هل يوجب الدستور نزع سلاح المقاومة؟
مبدأ مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من جنوب لبنان بكل الوسائل المتاحة لا يخرج عن الدستور كما يكرر البعض، بل يُفترض أن تكون المقاومة واجباً وطنياً. إذ لا يجوز، بأي حال من الأحوال، «التخلّي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنها» (المادة الثانية من الدستور). ومن واجب السلطة الإجرائية، السياسية والعسكرية، تحرير الأرض بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك القوة إذا اقتضى الأمر.
لكن، إذا تمنّعت السلطة عن ذلك لأي سبب كان، أو إذا عجز الجيش اللبناني عن القيام بذلك بسبب نقص في الموارد والسلاح والقدرات العسكرية، فلا مانع دستورياً من مشاركة الشعب في مواجهة المحتلّ، لا بل من واجب اللبنانيين تحرير بلادهم من الاحتلال بكل الوسائل المتاحة.
إن تحديد عدم جواز التنازل عن شبر من الأراضي اللبنانية في الفصل الأول من الدستور، أي قبل تحديد هيكلية الدولة وصلاحيات السلطات، يضع هذا الواجب في أعلى سلّم الأولويات الوطنية والدستورية. وبالتالي، فإن قيام الدولة بنزع السلاح من الشعب الذي يقاوم المحتلّ من دون تسليح الجيش وتزويده بالقدرات التي تتيح له مواجهة المحتلّ ومن دون وجود ضمانات أكيدة وجدول زمني لانسحاب المحتل من «أحد أقسام الأراضي اللبنانية»، يُعد تخلّياً أو تنازلاً عن أراضٍ لبنانية، وبالتالي خرقاً جسيماً للدستور.
الدستور يحمّل رئيس الجمهورية مسؤولية مركزية في هذا المجال. إذ يلزمه في المادة 49 بـ«المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه».
صحيح أن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون أكد في خطاب القسم على «حق الدولة في احتكار السلاح»، لكنه أتبع هذه الجملة بتوصيف «الدولة» التي تحتكر السلاح: «دولة تستثمر في جيشها ليضبط الحدود ويسهم في تثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً وبحراً، ويمنع التهريب ويحارب الإرهاب ويحفظ وحدة الأراضي اللبنانية ويطبّق القرارات الدولية ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، جيش لديه عقيدة قتالية دفاعية يحمي الشعب ويخوض الحروب وفقاً لأحكام الدستور».
ورغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على انتخاب الرئيس تمنعت الدولة أو عجزت عن «الاستثمار» في جيشها وتسليحه وتطويره وتجهيزه وزيادة ميزانيته ليتمكن من القيام بالواجبات التي ذكرها رئيس الجمهورية في خطاب القسم، خصوصاً لناحية الحفاظ على وحدة الأراضي اللبنانية ومنع الاعتداءات الإسرائيلية.
رئيس الجمهورية تعهّد كذلك في خطابه أن «يدعو إلى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من إستراتيجية أمن وطني على المستويات الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية، أكرّر الدولة اللبنانية، من إزالة الاحتلال الإسرائيلي ورد عدوانه عن كل الأراضي اللبنانية».
لكن هذه المناقشة لم تكتمل حتى اليوم، ولم تحدد إستراتيجية تمكّن الدولة من «إزالة الاحتلال الإسرائيلي». وبالتالي، فإن امتلاك مواطنين لبنانيين جنوبيين، ما تزال أجزاء من أرضهم محتلة، للسلاح هو حقّ لا شرعية دستورية تبرّر نزعه. أما إذا أراد رئيس الجمهورية (مترئساً مجلس الوزراء) نزع السلاح بالقوة، في ظلّ تمنّع الدولة أو عجزها عن «إزالة الاحتلال الإسرائيلي»، فهو يتجاوز مكانته الدستورية كـ«رمز وحدة الوطن»، لأن الهجوم على أصحاب الأرض المحتلة لنزع سلاحهم يشكّل افتعالاً مباشراً للانقسام الوطني وإشعالاً لشرارة حرب أهلية قد تؤدي إلى انهيار الجمهورية.
والادعاء بأن رئيس الجمهورية يسعى مع رئيس الحكومة والحكومة إلى إزالة الاحتلال الإسرائيلي عبر المباحثات السياسية مع المبعوثين الأميركيين لا يمكن أخذه على محمل الجد، إلا إذا تُرجم عملياً ببدء تسليم الجيش اللبناني المواقع التي يحتلها جيش العدو الإسرائيلي، وهو ما لم يحصل حتى اليوم.
لبنان «عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات من دون استثناء» (الفقرة ب من مقدمة الدستور).
وبما أن قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بلبنان تنصّ على وجوب انسحاب الجيش الإسرائيلي من كامل الأراضي اللبنانية، وبما أن الكيان الإسرائيلي يمتنع عن الانسحاب، لا بل يوسّع احتلاله ويحصّن قواعد عسكرية داخل الأراضي اللبنانية ويعتدي على لبنانيين بشكل شبه يومي، فمن حقّ لبنان، عبر جيشه الوطني أو بواسطة مقاومة مواطنيه، الدفاع عن النفس ومكافحة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة. وهذا الحق مكفول في ميثاق الأمم المتحدة (الفصل السابع، المادة 51).
ولا بد من التذكير أن ممثل الكيان الإسرائيلي كان قد مزّق ميثاق الأمم المتحدة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقام الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بقتل أكبر عدد من موظفي الأمم المتحدة منذ قيامها.
مباحثات رئيس الجمهورية ورئيسي الحكومة ومجلس النواب مع مبعوثين أميركيين يتبعون لإدارة أكبر داعم لتجاوزات وخروقات الكيان الإسرائيلي لقرارات مجلس الأمن الدولي والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لا تتناسب مع الفقرة «ب» من الدستور اللبناني.
وأي بيان أو خطاب رسمي يصدر عن أي مسؤول في الدولة اللبنانية يعدّ الإدارة الأميركية صديقة للبنان وللبنانيين، مخالف لأبسط القواعد الدستورية لأن الولايات المتحدة الأميركية تدعم الكيان الإسرائيلي الذي يحتل «أقساماً من الأراضي اللبنانية»، وتزوّد جيشه بالأسلحة التي يستخدمها للاعتداء على لبنان واللبنانيين وعلى الجيش اللبناني.
أضف إلى ذلك أن المبعوثين الأميركيين الذين يتباحث معهم الرؤساء الثلاثة هم ممثلو الإدارة الأميركية الحالية التي هاجمت محكمة العدل الدولية وفرضت عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية بعد إصدارهم مذكرات توقيف ضد رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب تجويع البشر وإبادتهم.
بعض «الخبراء» في الدستور يتحايلون على الناس ويدّعون أن حصرية السلاح وحصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة يفترض أن يتحقق قبل «إزالة الاحتلال الإسرائيلي»، بينما يتجاهلون أو يخفون عن الناس أنه قبل خطاب القسم، وقبل مؤسسات الدولة، وقبل الجيش والرئاسات، تأتي الجمهورية والوطن بجميع أبنائه ويأتي الشعب «مصدر السلطات وصاحب السيادة» (الفقرة د من مقدمة الدستور)، ويأتي واجب «إزالة الاحتلال الإسرائيلي».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|