هل تصبح أميركا عدوة لـ"إسرائيل"؟
سؤال في منتهى السذاجة، أليس كذلك: هل تصبح أميركا عدوة لاسرائيل ؟ لا يكفي أن يقول دونالد ترامب، لموقع "دايلي كولر"، ان اسرائيل فقدت السيطرة على الكونغرس الذي طالما كان النسخة الأميركية (العظمى) عن الهيكل، كما لا يكفي أن تنقل "وول ستريت جورنال" عن مسؤول أميركي أن بنيامين نتنياهو يدرك أن الولايات المتحدة هي السبب الوحيد لوجود دولة اسرائيل، وأن الادارة أعربت عن احباطها حيال الاجراءات الاسرائيلية في الأيام الأخيرة.
ما يثير الصدمة هنا قول الصحيفة "ان تل أبييب خرجت بسلسلة من النجاحات العسكرية المذهلة، بقوة شبه مطلقة في الشرق الأوسط، فيما تواجه الولايات المتحدة الآن صعوبة في التكيف". أعظم أمبراطورية في التاريخ تواجه صعوبة بالتكيف مع التغييرات التي أحدثتها تل أبييب في منطقة هي المثال في الهشاشة، وفي الهلهلة، السياسية، والعسكرية. من يتصور ؟
أين هي العصا الأميركية التي تضرب في كل مكان من الكرة الأرضية، خصوصاً مع قول "وول ستريت جورنال" انه "يتزايد على وجه الخصوص، انتقاد أنصار للرئيس ترامب في حركة "لنجعل أميركا قوة عظيمة مرة أخرى" (MAGA) لدعمه رئيس الحكومة الاسرائيلية، حتى أن هناك أعضاء في الكونغرس دعوا الادارة الى استخدام نفوذها الكبير للضغط على نتنياهو من أجل التوصل الى وقف النار ...
هذا يجعلنا نتفاءل، ولو عن بعد، بأن الرؤوس الأميركية التي بقيت لعقود تحت قبعة الكاوبوي، وحيث الشبق الفرويدي للقوة، قد بدأت في تصحيح الرؤية، بعدما تجاوز زعيم الليكود حتى الخطوط الأميركية الحمراء، وحيث وضع المصالح الاستراتيجية الحساسة للولايات المتحدة على خط النار، وان كانت غالبية الدول العربية لا تزال في اجترارها الأبدي للغيبوبة العثمانية.
ابان ولايته الأولى، أطلق الرئيس ترامب ما دعي بـ "صفقة القرن"، أي اقامة نوع من الفديرالية الايديولوجية بين العرب واليهود، بقيادة الحاخامات، ودائماً لخدمة أميركا. هكذا نشأ "ميثاق ابراهيم"، أو "اتفاقات ابراهام"، ولكن متى رأينا اسحق واسماعيل في خندق واحد، أو في قبر واحد. لنلاحظ أين اصبح ورثة اسحق وأين أصبح ورثة اسماعيل. روبرت كاغان رأى أن العرب يشترون أحدث الطائرات، وأحدث الدبابات، كما لو أنهم يشترون الدمى لأطفالهم.
ترامب كان يعتقد أن بامكانه تسويق صفقة القرن بالورود لا بالدماء، قبل أن تسقط عند البوابة اللبنانية، وبوجود "حزب الله" الذي كان يظن أنه تمكن من ارساء معادلة الردع، بينما كان الاسرائيليون يعملون، ليل نهار، من أجل تطوير امكاناتهم التكنولوجية، في المجالين العسكري والاستخباراتي.
عملية "طوفان الأقصى" التي يعتبر مفكرون فلسطينيون أنها نفذت في الوقت الخطأ لأن نتنياهو كان يراهن على مثل تلك الفرصة الذهبية للخروج من عنق الزجاجة، وتغيير الستاتيكو الذي كرسه الأميركيون بانتظار ما سيكون، كما لاطلاق شعار تغيير الشرق الأوسط، الأمر الذي عجز الأنبياء عن القيام به، ليتركوا وراءهم تلك الفوضى الأبوكاليبتية.
أجل، ما قام به نتنياهو، بدعم أميركي لوجيستي وعملاني، عملية جراحية مركبة، وتستدعي سلسلة من العمليات الجراحية الحساسة، بعدما بدأت بذلك التغيير الدراماتيكي في سوريا. لكن المشكلة في أن العقدة التوراتية التي تتحكم باللاوعي اليهودي، بأبعدها الماورائية، تبدو وكأنها هي من تقود نتنياهو الذي ذهب به الجنون، الجنون الايديولوجي، الى حد القول انه في مهمة روحية، وهي اقامة "اسرائيل الكبرى"، أي الانفصال الكلي، والخطير عن الواقع، وعن الوقائع. هكذا المضي، في صناعة الجثث، وفي تكديس الجثث، فهل يكفي كلام ترامب ؟ هذا اذا كان الاسرائيليون يفكرون بما يمكن أن يتأتي اذا ما حدث تغيّر بنيوي في الرأي العام الأميركي.
بالرغم من ذلك، ما زال اللوبي اليهودي ينشط في كل الاتجاهات لتبني سياسات الائتلاف الحالي في اسرائيل، باعتبار أنها الفرصة التاريخية لاحداث تغيير في مسار الشرق الأوسط، وحتى في خريطة الشرق الأوسط. لاخطوة واحدة الى الوراء، بل دعم أميركي مطلق لاسرائيل التي أثبتت الحرب الأخيرة مدى تفوقها التكنولوجي الساحق، فيما النظر الى حزب لبناني كنهديدً لأمن المنطقة، وربما تهديداً لأمن العالم.
عشية جلسة مجلس الوزراء أمس، كتبت "النيويورك تايمز" ان "قادة لبنان أمام نفاد الوقت لنزع سلاح "حزب الله"، قبل أن يجازفوا بخسارة الدعم المالي الأميركي، والخليجي، بل ومواجهة حملة عسكرية اسرائيلية متجددة"، ليصف مسؤولون أميركيون جلسة الأمس بـ "اللحظة المفصلية"، وهم يوضحون "ان الولايات المتحدة، ودول الخليج العربي تضغط على الحكومة اللبنانية لاتخاذ موقف حاسم ، دون أن تثنيها تهديدات الحزب".
ما يمكن استنتاجه من أجواء "حزب الله" العقلانية في التعاطي مع المسألة. لا صدام مع الجيش اللبناني، ولا مع أي فئة لبنانية أخرى، ولكن ألا يفترض بأن يحصل لبنان على ضمانات قاطعة بوقف الانتهاكات الاسرائيلية اليومية، وبالانسحاب من التلال الخمس المحتلة ؟ هذا أقل ما يمكن طلبه عندما يكون لبنان في مواجهة مع السياسات، ومع المواقف، الهيستيرية لبنيامين نتنياهو ...
اختزال للمشهد. الأميركيون وضعوا القنبلة على طاولة مجلس الوزراء. ماذا اذا انفجرت؟
نبيه البرجي -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|