصا جمعه بين أحمد الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب في المملكة، وهو لقاء شكل نقطة محورية لرفع العقوبات الدولية عن سوريا وتطبيع العلاقات مع النظام الجديد في دمشق.
الواجهة الإعلامية والحقائق الميدانية: الفجوة بين الصورة والواقع
نجح الشرع في مرحلته الأولى على الصعيد الإعلامي في إظهار صورة إيجابية للغاية للقيادة الجديدة في سوريا. فقد سمع العالم خطابات مثالية ووعودًا معسولة، ورأى قيادة شابة طبيعية، تمارس الرياضة وتلعب كرة السلة، وتتجول بين الناس بعفوية، على غرار ما يحدث في المجتمعات الغربية. كما لعبت المشاركات الخارجية لوزير الخارجية أسعد الشيباني دورًا مهمًا في بلورة هذه الصورة.
لكن الواقع على الأرض كان مختلفًا تمامًا عن الصورة المثالية التي رسمت إعلاميًا. فقد ظهرت انتهاكات ملموسة في بعض المدن والقرى منذ الأيام الأولى، ما أعاد مشاعر القلق والخوف إلى شرائح واسعة من السوريين، خصوصا الأقليات.
جاءت أحداث الساحل المريرة في مارس الفائت لتؤكد هذه المخاوف، بما تخللته من انتهاكات جسيمة تعرض لها المدنيون العلويون من قتل وسلب وتخريب البيوت وحرقها والتعذيب والشتم بعبارات طائفية. وزادت المخاوف بعد تفجير كنيسة مار إلياس في قلب دمشق في 22 يونيو، الذي راح ضحيته نحو 25 مصليا. ثم تكررت الأحداث في جرمانا التي استهدفت الدروز في فبراير، وبلغت ذروتها مع أحداث السويداء في يوليو من هذا العام، حيث حاولت السلطة إخضاع الدروز بالقوة، في مشاهد أظهرت أبشع صور الانتهاكات والإذلال للمدنيين العزل.
بطبيعة الحال، أثار مسار هذه الأحداث مخاوف جدية حول مستقبل التعايش السوري ووحدة البلاد. كما دفع الأكراد إلى التفكير ملياً في خيار تسليم أسلحتهم وعتادهم العسكري إلى الحكومة السورية وفقاً لاتفاق 10 مارس الماضي، خشية التعرض لسيناريوهات دامية مشابهة.
الفيدرالية الحل الواقع لإنقاذ وحدة سوريا
المشكلة أن سوريا الممزقة نتيجة 14 عاماً من الحرب والقهر والويلات، كانت تأمل بعد سقوط نظام الأسد بإعادة بناء سوريا موحدة قائمة على المشاركة والتعايش بين كافة المكونات. وكانت أطياف المجتمع السوري تنتظر تطمينات ملموسة من أحمد الشرع، وتترقب أن يمد يده ويتبع سياسة تشاركية في الحكم بعيدة عن الطائفية والاستئثار بالسلطة. كانت تطمح أن تكون الهوية الوطنية هي الأساس في سوريا الجديدة، لا الهويات الطائفية والعرقية.
لكن، وبعد قرابة 7 أشهر من وجود أحمد الشرع على رأس السلطة، يمكن القول إن الأخير لم ينجح في الوفاء بتعهداته الكثيرة - سواء الدولية أو المحلية - في حماية الأقليات والحفاظ على حقوقها. كما أنه لم يتمكن من تطمين مكونات عديدة من المجتمع السوري أو إقناعها بمشروع توحيد سوريا الذي يشدد عليه في خطاباته المتكررة.
وفي ظل هذا الواقع السوري المعقد، وخاصة مطالبة الدروز علانية في السويداء بحق تقرير المصير"، يبدو أن الخيارات بدأت تضيق تدريجياً أمام الرئيس السوري. فالأكيد أن سوريا اليوم بعيدة كل البعد عن مشروع توحيد البلاد تحت قبضة أمنية مركزية في دمشق. خصوصا وأن أحمد الشرع نفسه اعترف منذ أيام أن توحيد سوريا لن يكون بالدماء والقوة العسكرية، مع غياب أي خطوات ملموسة لرأب الصدع ومد جسور الشراكة مع باقي المكونات السورية.
وعليه يتبقى اليوم حل يتيم أمام أحمد الشرع يُبقي سوريا موحدة بعيداً عن شبح التقسيم، وهذا الحل هو "الفيدرالية". فهذا الخيار الذي قد تتحسس منه السلطة المركزية وتخشاه، قد يكون في الحقيقة المسار الأكثر واقعية وفعالية للحفاظ على ما تبقى من نسيج الدولة السورية. إذ يمنح الفيدرالية الأقليات ضمانات حقيقية، ويُشرك جميع المكونات في إدارة شؤونها المحلية ضمن إطار الدولة الواحدة، ما يقطع الطريق على مشاريع الانفصال والانقسام.
إن وحدة سوريا لن تُصان بالشعارات ولا بالخطابات المثالية، بل من خلال صيغة حكم جديدة تطمئن الجميع وتعيد الثقة بين السوريين. والفيدرالية - مهما بدت للبعض حلاً مؤلماً أو اضطرارياً - قد تكون اليوم السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد وصناعة مستقبل تتعايش فيه كل المكونات تحت سقف وطني جامع.
فهل يرضخ أحمد الشرع للمنطق والمصلحة الوطنية ويذهب نحو هذا الخيار؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|