فضل الله يستقبل وفد العشائر العربية وتقدير للجهود المبذولة للوحدة ورفض الفتنة
الاتفاق الأمني الإسرائيلي - السوري : دمشق تستسلم "طوعاً" لمطالب تل أبيب
تقترب إسرائيل وسوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع، من التوصّل إلى اتّفاق أمني يُعيد تشكيل العلاقة بين الجانبَين، ما بعد سقوط النظام السوري السابق. اتفاق يبدو أقرب تفاهم أمنيّ عمليّ، لا يقوم على المساومة والتسويات، بل على حسابات واقعية فرضتها إسرائيل بعد سقوط النظام، وتعمل الآن على قوننتها عبر تفاهمات تنتج «اتفاق اللّا حرب»، كما يوصف في تل أبيب، وليس سلاماً أو تطبيعاً.
على أنّ الشرع لا يمتلك في حوزته خيارات كثيرة، إذ يبدو أنّ جلّ ما يسعى وراءه، هو البقاء في السلطة، ويرهن رغبته تلك برضى القوى الخارجية عنه، ولا سيّما الولايات المتحدة وإسرائيل. من هنا، يصبح التوجّه إلى التفاهم مع هذه الأخيرة، ضرورةً «وجودية»، وانحناءً تحت الضغط، وخضوعاً لواقع لا قدرة للشرع على تغييره، وليس خياراً تفاوضيّاً، أو مبادرة إستراتيجية.
من ناحية إسرائيل، لا يوجد في الاتفاق أيّ تنازل جوهري: فهي لا تقدّم اعترافاً، ولا تُطبّع علاقات، ولا تنسحب من أيّ موقع إستراتيجي سيطرت عليه في الأراضي السورية؛ بل على النقيض من ذلك: تُصرّ على البقاء في قمّة الحرمون ومناطق أخرى في جنوب سوريا. وكما أكّد وزير الأمن، يسرائيل كاتس، فإنّ إسرائيل «لا تتفاوض من موقع ضعف، بل من قمّة القوّة»: جيش سوري منهار، لا يمتلك صواريخ ولا طائرات، ونظام جديد يعتمد على دعم أميركي للبقاء.
ولذلك، فإنّ ما تطلبه تل أبيب من دمشق ليس سوى الالتزام بقواعد جديدة فرضتها، هي: لا «ميليشيات جهادية» على الحدود (بمعنى لا جيش سورياً جديداً على هذه الحدود)، لا نشاط أو نفوذ إيرانيَّين، «حماية الأقلية الدرزية»، مع الالتزام بعدم التصعيد الأمني ومنعه. وتلك شروط لا تمثّل تنازلاً من جانب إسرائيل، بل فرضاً للاستقرار، وفق معاييرها.
من جهتها، تؤدّي الولايات المتحدة، بإدارة دونالد ترامب، دور المحرّك الرئيس في هذا التقارب؛ إذ تضغط على إسرائيل لتسريع المفاوضات، بهدف تحقيق إنجاز ديبلوماسي رمزي يريده الرئيس الأميركي الساعي لترسيخ صورته كـ«مهندس للسلام» في الشرق الأوسط، ويسعى إلى إعلانه بوصفه اتفاقاً بين إسرائيل وسوريا في الأمم المتحدة، حتى لو كان محدود الأبعاد. وإن كان هذا ما يقال عن الدافع الأميركي، إلّا أنّ غايات واشنطن تبدو أوسع وأكثر طموحاً ممّا يجري تداوله بين المراقبين، فهي تسعى إلى اتفاق يعبّر في عمقه عن رؤية إستراتيجية تُعيد تشكيل خريطة الأمن في الشرق الأوسط، وفقاً لمصالح إسرائيل.
وهكذا، فإنّ ما يبدو «تنازلاً تكتيكيّاً» من جانب إسرائيل، وفقاً لكتابات معارِضة للاتفاق في الإعلام العبري، هو في الواقع استثمار إستراتيجي في نظام أمني جديد، يُقصي إيران، ويُضعف الجهات غير الدُّولية المعادية لإسرائيل، ويُرسي «استقراراً دائماً» على الحدود الشمالية للكيان، كما يرسّخ مفهوماً جديداً عنوانه: استقرار الدول ودعم أميركا لها، يستند إلى التزاماتها بأمن إسرائيل.
إلّا أنّ تل أبيب، ورغم ميلها إلى هذه الصفقة، لا تُسرّع من خطواتها مع الجانب السوري، كونها تريد اتفاقاً عملياً وغير إعلامي، يُبنى على واقع ميداني مستقرّ، لا على وعود سياسية قد لا تصمد. وفي التسريبات، لا يقتصر الأمر على ترتيبات عسكرية وأمنية في الجولان والجنوب السوريَّين، بل يشمل: وقفاً دائماً لإطلاق النار بين الجانبَين؛ تجميد الوضع على الحدود، أي أنه لن تكون هناك عودة للنظام السوري إلى الجولان، ولا انسحاب إسرائيلي من المناطق التي توغّل فيها الاحتلال عقب سقوط النظام؛ تبادل للمعلومات الاستخبارية لمكافحة التنظيمات الجهادية؛ حرية الحركة على طول الحدود؛ ودعم وإشراف أميركيان، عبر قوات مراقبة أو آلية تفاهمات لم تُحدّد بعد.
وتبرز، في ضوء التسريبات، فجوة تتعلّق بخلافات جغرافية على حدود الاتفاق: هل يجري الاستناد إلى ترتيبات عام 1974، أم إلى جغرافيا الوضع القائم؟ وهو خلاف يجري تداوله والبحث فيه على طاولة التفاوض، رغم إدراك الشرع، الذي يحتاج إلى أن يُظهر داخلياً أنه لم يُوقّع على تنازلات جغرافية، وأنّ إسرائيل لن تنسحب إلى الحدّ القديم. أمّا الحلّ المرجّح، فيكون بصيغة ديبلوماسية غامضة تُعيد التأكيد على «وقف إطلاق النار لعام 1974»، من دون تغيير في مواقع القوات على الأرض. وبهذه الطريقة، يُحافظ الشرع على ماء وجهه، بينما تُبقي إسرائيل على عمقها التكتيكي الذي رسّخته بعد سقوط نظام الأسد.
أيضاً في التسريبات، هناك بند نزع سلاح الميليشيات، أي التأكيد أنه لا مكان لميليشيات خارج سلطة الدولة، وهو ما يفيد إسرائيل في سردية محاربة «الجماعات الجهادية» على اختلافها، لكنه يحمل تهديداً مباشراً للدروز. أمّا البند المحقّق المتَّفق عليه بين الجانبَين، فهو منع النفوذ الإيراني في الساحة السورية.
وفي ما لو جرى التوقيع على الاتفاق، كما هو مخطّط، فإنّ ذلك لا يُغيّر جوهر العلاقة بين الطرفين، لكنه يُرسّخ واقعاً جديداً: سوريا، بعد سقوط نظام الأسد، لم تَعُد قوّة عسكرية ولا لاعباً إقليميّاً مستقلّاً، بل دولة منهارة تبحث عن شرعية وبقاء. ومن ناحيتها، لا تقدّم إسرائيل تنازلات، بل تفرض شروطها في بيئة أمنية مواتية لها. وعليه، فإنّ الاتفاق سيمثّل بداية لنظام أمني إقليمي جديد، لا يقوم على المصالحة، بل على الحسابات الباردة وفرض الإرادات على الآخرين من موقع القوّة والسيطرة الفعلية على الأرض، أي وفقاً للواقع الذي لا يمكن تجاوزه.
يحيى دبوق - الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|