أبعدوا الجيش عن "عنترياتكم" وبطولاتكم الوهمية

يتوجب على كل من يكتب مقالات تحليلية يومية أن تبقى عيناه مفتحتين جيدًا حتى لا يفوته أي تفصيل، وحتى لا يغيب عنه أي تصريح له علاقة بالوضع اللبناني الموضوع على نار الحلول الحامية. ومع كل تفصيل، صغيرًا كان أم كبيرِا، هناك تفاصيل جزئية متفرعة عنه. وقد تكون المعلومات، التي تبدو اليوم قريبة إلى المنطق تغدو بعد ساعات بعيدة كل البعد عن هذا المنطق"غير السليم".
ووسط هذا الكمّ من التناقضات في المواقف وفي ما يمكن تسميته "عنتريات" أهل السلطة، وهي "عنتريات" لا تُصرف إلا على موائد من لا ينظر إلى أبعد من منخاره، فيرى نفسه أسير شعارات ومواقف لا تخلو من التصرفات، التي لا يمكن وصفها إلا بـ "الصبيانية".
ما يُكتب ليس تجنيًا أو افتراء، بل هو من صلب الواقعية السياسية، التي تفرض على جميع المتعاطين بها التحّلي بروح المسؤولية، وعدم التهوّر في الذهاب بعيدًا على مراهنات خاطئة.
فالضجة التي أثيرت عن موضوع تسّلم السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات لم تكن سوى المزيد من ذرّ الرماد في العيون، الذي يعمي البصر والبصيرة معًا. وما اكتشفه اللبنانيون بعد هذه "المسرحية الهزلية" ليس سوى القليل من كثرة الاضاليل، التي تحاول تغطية السموات بالقبوات. وهذه التسريبات المقصودة عن تسلم السلطة للسلاح الفلسطيني ليست سوى واحد في المئة من " التخبيصات"، التي قوبلت باستهجان عارم على المستويين السياسي والشعبي، خصوصا عندما تكشفت حقيقة هذه "الفبركة"، التي أساءت إلى سمعة الجيش وهيبته، ليتبين أن ما تمّ تسليمه ليس سوى شاحنة من السلاح الخفيف. وهذا "التسليم" يدخل في إطار الخلافات الفلسطينية الداخلية وتصفية بعض الحسابات، التي هي من مخلفات الماضي.
وعليه، فإذا كان المقصود بهذا الترويج غير الذكي إعطاء بعض الامصال للمواقف السياسية الاعتباطية فإن الذين يقفون خلفها قد أساءوا إلى الجيش، الذي تنتظره مهمات أكبر على المستوى الوطني العام. وبذلك يكون هؤلاء المسرّبون قد نسفوا ما تبقى من آمال لدى اللبنانيين بالنسبة إلى استعادة الدولة لسلطتها الكاملة على كل أراضيها.
وفي رأي أكثر من مراقب أن الدولة، التي بدت عاجزة في موضوع السلاح الفلسطيني، ينتظرها الكثير من المفاجآت غير السارة مع انقضاء المهلة المعطاة للمؤسسة العسكرية المناط بها إعداد خطة أمنية ولوجستية لملف حصر السلاح في يد القوى الشرعية.
فإذا لم ينجح أهل السلطة في "الصغيرة" فكيف يمكن أن يقنعوا أهل الرعية بأنهم قادرون على أن ينجحوا في "الكبيرة". أمّا إذا كان المقصود بهده "الهمروجة" تهيئة الأرضية لعجزهم في إكمال ما بدأوا فيها من خطوات قيل عنها الكثير، وحُمّلت الكثير من الآمال، فإن "غدًا لناظره قريب"، وسيبان الخيط الأبيض من الخيط الأسود"، وستنكشف عورات كثيرين ممن تنقصهم الخبرة في التعاطي مع الملفات الكبيرة. وهذا ما جعل الآخرين في الطرف الآخر مرتاحين على وضعهم، وينامون على "حرير العنتريات الموسمية".
وقد جاء بيان الفصائل الفلسطينية يبيّن ليدحض كل هذا الكلام المسرّب وغير الدقيق "عن نوايا لتسليم السلاح داخل المخيمات الفلسطينية، وخاصة في مخيم برج البراجنة"، مؤكدًا "في شكل قاطع أنّ هذه الأخبار عارية تمامًا عن الصحة ولا تمتّ إلى الواقع بصلة." وأشار إلى أن "ما يجري داخل مخيم برج البراجنة هو شأن تنظيمي داخلي يخصّ حركة "فتح"، ولا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بمسألة السلاح الفلسطيني في المخيمات"، مشدّدًا على "أن سلاحنا لم يكن ولن يكون إلا سلاحًا مرتبطًا بحق العودة وبالقضية الفلسطينية العادلة، وهو باقٍ ما بقي الاحتلال جاثمًا على أرض فلسطين، ولن يُستخدم إلا في إطار مواجهة العدو الصهيوني حتى يتحقق لشعبنا حقه في العودة والحرية وإقامة دولته المستقلة على أرضه".
وما جاء في بيان الفصائل الفلسطينية ليس سوى نموذج عمّا يمكن أن يصدر من مواقف عن "حزب الله" عندما تدّق ساعة الحقيقة. وما قيل اليوم سيُقال غدًا وبلهجة أكثر تشدّدًا.
ويبقى المهم، بل الأهم، في كل هذا الذي جرى أو سيجري أن تبقي القيادة السياسية الجيش بعيدًا عن الجمر الحارق.
المصدر: خاص "لبنان 24"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|