القطيعة مع دمشق ومعابر بلا جدوى: السويداء إلى أين؟
تأسست حركة «رجال الكرامة» علي يد الشيخ وحيد البلعوس عام 2013، على خلفية رؤيا تبناها هذا الأخير، وضمنها بوضوح في البيان التأسيسي الذي أعلن فيه عن ولادة الحركة، و جاء فيه «نشأت حركة رجال الكرامة لسبب رئيسي هو معارضة تجنيد الشبان الدروز، ومشاركتهم في الحرب السورية»، وسريعا ما توسع نشاط الحركة على امتداد جغرافيا المدينة، وفي غضون عامين أضحت الحركة هي التنظيم السياسي والعسكري الأبرز الذي يعبر عن «الشعور الجمعي» للدروز داخل السويداء، وفي ريفها، وعلى الرغم من إن المؤسس كان قد اغتيل، والحركة في ذروة نشاطها، العام 2015، إلا إن ذلك لم يؤد إلى أي تغييرات تذكر في توجهاتها، فقد أعلن رأفت البلعوس، عشية تنصيبه خلفا للشيخ وحيد، عن «استمرار الحركة في تبني نهج المؤسس»، والأمر عينه كان قد تكرر مع تعيين يحيى الحجار، عام 2017، الذي استمر في منصبه حتى 25 آب الجاري، حيث سيجري الإعلان عن تنصيب مزيد خداج كقائد جديد للحركة وسط مراسم تشير الى وجود انزياحات كبرى تشهدها المدينة، ومن الصعب، حتى لأهلها وللقيمين عليها، معرفة إلى أين سوف تؤدي.
اللافت إن حركة «رجال الكرامة» كانت من أولى المؤيدين للنظام الجديد في دمشق، وقد نشر الحجار، في 4 شباط المنصرم، تسجيلا صوتيا أكد فيه على «ضرورة إنهاء المظاهر المسلحة لفرض الأمن في سوريا، وفي مدينة السويداء»، لكن اللافت أيضا في حينها إن تصريحات الحجار لم تلق قبولا لدى العديد من التيارات والنخب الدرزية، في مشهد يكرس مشاعر القلق لدى هؤلاء حيال تركيبة السلطة الممسكة بعصا السلطة منذ 8 كانون الاول المنصرم.
أعلن في السويداء، يوم 23 آب، عن تشكيل «الحرس الوطني» بمباركة وتأييد الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية الذي أضحى صاحب الكلمة العليا منذ إعلان شيخي العقل حمود الحناوي ويوسف الجربوع في بيانين منفصلين في 10 آب عن تأييدهما لمواقفه الرافضه لأي «حوار، أو تواصل، مع دمشق»، وخلال يومين من ذلك الإعلان كان عديد الفصائل المنضوية تحت راية ذاك الكيان نحو 39 فصيلا، ليكتمل العقد، يوم الاثنين 25 آب، بالإعلان عن انضمام «رجال الكرامة»، التي لطالما تمتعت بالثقل الأوزن من بين تلك الفصائل، حيث ستشهد «دارة القنوات»، معقل الشيخ الهجري، احتفالا كان قد ضم المئات من الناشطين والنخب، وفي خطابه الذي وجهه الهجري بتلك المناسبة قال «مبارك للدروز بهذي الخطوة»، التي وصفها بإنها «تحظى بدعم إقليمي ودولي»، قبيل أن يختم بالشكر لكل «من وقف مع الدروز في هذه المحنة»، وخص بالذكر دولتي الولايات المتحدة واسرائيل، والمؤكد هنا إن تلك الخطوة، والخطوات التي سبقنها مثل الإعلان عن «اللجنة القانونية العليا» الذي تلا تظاهرة «ساحة الكرامة» يوم 5 آب، تحظى بحال من شبه الإجماع في أوساط الطائفة الدرزية في السويداء، أما معارضيها فباتوا خارج المشهد بشكل شبه عام، فبعد ساعات من انتقاد ليث البلعوس، وهو ابن مؤسس حركة «رجال الكرامة» الشيخ وحيد البلعوس، الإعلان عن تأسيس «الحرس الوطني»، واصفا إياه بـ «نسخة محلية عن الحرس الثوري الإبراني»، جاء رد قيادة الحركة صارما باعتبار الفعل من «متطلبات المرحلة الراهنة».
الآن. وقد جنحت المدينة نحو تكريس حال من القطيعة مع دمشق، التي لطالما كانت، وستبقى، «الرئة» التي تتنفس منها المدينة، ومعها لم تنجح المحاولات في فتح أحد معبرين جرى طرحهما في الآونة الأخيرة، الأول مع الأردن، والثاني يحاذي الحدود السورية الأردنية وصولا إلى مناطق شرق الفرات السوري، بالرغم من إن كليهما لا يخدمان المساعي الرامية لتأمين سريان «النسغ» اللازم لديمومة الحياة سوى لفترة محدودة، بل ولا المعبر الذي يجري الحديث عن حدوث توافقات سورية - «اسرائيلية» حوله مؤخرا في باريس، والذي من المقرر له أن يربط المدينة بمناطق الجولان السوري المحتل، سيكون بفاعلية تفوق ذلك، أليس من الضروري البحث عن إجابات محددة لأسئلة عديدة، من نوع: ثم ماذا بعد؟ وإلى أين نمضي؟ ثم هل من الواقعية الاعتقاد بإن تل أبيب جاهزة لتكرار سيناريو «16 تموز»، عندما استهدف سلاح الجو الإسرائيلي كلا من وزراتي الدفاع والأركان السوريتين، في كل وقت وزمان، وتحت أي ظرف من الظروف، ومهما تغيرت المعطيات؟
ما يجب أن يكون في صلب الحسابات، لمن هم ممسكون بصناعة القرار داخل الطائفة الدرزية في سوريا، هو إن «الممر» المزعوم لن يكون سهما في «حلق» السلطة، بل في «حلق» الجغرافيا والتاريخ السوريين على حد سواء، وآثاره التي قد تزول عن الأولى بزوالها، وكل سلطة زائلة بالتأكيد، لكن «ندباتها» ستبقى بارزة على سطوح كيان لشدة ما أصابته السهام صارت الأخيرة تتساقط على بعضها بعضًا، لا على تلك السطوح.
عبدالمنعم علي عيسى - الدّيار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|