اعتداءات إسرائيلية ليلية في الجنوب: تفجيرات في عيترون وقنبلة في حولا
من أنطاليا الى إسطنبول… أرخص من جونية وجبيل!
رغم ما يتمتع به لبنان من جمال طبيعي متنوع يجمع البحر والجبل في مساحة جغرافية صغيرة، وإرث ثقافي وتاريخي غني جعله يلقب بـ "سويسرا الشرق"، يقف أبناء هذا الوطن الغارق في أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية متعددة عاجزين عن الاستجمام في بلدهم، فالسياحة الداخلية لم تعد خياراً ميسوراً أمامهم، إذ باتت "ترف" وكلفتها تفوق في كثير من الأحيان السفر إلى الدول المجاورة.
وتعتبر السياحة الداخلية من الجوانب المهمة في قطاع السياحة في أي بلد، فهي تسهم في تحريك العجلة الاقتصادية وتوفير فرص العمل، وتشجيع المواطنين على قضاء عطلاتهم ضمن بلادهم مما يزيد من استقرار الأسواق المحلية، وتعمل العديد من الدول على تقوية وتنشيط السياحة الداخلية بالتوازي مع السياحة الخارجية، لأن مواطني البلاد قد لا يقلون أهمية اقتصادية عن السياح الأجانب، وبهدف تشجيع السياحة الداخلية، تذهب الدول الى اعتماد أسعار مخفضة، خاصة بمواطنيها، بهدف تشجيعهم على السياحة الداخلية ما ينشط العجلة الاقتصادية.
أما في لبنان، رغم أن القطاع السياحي يعد أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني، الوضع مختلف، فالشركات الخاصة هي التي تمسك بمعظم المراكز والمؤسسات السياحية، فلا ينعم اللبنانيون بأي "تمييز" تشجيعي، سوى في بعض الأماكن الأثرية، وبنسبة ضئيلة جداً، أما الأماكن السياحية "الضخمة"، فيتساوى المواطنون مع السياح الاجانب لجهة دفع كلفة الدخول عينها.
جوزيف موظف في بيروت يؤكد أنه يشعر بالغبن جين يدفع المبلغ ذاته الذي يدفعه السائح الأجنبي، مضيفاُ "من حقنا أن نحصل على أسعار مدروسة تشجعنا على البقاء هنا، لكن العكس يحدث".
أما نسرين وهي أم لطفلين فتقول "يومان في فندق متوسط في لبنان مع وجبتين يكلفان أكثر من أسبوع كامل خارج البلاد، ففي الصيف الماضي اخترنا السفر إلى أنطاليا لان الأسعار أقل بكثير، والخدمة أفضل، وهناك عروض متكاملة تشمل الإقامة والطعام والرحلات"، وحال نسرين يشبه حال سمر التي كانت تحلم برحلة قصير إلى الجبل مع عائلتها لكن تكلفة ليلتين في فندق متوسط بجونية تعادل رحلة كاملة إلى إسطنبول بحسب تعبيرها.
أما جورج، موظف في شركة خاصة ويتقاضى نصف راتبه نصفه بالليرة اللبنانية والنصف الاخر بالدولار، فيصف تجربته بالمرة "أردت قضاء عطلة نهاية أسبوع مع زوجتي في البترون، صدمت من الأسعار، فانتهى الأمر بجلوسنا على الكورنيش مع قنينة ماء"، وهذا يوضح فجوة العيش الحقيقي ومدى صعوبة صرف القليل على الترفيه، فتراجع قيمة الليرة اللبنانية وارتفاع نسب البطالة جعل السياحة الداخلية حكراً على طبقة محدودة، فوفق إحصاءات غير رسمية، أكثر من 70% من اللبنانيين باتوا عاجزين عن تخصيص ميزانية للترفيه أو السفر داخل لبنان، ما يكرس التفاوت الطبقي ويحرم الغالبية من أبسط حقوق الراحة.
أما جهاد وهو صاحب فندق في برمانا "نحن لا نريد أن نرهق الزبون، لكن كيف نخفض الأسعار والكهرباء وحدها تكلفني آلاف الدولارات شهريا؟".
هذه الشهادات ليست فردية، بل تعكس واقعا عاما يواجه اللبنانيون اليوم الحالمين بعطلة داخلية لكنهم يصطدمون بجدار الأسعار الخيالية، فهذا الغلاء الفاحش في السياحة الداخلية مرتبط بسلسلة من الأسباب البنيوية، غياب السياسات السياحية الواضحة التي تحدد سقوفا للأسعار وتشجع المنافسة العادلة، وارتفاع التكاليف التشغيلية نتيجة أزمة الكهرباء والاعتماد على المولدات الخاصة وأسعار المحروقات المرتفعة، غلاء المطاعم والمقاهي التي تفرض أسعاراً بالدولار النقدي تفوق قدرة غالبية اللبنانيين، لتجعل الخروج العائلي عبئاً مالياً، الارتفاع الكبير في أسعار الفنادق والمنتجعات، حيث تجاوزت بدلات الإقامة في بعض المناطق الساحلية والجبلية ما يوازي أسعار فنادق أربع أو خمس نجوم في قبرص أو تركيا او اليونان، من دون أن ترافقها جودة خدمات متوازية، وضعف البنية التحتية السياحية، سواء من ناحية النقل العام شبه الغائب أو من حيث الخدمات الأساسية في بعض المناطق، ما يدفع العائلات إلى الاعتماد على سياراتها الخاصة وتحمل تكاليف إضافية للوقود.
إضافة إلى ذلك، الجشع التجاري لدى بعض أصحاب المؤسسات السياحية الذين استغلوا غياب الرقابة الرسمية، فرفعوا الأسعار بطريقة غير مدروسة.
وتشير التقارير إلى أن تكلفة السياحة الداخلية في لبنان قد تكون أعلى من السفر إلى بعض الوجهات الخارجية، على سبيل المثال، قد تصل تكلفة الإقامة في فندق لمدة ليلة واحدة إلى 150 دولارا أميركيا، بينما يمكن قضاء عطلة في دول مثل تركيا أو مصر بتكلفة أقل بكثير.
الأزمة لا تقف عند حدود الغلاء، فالعتمة الشاملة التي شهدها لبنان في آب 2024 بعد توقف محطات الكهرباء عن العمل، وغياب المياه في عدد من المناطق، والطرقات الممتلئة بالحفر والخالية من الإنارة جعلت من أي رحلة داخلية مغامرة محفوفة بالمفاجآت، ناهيك بالتوترات الأمنية التي تشهدها بعض المناطق، والتي تزرع الخوف لدى العائلات من التنقل بحرية.
وكشف تقرير حديث عن قائمة بأغلى المدن العربية من حيث تكلفة المعيشة في عام 2025، حيث احتلت بيروت المرتبة 168 عالميا بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات وارتفاع تكاليف الإسكان.
هذا الواقع أدى إلى عزوف الكثير من اللبنانيين عن السياحة الداخلية، متجهين نحو بلدان مجاورة توفر حزما سياحية متكاملة بأسعار أقل، بحيث يمكن لعائلة لبنانية قضاء عطلة أسبوع في تركيا أو قبرص، تشمل الطيران والإقامة والوجبات، بتكلفة أقل أحيانا من رحلة مماثلة داخل لبنان، في مناطق مثل جبيل أو فاريا، كما انعكس الغلاء على ضعف الحركة السياحية في عدد من المناطق الريفية والجبلية، مما أضر بالمجتمعات المحلية التي تعتمد على الموسم السياحي لتأمين دخلها، وزاد من هشاشة الاقتصاد المحلي في هذه المناطق، مع الاعتماد المفرط على السائح الأجنبي، ما يجعله عرضة لأي أزمة سياسية أو أمنية.
تشير الإحصاءات إلى أن إجمالي إنفاق الزوار الدوليين على السياحة في لبنان بلغ 519.7 تريليون ليرة في عام 2024، مقارنة بـ 201.9 تريليون في عام 2023، مما يعكس زيادة ملحوظة، في المقابل، بلغ الإنفاق المحلي 53.5 تريليون ليرة في 2024، منخفضا عن 77.8 تريليون في 2019، مما يدل على تراجع في القدرة الشرائية للمواطنين اللبنانيين
وبعيداً عن البعد الاقتصادي، فإن السياحة الداخلية ليست مجرد ترف، فهي وسيلة لتعزيز الانتماء الوطني، وتقوية الروابط بين المناطق، ونشر الثقافة والتراث المحلي، ما يجعل فقدانها خسارة مزدوجة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
في بلد يملك كل مقومات الجذب السياحي، تبقى المفارقة أن اللبناني يجد السفر إلى الخارج أقل كلفة وأكثر راحة من السياحة في وطنه، وإذا لم تتحرك السلطات سريعاً لوضع سياسات إنقاذية، فإن لبنان مهدد بخسارة ما تبقى من حيوية قطاعه السياحي الداخلي، لتبقى موارده الطبيعية الجميلة بعيدة عن متناول معظم أبنائه، والحلول لهذه الأزمة لا تحتاج إلى معجزة كما يرى الخبراء بل تبدأ عبر وضع خطة سياحية وطنية تحدد أسعاراً مدروسة بالتعاون مع النقابات المعنية، تشجيع السياحة البيئية والريفية والبديلة، بما في ذلك بيوت الضيافة والمشاريع الصغيرة ذات الكلفة المقبولة التي تعود بالفائدة مباشرة على المجتمعات المحلية، تعزيز النقل العام لتخفيف الأعباء على العائلات، فرض رقابة رسمية على الأسعار لضمان التوازن بين أرباح أصحاب المؤسسات والقدرة الشرائية للمواطنين، وإطلاق باقات سياحية مدعومة بالتعاون بين البلديات والقطاع الخاص.
على الرغم من التحديات التي تواجه السياحة الداخلية في لبنان، إلا أن هناك فرصا كبيرة للنهوض بهذا القطاع من خلال تحسين البنية التحتية، وضع سياسات استراتيجية، ودعم المشاريع المحلية، بتنفيذ هذه الحلول ليتمكن لبنان من تعزيز مكانته كوجهة سياحية مفضلة للمواطنين والمغتربين على حد سواء، لكن حتى ذلك الحين، يبقى اللبناني أمام معادلة موجعة إن أراد عطلة، يجد الخارج أوفر وأرحم، فيما وطنه يحوله إلى "سائح محروم" في وطنه، محاط بجمال طبيعي لا يستطيع الوصول إليه إلا من بعيد.
ربى أبو فاضل - "الديار"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|