"لقاء محتمل".. هل ينجح بوتين بجمع إردوغان بالأسد؟
خلال يوم واحد فقط أطلق مسؤولون روس كبار ثلاث تصريحات أبدوا من خلالها استعداد موسكو لجمع الرئيس التركي، رجيب طيب إردوغان برأس النظام السوري، بشار الأسد. ورغم تشابه عباراتهم إلى حد كبير، إلا أنها تضاربت إلى حد ما بخصوص ماهية الدور الذي ستلعبه روسيا، والخطط الموضوعة لذلك.
ويرتبط إطلاق هذه التصريحات بسياقين، الأول أنها تتزامن مع تلويح أنقرة بشن عملية عسكرية برية تستهدف نفوذ "وحدات حماية الشعب" الكردية في شمال سوريا، استكمالا للعملية الجوية التي بدأتها قبل أكثر من أسبوع.
أما السياق الثاني فقد جاءت عقب سلسلة مواقف استعرضها إردوغان مؤخرا، معلنا لأكثر مرة بأنه "لا استياء ولا خلاف أبدي في السياسة"، في إشارة منه إلى احتمالية الجلوس مع النظام السوري ورئيسه الأسد.
ونشرت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، صباح الجمعة، تصريحات المسؤولين الروس الثلاث، إذ قال أولا مبعوث فلاديمير بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف إنه "بالنسبة للتقارب بين أنقرة ودمشق فلا مشكلة في التوقيت، لكن في الرغبة بالتقارب بين البلدين"، مضيفا أن إمكانية جمع الأسد وإردوغان "متوفرة دائما، ونحن نؤيد إمكانية ترتيب عقد مثل هذا اللقاء".
بعد ذلك، نقلت الوكالة عن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف أن "موسكو لا تفرض وساطة على أنقرة ودمشق". لكنه قال: "إذا طُلب منا نحن مستعدون لعقد اجتماع بين إردوغان والأسد".
وبينما أضاف بوغدانوف أنه "حتى الآن لم يتم القيام بعمل ملموس على المستوى السياسي ولا توجد مثل هذه الخطط (في إشارة للقاء)، أبدى الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف استعداد موسكو "لتسهيل لقاء الأسد وإردوغان".
وأكد بيسكوف أن "روسيا مستعدة للتوسط في المفاوضات بين الأسد وإردوغان"، لكنه أوضح أنه حتى الآن لا توجد تفاصيل محددة حول هذه المسألة.
"اللقاء محتمل"
وحتى الآن لا تعرف بالتحديد الأهداف التي تريدها موسكو من هكذا نوع من التقارب، وعما إذا كانت ستنجح في إحداث أي خرق في العلاقة المتوترة منذ سنوات طويلة بين تركيا والنظام السوري.
وتعود جذور قصة "اللقاء المحتمل" إلى قمة شهر أغسطس في سوتشي، والتي جمعت إردوغان بنظيره فلاديمير بوتين، إذ طرح الأخير حينها "مقاربة" لإيقاف التهديدات المتعلقة بالأمن القومي التركي من الحدود الشمالية لسوريا، داعيا الرئيس التركي "لحل الأمر مع النظام السوري قدر الإمكان".
ومنذ تلك الفترة لم تنقطع التصريحات المتعلقة بعلاقة أنقرة بدمشق، وبينما انحصرت أولا بالتأكيد على التواصل الاستخباراتي بين البلدين، تطورت شيئا فشيئا كلاميا إلى الشق السياسي، من دون أي تحقيق أي شيء فعلي في المشهد.
من جانب أنقرة كان إردوغان قد كرر باستمرار، خلال الأيام الماضية، عبارته الشهيرة بأنه "لا استياء في السياسة. لا خلاف أبدي"، بينما اتجهت وسائل إعلام مقربة من الحكومة لكشف نوايا عقد لقاء قبل الانتخابات. مع أن الرئيس التركي أرجأ احتمالية ذلك إلى ما بعد يونيو 2023.
في المقابل وفي حين بقيت ترجيحات عقد مثل هذا اللقاء ضمن نطاق "الاحتمالية" لم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري حول ذلك.
ويعتقد مراقبون أن التصريحات المتكررة والخاصة بالنظام السوري من جانب إردوغان تتعلق بـ"غايات انتخابية"، ولكن ليس لذلك فحسب، بل ترتبط بجزء بما تطالب به أنقرة على حدودها الجنوبية.
وقبل أكثر من أسبوع أطلقت تركيا عملية جوية حملت اسم "المخلب السيف"، مستهدفة مواقع انتشار الوحدات الكردية على طول الحدود الشمالية لسوريا.
ومع تصاعد ضربات الطائرات الحربية ضمن نطاق هذه العملية ذهب المسؤولون الأتراك على رأسهم إردوغان للتلويح بشن هجوم بري على الأرض لاستكمال ما بدأوه، ما دفع موسكو وواشنطن لإبداء مواقف.
وقالت واشنطن لأكثر من مرة وعلى لسان مسؤولي الخارجية والدفاع (البنتاغون) إنها تعارض أي عمل بري "من شأنها أن يزعزع استقرار المنطقة"، أعربت موسكو عن معارضتها لذلك أيضا، فيما اتجهت للتواصل مع "الوحدات" وهي العماد العسكري لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
والتقى قائد القوات الروسية في سوريا، ألكسندر تشايكو بقائد "قسد"، وذكر مسؤولون سياسيون يمثلون الأخيرة أن موسكو عرضت عليهم الانسحاب من الحدود الشمالية لسوريا مسافة 30 كيلومترا، وإحلال الجيش السوري هناك، في خطوة لإبعاد شبح الهجمات البرية.
ولم يطرأ أي جديد حتى الآن عن هذا العرض الروسي، وكذلك الأمر بالنسبة للتهديدات المتعلقة بالعملية البرية التركية، والتي ما تزال وسائل الإعلام في البلاد تتحدث عن احتمالية شنها "في وقت قريب".
هل ينجح بوتين؟
وتعتبر موسكو الحليفة الأبرز لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، ومنذ بداية تدخلها العسكري في سوريا في 2015 كانت قد نجحت في حرف مسار الأحداث لصالحه، عسكريا وسياسيا في بعض المسارات.
في المقابل تتقاطع مصالح عديدة لموسكو مع أنقرة، وتوسعت دائرتها مؤخرا، بعدما اتجهت الأخيرة للعب دور "الوساطة" بين روسيا وأوكرانيا ضمن نطاق الحرب المستمرة حتى الآن، فضلا عن قضايا أخرى تتقاطع بين الجانبين، على رأسها سوريا، والاتفاقيات والمسارات المتعلقة بها، سواء "سوتشي" أو "أستانة".
ويرى أنطون مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط أن قصة اللقاء المحتمل بين إردوغان والأسد بوساطة موسكو "تذكره بقضية لقاء محتمل بين بوتين وزيلينسكي بوساطة إردوغان".
ويقول لموقع "الحرة": "كل هذا ممكن على المدى الطويل، لكن من غير الواضح ما إذا كان ذلك ممكنا على الإطلاق".
ومنذ الجولة الثالثة عشرة لمحادثات "أستانة" التي تلعب فيها موسكو وأنقرة دور الضامن "تمت مناقشة موضوع وحيد، وهو مواجهة قوات سوريا الديمقراطية".
ويضيف مارداسوف: "في الواقع، هذا يقول كل شيء - تعمل تركيا وروسيا والأسد على إضعاف سوريا الموازية الكردية، والتنازلات ممكنة على هذه الأرض".
بدوره يعتبر الباحث السياسي المختص بالشأن التركي، محمود علوش أن "الدور الذي تقوم به روسيا في رعاية المسار الجديد بين أنقرة ودمشق مهم جدا"، وأن "بوتين يحاول بذل جهود من أجل عقد اللقاء بين الأسد وإردوغان، لكن بطبيعة الحال الأزمة بين تركيا والنظام كبيرة وليست سهلة".
ويوضح الباحث في حديث لموقع "الحرة": "نتحدث عن قضايا معقدة جدا لاتزال عالقة وبحاجة للكثير من البحث والاجتماعات على المستوى السياسي والاستخباراتي، من بينها مستقبل الوجود التركي في سوريا".
"روسيا تحاول أن تقوم بهذا المسار بخطوات تدريجية عبر تمهيد الأرضية، بمعنى الوصول إلى حل نهائي بشكل تدريجي، لكن الانتظار لحل القضايا لن يساعد في إنهاء القطيعة".
ويستبعد علوش أن ينجح بوتين في عقد ربما لقاء بين إردوغان والأسد، لكنه يشير بالقول: "إذا حصل سيكون مؤشر على أن هذا المسار يمضي بشكل جيد رغم العقبات".
ما المتوقع؟
ومنذ شهر أغسطس الماضي بدت العلاقة بين أنقرة ودمشق على أنها تسير رغم التضارب ضمن 3 ساحات، الأولى مسرحها سياسي والثانية في الميدان، بينما الثالثة فتذهب إلى "ما خلف الكواليس"، كما تصفه وسائل الإعلام التركية.
وبينما تشهد الساحة الأولى "نبرات ود متسارعة" في وقت تؤكد فيه أنقرة على أن الحل في سوريا لا يجب أن يخرج عن قرار مجلس الأمن "2254" لا ينعكس ذلك على الثانية (الميدان) الذي تحكمه الضربات الجوية والبرية بعيدا عن أي تنسيق مباشر ومعلن.
في غضون ذلك يستمر التواصل الاستخباراتي في الساحة الثالثة (ما خلف الكواليس)، وبرزت تطور لافت مؤخرا بخصوصه، بعدما كشفت وكالة "رويترز" عن لقاء جمع رئيس جهاز المخابرات التركي، حقان فيدان مع نظيره السوري، علي مملوك في العاصمة دمشق.
ويتحدث الباحث الروسي مارداسوف أن أجهزة المخابرات التركية والسورية كثّفت تعاونها في الآونة الأخيرة، "وسيتعمق تعاونهما الإضافي حتى بدون وساطة موسكو".
ويقول: "هناك نقطة مثيرة للاهتمام تتعلق بأن دمشق وأنقرة عقدتا اجتماعات منذ فترة طويلة، على سبيل المثال في الجزائر، دون مساعدة موسكو".
ونادرا ما تكشف تركيا والنظام السوري عن تفاصيل اجتماعاتهما الاستخباراتية، مع تأكيدهما على أنها متواصلة، وتطورت بالتدريج خلال الفترة الأخيرة.
كما أنهما لم يعلقا مؤخرا على تقارير رويترز أو المعلومات التي سبق وأن تحدث عنها صحفيون أتراك.
ووفق مارداسوف: "يرغب الجانب الروسي في إبقاء مسار المفاوضات هذا تحت السيطرة، لكن ليس من المؤكد على الإطلاق أن موسكو ستحتفظ بأي تأثير على هذه الاتصالات في المستقبل".
من جهته يرى الباحث علوش أن "روسيا تعمل على تحفيز قنوات الاتصال الاستخباراتي"، وأن "لدى أنقرة ودمشق حاجة في التنسيق ببعض القضايا العسكرية، لأن الأمر في نهاية المطاف يحتاج هامش للتعاون الاستخباراتي، وهو ما فرض عليهما إيجاده مؤخرا".
"الدور الروسي مهم جدا وكانت هناك تقارير عدة عن استضافة موسكو للقاءات رفيعة استخباراتية، وبالتأكيد الاجتماعات كانت مهمة في دفع المسار الجديد بين سوريا".
واعتبر الباحث أن "أحد دوافع التغيّر التركي هو الهاجس من التعاون الأميركي مع الوحدات، وحاجة أنقرة للتحرك من أجل القضاء على مشروع الحكم الذاتي الانفصالي في شمال سوريا، من خلال الانفتاح على دمشق".
وزاد: "الانفتاح ليس مفضلا بالنسبة لإردوغان. اضطر إلى سلوكه من أجل منح تركيا هامش أكبر لتهميش نفوذ الوحدات الكردية، ولمكافحة الإرهاب على الحدود الجنوبية".
وسيعتمد "لقاء الأسد بإردوغان" على عوامل كثيرة، بما في ذلك الديناميكيات الإضافية للعلاقات التركية الأميركية، كما يشير الباحث الروسي.
ويقول: "من الواضح أن فريق إردوغان يستخدم أطروحة التقارب المحتمل مع دمشق لاختطاف أجندة المعارضة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية ووضع اللاجئين الصعب في تركيا".
لكن بعد الانتخابات، يضيف: "قد لا تكون الحاجة إلى الاجتماع ضرورية، وأي تنازلات مع واشنطن قد تجعل من الضروري تأجيل الاتصال المباشر مع الأسد".
ومع ذلك، "إذا تدهورت العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة، فإن أنقرة تفضل العمل بما يتماشى مع الاتجاهات الاقليمية، أي تكثيف الاتصالات في المنطقة، بما في ذلك مع الأسد". ويعتبر مارداسوف: "من ناحية، ترغب واشنطن في مثل هذا التكثيف في المنطقة، ومن ناحية أخرى، فإنها تتساءل عن مدى اتساق الاستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا".
وكانت الخارجية الأميركية قد أبدت في عدة مرات، ومنذ مطلع العام 2021 موقفها الرافض لتطبيع العلاقات مع النظام السوري ورأسه بشار الأسد، وذلك على لسان الوزير أنتوني بلينكن، إذ أكد في وقت سابق أن الولايات المتحدة "لم ترفع أي عقوبة مفروضة على سوريا ولم تغير موقفها المعارض لإعادة إعمار سوريا ما لم يُحرز تقدم لا رجوع عنه نحو حل سياسي نعتقد أنه ضروري وحيوي".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|