الصحافة

ما بعد جلسة الجمعة: أيّ ضغوط جديدة تنتظرنا؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

المشهد بعد جلسة الحكومة يوم الجمعة الماضي، جعل كثيرين يتنفّسون الصعداء. لا أحد يعلم بالضبط أسباب هذا الشعور بالارتياح، سوى أن بعضهم كان يتوقّع انفجاراً أمنياً كبيراً، وأن بين أهل السلطة من كان يعتقد بأن خطة الجيش قد تمثّل انطلاقة تؤدّي إلى صدام مع المقاومة وبيئتها الشعبية.

مع ذلك، لم تتّجه الأمور نحو أحداث دموية كما توقّع كثيرون، ولا وُضع الملف جانباً بمجرّد اكتفاء الحكومة بأخذ العلم بخطة الجيش. فجوهر القضية، في الحقيقة، لا يزال خارج الحدود اللبنانية.

في لبنان، تقف المقاومة وحيدةً كفاعل مركزي في هذا الملف، وقد قالت علناً ما ردّدته سرّاً، بأنها لا ترى موجباً للتخلّي عن سلاحها، بل لديها من الحجج الموجبة للتمسّك به ما يجعلها ترفض أصل النقاش. وقد أظهرت النقاشات اللاحقة أنّ المقاومة اعتمدت آلية تواصل مكثّفة مع أركان الدولة لتوضيح موقفها، قبل أن تبادر إلى شرح تفاصيل رؤيتها مباشرةً لقائد الجيش العماد رودولف هيكل وعدد من القادة، محذّرة من مخاطر جرّ الجيش إلى فتنة مع المقاومة وبيئتها.

وفي كل مراحل البحث، كانت المقاومة حازمة وصريحة، وربما اضطرت إلى إطلاق المواقف التي عبّر عنها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم منعاً لأي التباس أو تأويل، خصوصاً أن مرجعيات كبرى، كرئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، حاولت تأويل الأمور بطريقة غامضة، بينما كانت تهيّئ المسرح لاتخاذ قرارات كارثية في الخامس والسابع من آب الماضي.

إلى جانب المقاومة، يقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ينظر إلى المشهد بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة من زاوية مختلفة. فالرجل مسكون بهاجس مصير الشيعة كمجموعة بشرية وسط العواصف المتلاحقة من حول لبنان. ولعلّها المرة الأولى التي يستوعب فيها بري تماماً ما كان يقصده حليفه وصديقه وليد جنبلاط حين يتحدّث عن «قلق الجماعة الصغيرة». وربما بات بري اليوم أقرب إلى نظرية جنبلاط في اعتماد مبدأ التحوّط، تفادياً للانجرار إلى مواجهة تهدّد الوجود والتمثيل والمصالح الشيعية في البلاد.

لكنّ بري ليس شيخ قبيلة على طريقة جنبلاط، إذ يدرك أنّ لديه شركاء أقوياء لدى البحث في مصير الطائفة، وهو ربما يحتاج إلى التثبّت باستمرار من وقائع تخصّ المقاومة وقدرتها على مواجهة العدو، خصوصاً أنّه، كسواه من القيادات، خرج من الحرب الأخيرة مصدوماً من حجم ما أقدمت عليه إسرائيل. لهذا، أبدى بري اهتماماً بمعرفة حقيقة الموقف الإيراني من هذا الملف.

ومن هنا يمكن فهم البعد الرئيسي لزيارة مستشار الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت الشهر الماضي، والتي نقل فيها إلى بري رسالة خاصة من المرشد علي الخامنئي، تؤكد أنّ إيران تقف إلى جانب حزب الله وتمنح كامل الدعم لقيادته الجديدة وأمينه العام الجديد، كما فعلت في عهد الشهيد السيد حسن نصرالله.

موقف الحزب، والدعم الإيراني الواضح، والوقائع الجارية في لبنان وسوريا والإقليم، دفعت الرئيس بري إلى اتخاذ موقف أكثر صراحة هذه المرة. حتى إنّ الثنائي عون وسلام أمضيا وقتاً طويلاً في التفكير بما إذا كان رئيس المجلس يناور في موقفه المستجدّ.

فبالنسبة إليهما، كان بري شريكاً في صياغة التفاهم الأوسع مع الأميركيين، ويعتقدان بأنّ المفاوضات التي يجريها مع المبعوث الأميركي توم برّاك لا تختلف كثيراً عمّا يقومان به. ورغم أنّ بري حاول التفاهم مع عون، من دون أن يجرّب حظه مع سلام الذي لا يثق به أصلاً، إلا أنّه وجد نفسه مضطراً إلى التعبير عن غضبه ممّا جرى. لذلك، بدا واضحاً وحادّاً في موقفه قبيل جلسة الجمعة، علماً أنه كان في الوقت نفسه يوجّه رسالة ضمنية إلى عون وسلام مفادها أنّه قادر على المساعدة في إيجاد مخرج من هذا الفخّ.

في الجبهة المقابلة، تقف أطراف عديدة صاحبة مصلحة أكيدة في التخلّص من المقاومة، فكرةً وحزباً وسلاحاً، لكنّها تفتقر إلى عناصر القوة التي تخوّلها المبادرة بخطوات حاسمة في هذه المواجهة، فلا يتجاوز فعلها حدود رفع الصوت والصراخ عالياً، ومناشدة الأميركيين للتصرّف. وعندما قادت السعودية الضغوط المباشرة على رئيس الحكومة وغالبية القيادات السنّية، كان في بيروت من يعتقد بأنّ الأميركيين سيتكفّلون بقيادة الجيش.

ولذلك، فإن الحديث المتداول اليوم عن «خيبة أمل» من موقف الجيش لا يعكس سوى جهل بحقيقة الموقع الفعلي للجيش من الصراع القائم. وربما كانت التطورات الأخيرة مناسبة ليُدرك الجميع، خصوصاً الرئيس عون، أنّ الجيش في لبنان ليس مؤسسة تخضع لقرارات السلطة السياسية بالمعنى المتعارف عليه في دول العالم.

وحتى لو خرجت قيادته لتؤكّد التزامها بقرارات الحكومة، فإنّ ذلك لا يعني استعدادها لتنفيذ كل ما تطلبه السلطة السياسية منها، وهو ما درجت عليه المؤسسة العسكرية منذ ما بعد اتفاق الطائف.

والمفارقة أنّ كثيرين من المشاركين في صناعة ذلك الاتفاق يتجاهلون أن واحداً من أهم التغييرات التي طرأت على الدستور، هو نزع سلطة رئيس الجمهورية (ورئيس الحكومة أيضاً) عن الجيش، وتحويله إلى مؤسسة تتمتّع بقدر عالٍ من الاستقلالية التي تحول دون الانجرار إلى تغطية قرارات السلطة، خصوصاً عندما تكون في خدمة فريق ضد فريق آخر من اللبنانيين، علماً أن الجيش، عندما أبلغ المسؤولين في لبنان وجهات خارجية بأنّه غير جاهز لتنفيذ مهمة نزع سلاح المقاومة، لم يكن يناور أو يتهرّب، بل كان يعلن بوضوح موقفاً سياسياً يعبّر عن وقائع ميدانية، والقدرات الفعلية للمؤسسة العسكرية، سواء لجهة العُدّة والعديد أو على صعيد الإمكانات المالية واللوجستية، وهو ما ورد بصراحة في مداخلة قائد الجيش في جلسة الحكومة.

عملياً، أعادت محطة الجمعة الأمور إلى نقطة المواجهة السابقة، حيث يُفترض بالجانب الأميركي أن يعيد صياغة مبادرته تجاه لبنان، وهو أمر لا يزال قيد الدرس، وفق مطّلعين على عمل المبعوث توم برّاك الذي عاد من زيارته الأخيرة إلى بيروت مُثقلاً بالإحباط، ليس فقط لعجزه عن إقناع بنيامين نتنياهو بتقديم تنازل ولو في تفصيل واحد، بل أيضاً لشعوره بأن صقور واشنطن المقرّبين من اللوبي الصهيوني حاصروه بقوة، ومنعوه حتى من الدفاع عن موقفه، ولا سيما خلال اجتماعه مع نبيه بري.

بحسب ما سبق الزيارة الأخيرة، لا ترى واشنطن نفسها في موقع من يمكن أن يفرض على إسرائيل القيام بأي خطوة تُسهم في مساعدة الحكومة اللبنانية على تنفيذ خطتها. وهذا بحدّ ذاته شكّل محور القلق لدى القوى اللبنانية التي تحمّست لقرار نزع السلاح، لتجد نفسها اليوم مُكبّلة: من جهة، جيش يحذّر من زجّه في مغامرة غير محسوبة، ومن جهة أخرى، وصيّ أميركي - سعودي يعجز عن انتزاع أيّ تنازل من إسرائيل.

كل ما سبق، يعيدنا إلى السؤال الجوهري نفسه: إذا كانت مهمة نزع السلاح تمثّل حاجة داهمة للعدو، ومن خلفه الأميركيون والسعوديون، فهل سيكون لبنان على أعتاب موجة جديدة من الضغوط السياسية، أم أمام جولة جنون إسرائيلية جديدة؟

ابراهيم الأمين - الاخبار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا