الحكومة أنقذت نفسها من الدّاخل… ماذا عن الخارج؟
نجح المخرَج المتّفَق عليه بتفاصيل مشاهده في سحب فتيل الاصطدام بين رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام من جهة، والثنائيّ الشيعيّ من جهة أخرى، على خلفيّة عرض قائد الجيش رودولف هيكل خطّة الجيش لسحب السلاح وفقاً لقرارَي مجلس الوزراء المتّخذَين في جلستَي 5 و7 آب المنصرم. فهل يكفي هذا المخرج لمعالجة الأزمة؟
دلّت الوقائع التي واكبت جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وانتهت بتأييد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لما خرجت به الحكومة عبر قوله إنّ “الأمور تمضي بإيجابيّة والرياح السامّة بدأت تنجلي، وما حدث في موضوع خطّة الجيش يحفظ السلم الأهلي”، على أنّ المشهد برمّته كان متّفَقاً عليه بين الرئاسات الثلاث، وهو بمنزلة صيغة وسطيّة لا تكسر أيّاً من الأطراف، وتعيد الهدوء إلى الشارع.
هكذا لم تتراجع الحكومة عن قرارَيها، كما كان يطالب الثنائي الشيعي، فاستمعت إلى خطّة قائد الجيش، لكن اكتفت بالترحيب بها من دون إقرارها رسميّاً أو ربطها بمهلة زمنيّة، ولو أنّها بالأساس معقودة على قرار اتُّخذ سلفاً في مجلس الوزراء.
لم يتراجع الثنائي عن موقفه الرافض للنقاش في قرارَين يعتبرهما غير قائمَين، ولذا هو غير مستعدّ لمناقشة أبرز مندرجات هذين القرارَين، أي خطّة الجيش، ليعفي نفسه من تبعة السير بهذه الخطّة والتزام مقتضياتها.
انتهت “المباراة” إلى تعادل حيث ربحت القوى السياسية في الحكومة وأنقذتها من الشلل أو من عطب اللاميثاقية، لكنّها وضعتها أمام حائط مسدود: خطّة الجيش لم تُقرّ رسميّاً، وهو ما يعني أنّها قد تبقى حبراً على ورق، خصوصاً أنّ قيادة الجيش تركت لنفسها ممرّاً خلفيّاً لتعليق التنفيذ تحت عنوان “الإمكانات المتاحة اللوجستية، البشرية والعسكرية، المحدودة”، كما وصفها وزير الاعلام بول مرقص بعد انتهاء الجلسة، “التي سمّاها قائد الجيش “التقييدات” التي تتعلّق بالجيش نفسه وبتسهيل إمكان تنفيذ الخطّة، والمقصود بذلك وقف الاعتداءات الإسرائيليّة التي تعوقه عن تنفيذ خطّة كهذه”.
من تسنّى له الاطّلاع على مداولات الأيّام الأخيرة التي سبقت موعد الجلسة، كان يدرك سلفاً أنّ المخرج المتّفَق عليه هو تعليق تنفيذ خطّة الجيش على حبلَيْن: الإمكانات المحدودة وحماية السلم الأهليّ. كان الجديد هو الامتناع حتّى عن إقرار الحكومة للخطّة والاكتفاء بالترحيب الذي هو بالنتيجة موقف سياسي أو معنوي لا يحمل أيّ صفة قانونيّة ملزمة. وهذا يعني أنّ الحكومة تدعم الجيش في خطّته لكنّها لم تتّخذ قراراً رسميّاً أو إجرائيّاً بإقرارها.
لكنّ إنقاذ الحكومة مؤقّتاً لا يعني أبداً أنّها لا تزال بكامل عافيتها. صحيح أنّه تمّ استيعاب اللحظة السياسية خشية تحوّلها إلى محطّة صداميّة، لكنّ مجلس الوزراء، وخلفه رئاسة الجمهورية، لم يعالجا أصل المشكلة: السلاح. كلّ ما حصل هو سحب فتيل التوتّر مع الثنائيّ الشيعيّ الذي كاد يطيح بالحكومة، لكنّ هذا المخرج تركها أمام حائط مسدود.
على الرغم من قرارَي الحكومة الاستثنائيَّين بفرض حصريّة السلاح في مهلة أقصاها نهاية العام، أثبتت فعليّاً أنّها عاجزة عن التزام الأجندة الدوليّة ومعالجة هذا الملفّ، أقلّه وفق المقاربة التي تطرحها، خصوصاً أنّ إسرائيل ترفض التزام الورقة الأميركية. يكفي أنّ مجلس الوزراء أعاد الكرة إلى ملعب الاعتداءات الإسرائيليّة لكي يعتبر نفسه بحِلٍّ من الورقة الأميركية ويعلّق مهمّة الجيش. وهو ما يعني أنّه نزع من يديه المبادرة إلى سحب السلاح.
حكومة تصريف أعمال؟
من هنا يجوز السؤال: كيف ستتعاطى واشنطن مع هذا الواقع؟
بهذا المعنى قد تتحوّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، أو حكومة مياومة تقضي في الأمور المستعجلة والحياتيّة، لكنّها لا تملك ترف معالجة القضايا الأساسيّة، بانتظار موقف المجتمع الدولي. ولا يقصد هنا بالقضايا الأساسيّة، ملفّ السلاح فقط، بل يشمل ذلك إعادة الإعمار، الكهرباء، الوضع النقدي… وغيرها من الملفّات الملحّة التي تحتاج إلى تشارك دوليّ.
أكثر من ذلك، ستخضع الحكومة لفترة اختبار، لكن ليس لأدائها، وإنّما لعلاقات الرئاسات الثلاث بسبب انعدام الثقة بينها على خلفيّة ملفّ السلاح، وفي ضوء الكلام الذي نُقل عن الثنائي الشيعي بعد جلستَي 5 و7 آب عن “خديعة” تعرّض لها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي و”الحزب”. وهو ما يضع الحكومة أمام اختبارات يوميّة قد تحول أيضاً دون قدرتها على معالجة ملفّات بارزة.
إذاً القوى السياسية نزلت عن الشجرة. الحكومة عبرت معموديّة الخامس من أيلول، من دون أن تحترق، لكنّها تعرّضت للتشظّي على الرغم من محاولات حمايتها. كلّ المؤشّرات تشي بأنّ الأمور إلى مزيد من التعقيد، بانتظار اتّضاح الموقف الدولي والخليجيّ ممّا حصل. الأرجح أنّها ستكون معرّضة لمزيد من الهزّات.
كلير شكر -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|