ترامب يفاجئ الجميع بتصريحاته عن تايلور سويفت بعد إعلان خطوبتها
لبنان وسوريا... فك الاشتباك مع الماضي
نادرا ما كان رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد، ومثله ابنه بشار، يطلّ على الإعلام ويجري مقابلات ويتحدّث في مواضيع السياسة السورية وعلاقات دمشق ومهمات النظام الذي كان مقفلًا على الآخرين في صورة تعكس صورة رئيسه الذي لم يُعرف عنه غير العبوس والصرامة والتشدد والانغلاق. الرئيس الحالي أحمد الشرع يقدّم صورة معاكسة. أبواب قصره الرئاسي مفتوحة وأفكاره منفتحة. يستقبل ويصرّح ويحكي في قضايا كثيرة من دون عقد، حتى في موضوع السلام مع إسرائيل. لديه جرأة الإقرار بالأخطاء حتى وهو في بداية عهده. يُسجَّل له أنه قادر على الاعتذار، حتى عن الأخطاء أو الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، ولديه أيضا جرأة المسامحة والغفران والتطلع نحو مستقبل جديد لسوريا وعلاقاتها مع العالم. بين الأسد والشرع كيف تختلف العلاقة مع لبنان؟
في لقاء مع إعلاميين في دمشق، في 24 آب نقلت معلومات عنه الرئاسة السورية، أكّد الشرع أنّ بلاده "لن تعود إلى سياسات الماضي في لبنان"، واعتبر أنّ "الاستثمار السّوريّ في الاستقطاب المذهبيّ والسّياسة في لبنان كان خطأ كبيرًا بحقّ البلدين ولا يجب أنّ يتكرّر، وأوضح أنّ "العلاقة المنشودة مع لبنان يجب أن تكون من دولةٍ إلى دولة، تقوم على المعالجات الاقتصاديّة والاستقرار والمصلحة المشتركة". وقال: "تنازلتُ عن الجراح الّتي سبّبها حزب الله لسوريا، ولم نختر المضي في القتال بعد استعادة دمشق... هناك من يصوّرنا كإرهابيين وتهديدًا وجوديًّا، وهناك من يريد الاستقواء بسوريا الجديدة لتصفية حسابات مع حزب الله، ونحن لا هذا ولا ذاك". ودعا الشرع إلى "فتح صفحة جديدة مع لبنان، وتحرير الذاكرة من إرث الماضي وكتابة تاريخ جديد للعلاقات اللبنانية – السورية وتحرير الذاكرة من الإرث الماضي لأن لبنان عانى من سياسات الأسدين كما إن الاستثمار السوري في الاستقطاب المذهبي والسياسة في لبنان كان خطأً كبيراً بحق البلدين ولا يجب أن يتكرر والبلدان بحاجة لفتح صفحة جديدة".
لم تكن عند الشرع مشكلة في التطرق إلى المفاوضات الجارية مع إسرائيل والحديث عن الوضع السوري. شدّد على وحدة سوريا ورفض أي سلاح خارج إطار الدولة وأي شكل من أشكال الانفصال وسياسة المحاصصة. وكشف أن "هناك بحثًا متقدمًا بشأن اتفاق أمنيّ بين دمشق وتلّ أبيب"، وأنه "لن يتردّد في اتخاذ أي اتفاق أو قرار يخدم مصلحة سوريا والمنطقة".
التسوية الصعبة غير مستحيلة
وفي المعلومات المتابعة للقاءات السورية الإسرائيلية أن البلدين يقتربان من توقيع اتفاق تسوية أمنية في نهاية أيلول تشمل نزع السلاح من الجولان ومن المنطقة الممتدة بين دمشق والسويداء، وامتناع دمشق عن نشر أسلحة استراتيجية في سوريا بما يشمل الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي. وفي المقابل ستحصل سوريا على مساعدات أميركية وخليجية لإعادة الإعمار، كما أن التسوية قد تتضمن إنشاء ممر أمني مع السويداء. وترجح المعلومات عقد لقاء بين الشرع ونتنياهو في نيويورك بوساطة أميركية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعن احتمال أن يتولى الرئيس الأميركي جمعهما في البيت الأبيض. وهي المرة الأولى التي يقف فيها رئيس سوري منذ عام 1967 على منصة الأمم المتحدة.
لم يكن من عادات النظام السابق الحديث عن الاتصالات السرية وغير السرية أو تلك الجارية بالواسطة مع إسرائيل، حتى عندما كانت تحصل لقاءات مكشوفة. ولكن النظام الجديد أسقط هذا الحرم. حيث كانت لديه الجرأة أولًا على عقد لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين وعلى الكشف عنها عبر وسائل الإعلام الرسمية بعدما نقلت "الإخبارية السورية" عن مصدر حكومي، قوله إن وزير الخارجية أسعد الشيباني ورئيس الاستخبارات السورية حسين سلامة التقيا وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في العاصمة الفرنسية باريس، وبحثا خلال الاجتماع التمسك بوحدة الأراضي السورية والعودة إلى هدنة 1974 بينهما، ورفض أي مشاريع تستهدف تقسيم سوريا.
شعبان في دولتين
مثل هذا الأمر كان يعتبر من المستحيلات سابقًا. من هذه الزاوية يبدو الشرع وكأنّه نقيض الأسدين اللذين كانا يتحدثان عن ربط مصير لبنان بمصير سوريا، وعن وحدة المسارين في الحرب وفي السلام، وعن الشعب الواحد في دولتين، وعن استتباع لبنان لهما وإلغاء وجوده كدولة مستقلة على الأقل منذ تدخّل الأسد في لبنان مع مطلع الحرب عام 1975، وهي مهمة كُلِّف بها استمرت خمسين عامًا.
عندما سيطر الأسد الأول على السلطة عمليًا في سوريا عام 1969، قبل أن يصير رئيسًا للجمهورية، كانت إسرائيل قد احتلّت الجولان. قبل وفاته وبعد سقوط نظامه حمّله كثيرون مسؤولية سقوط الجولان واتّهموه بأنّه باعه مقابل تولّيه السلطة. صحيح أنّه خاض حرب 1973 ولكنّها كانت حربًا محدودة حدودها فتح المفاوضات مع إسرائيل من أجل تسوية ثابتة ودائمة. بين البلدين كانت اتفاقية الهدنة التي عقدت في 20 تموز 1949 بعد انقلاب حسني الزعيم وتوليه السلطة. ولكنّها لم تمنع مشاركة سوريا في حرب 1967 وخسارة الجولان.
سلام في الجولان وحرب على لبنان
في حرب تشرين 1973 حاولت القوات السورية اختراق الدفاعات الإسرائيلية في الجولان ولكن هجومًا معاكسًا إسرائيليًا قضى على كل الدفاعات السورية وفتح طريق دمشق أمام الجيش الإسرائيلي وهدّد النظام بالسقوط. لذلك وافق النظام المهزوم على وقف النار، في موقف يشبه موافقة "حزب الله" على اتفاقية وقف النار في 27 تشرين الثاني 2024، وبقي مثله يتحدّث عن انتصار تشرين. ونتيجة ذلك وقع البلدان اتفاق فك الاشتباك في 31 أيار 1974، وهو ينص صراحة على أنّه "ليس اتفاق سلام. إنه خطوة نحو سلام عادل ودائم"... بعد عام واحد استدار الأسد الأب من الجولان إلى لبنان حيث بدا وكأن نظامه لديه مهمات محددة في الحروب والصراعات العربية وفي لبنان.
طوال 55 عامًا، ارتكب نظام الأسدين، كما سمّاه الشرع، الكثير من الموبقات والجرائم بحقّ اللبنانيين والسوريين والعرب. كانت صورة الصراع مع إسرائيل تخدم فكرة القضاء على المعارضين في لبنان وسوريا، على رغم أنّه لم يطلق منذ ذلك التاريخ أي رصاصة في أي مواجهة مع إسرائيل. على عكس ذلك أبقى النظام على الجبهة اللبنانية مفتوحة في الجنوب.
ورث النظام الجديد في سوريا كل مخلفات النظام السابق الذي لم تكن لديه مشكلة في عقد تسوية مع إسرائيل ولكن كانت لديه مشكلة في الثمن الذي سيتقاضاه. وكان يعتبر أن استمرار الوضع كما هو من دون هذه التسوية يخدم بقاءه واستمراره وتحكمه بمعارضيه.
تجربة "حزب الله" السوداء في سوريا
جميل أن يحاكم الرئيس الشرع حكم الأسدين وأن يتعالى فوق الجراح التي سبّبها "حزب الله"، وأن يعلن انتهاء عهود التدخّل السوري في لبنان، وأن تكون العلاقة بين لبنان وسوريا من دولة إلى دولة. وجميل أن يلاقيه الحكم في لبنان لترسيخ هذه القناعة التي كانت في الأساس مطلبًا لبنانيًا. فالتدخل السوري في لبنان لم يبدأ مع الأسد الأب بل منذ استقلال 1943 عندما كانت هناك قناعات لدى قيادات سورية بأنّ الكيان اللبناني ما كان يجب أن يكون، وبأنّ لبنان كان محافظة سورية سلخها الاستعمار.
ليست مسألة بسيطة أن ينظر الشرع إلى لبنان من خلفية رجل الدولة الذي يعترف بواقع السيادة اللبنانية الكاملة وبفتح صفحة جديدة وبالتكامل بين البلدين من خلفية الاستفادة من الطاقات الاقتصادية، وليس من قبيل تحكم النظام في سوريا بلبنان. ومن هذه الخلفية يمكن فهم موقفه المتعالي عن تاريخ تجربة "حزب الله" السوداء والدامية في سوريا، وأن يعلن عدم تدخّل سوريا لا خدمة لـ "الحزب"، كما كان يحصل، ولا ضدّه كما يريد بعض خصومه. فالتغاضي عن الجراح التي سببها "الحزب" في سوريا يستتبع الإقرار بمسؤولية النظام السابق عن الجراح التي سبّبها للبنان واللبنانيين. وتقتضي المرحلة عملية فك اشتباك مع الماضي من أجل بناء مستقبل أفضل للبنان ولسوريا على قاعدة ما كان يقوله البطريرك مار نصرالله بطرس صفير رفضًا للاحتلال السوري للبنان: يا جاري إنت بدارك وأنا بداري. ولذلك لا بد من تحديد حدود البلدين وترسيمها من أجل محو التاريخ الماضي من ارتكابات النظام السابق ومحاولة محو جراحه وإن كان ليس من الممكن النسيان. مرحلة جديدة يمكن أن يستفيد منها لبنان وسوريا معًا تلغي اعتقاد أي نظام في سوريا أنه قادر على محاصرة لبنان وخنقه والضغط عليه لإخضاعه.
نجم الهاشم - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|