الصحافة

كيف ينتهي "حزب الله"؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يتدثر "حزب الله" برداء من العصبوية المذهبية المفرطة، والتي وصلت حد التألّي على الله، واختلاق علاقة خاصة واحتكارية معه، بالتوازي مع الإمعان في توظيف ناشطين إلكترونيين لإنتاج مناخات مشحونة بشدّة، تروم إرباك مروحة هائلة من الخصوم تبدأ بالدولة وصناع قرارها، ولا تنتهي بحلفائه السابقين، بغية دفع الجميع إلى وضعية دفاعية.

كل ذلك تعبير عن سردية مأزومة ومضطربة تحاول حرف النقاش وتغطية انتقال "الحزب" من موقع الفاعل، المهيمن محليًا والمشارك إقليميًا، إلى موقع ردّ الفعل، وهذا ليس تفصيلًا عابرًا، بل جوهر التحول الذي يعكس صيرورة مشروعه "جثة سياسية" مؤجّل إعلان وفاتها ومراسم دفنها بسبب التنافس عليها بين أطراف عدة، أولها الدولة اللبنانية.

هذه "الجثة السياسية" صارت أقرب إلى حال السلاطين والحكام الذين أخّر رجال البلاط، ونساؤه، الإفصاح عن موتهم حتى يتمّ هندسة المشهد وحقوق الإرث. وبمعنى أدق صارت كـ "مِنْسَأَة" نبي الله سليمان، يتشبث بها نظام الملالي، محاولًا الدفاع عنها بإشاعة الوهم، لأن لمسها بجدية كفيل بسقوطه رمزيًا وسياسيًا مع مشروعه التوسعي، حتى ولو بقي بنيانه قائمًا.

في لبنان تبدو الانهيارات وكأنها حدثت على حين غرّة، فيما هي نتيجة تراكمات تسربت رويدًا رويدًا مثل المياه إلى أعماق البناء فصدّعته. ومثلما كان الانهيار المالي حصيلة تراكم سياسات اجتمعت فوق بعضها، فإن انفجاره حمل بذور انهيار مشروع "الحزب". وربما استشعر السيد حسن نصر الله بذلك فهبّ معارضًا ومدمرًا ومخونًا بشعار عارٍ من أي آلية دفاع سياسية.

ومع ذلك، فإن هذه "المنسأة" يمكن أن تستمر لسنوات، إلى أن يتدخّل فاعل ويلمِزَها، أو يحصل حدث يكشف الجثة الممسكة بها. حينما خرجت "منظمة التحرير" الفلسطينية من بيروت غداة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، فإن تأثيرها السياسي استمر، وتكفّل حافظ الأسد بما لم يتح لإسرائيل فعله، فطوّق ياسر عرفات بالانقسامات في المنظمة و"فتح"، وحاربه بعد عودته الالتفافية إلى مدينة طرابلس وأخرجه من لبنان نهائيًا.

ولأن لكل حرب وظيفة سياسية، فإن حافظ الأسد دفع "حركة أمل" إلى إشعال حرب المخيمات للقضاء على نفوذ أبو عمار والإطاحة بمنسأته. ومذّاك اكتسى الوجود الفلسطيني في لبنان بطابع اجتماعي أسبغ عليه بعض الاستثمارات السياسية والأمنية. هذا الواقع يدركه صناع القرار، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي يسعى إلى أن تلتقط الدولة الفرصة كي لا يظهر "حافظ" آخر في الميدان توكل إليه مهمة لكز "المنسأة".

فهو منذ انتخابه يتبنى سياسات ترتكز على مجموعة من الخطوات الصغيرة، تتخللها وثبات مدروسة، لزيادة الضغط على "الحزب" بشكل متدرج، على طريقة الملاكم الذي يواصل تسجيل اللكمات إلى أن تحين لحظة الضربة القاضية، حيث يقع الهيكل المتداعي على صناعه ومؤيديه، فتكون الدولة هي من يلقفه. غداة خطاب القسم والبيان الوزاري، خفّض رئيس الجمهورية من إيقاع الضغوط. وفي موازاة الحوار مع "الحزب"، لم يكتفِ بجمع السلاح جنوب الليطاني، بل راح يراكم مجموعة من الخطوات لتفكيك نفوذه، عبر تعيينات قادة المؤسسات الأمنية، وأكثر منها مناقلات الضباط فيها.

بنى توازنًا دولتيًا ناجحًا مع رئيس الحكومة أنتج وثبة تاريخية في عمر الجمهورية تمثّلت بقرارات جلسة 5 آب، عمل بعدها على إحداث توازن آخر بين المسار الداخلي والضغوطات الخارجية بما يتناسب مع إمكانيات الدولة المتاحة راهنًا. بالارتكاز على تبادل الأدوار المنظّم بدقة مع الرئيس نواف سلام، استطاع رئيس الجمهورية جلب الرئيس نبيه بري إلى ملعبه، عبر صياغة مرنة لجلسة 5 أيلول تدعم تموضع الأخير في الوسط، وتتيح له مواصلة تدجين شريكه في الثنائية إيّاها واحتواء غلوّه، لإدراكه أن "أبو مصطفى" ينتظر إبرام تسوية شاملة تضمن موقع الشيعة في المعادلة كي يرتصف خلف الدولة.

إلا أنه في النهاية تمكن من انتزاع موافقة "الحزب" على خطوات جديدة تضيّق الخناق عليه، من منع تحرّكات المسلحين و"نقليات الصواريخ"، إلى القبول بخروجه النهائي من جنوب الليطاني. والأجل غير المحدّد في خطة الجيش يمكن أن يتحوّل بوثبة أخرى إلى ما يتّسق مع قرارات الحكومة. لا يريد رئيس الجمهورية حصول مواجهة مع "الحزب"، لكنه يعلم أن إسقاط "منسأته" يحتاج صدمة يعمل على أن تكون محدودة التداعيات والتكلفة، والأهم قرارها بيد الدولة وحدها.

وفيما يواصل الإطباق على "الحزب" من مختلف الجوانب، بالشراكة مع الرئيس سلام، فإن استهداف إسرائيل للدوحة يشكل رسالة واضحة حول كسر كل المعادلات والمحرّمات التي كانت سائدة في المنطقة، مما قد يحتّم على الدولة تقريب لحظة الصدمة كي لا تفقد زمام المبادرة، ولقطع الطريق أمام احتمالية تدخل إسرائيل أو أي فاعل خارجي. ليبقى السؤال حول ماهية الصدمة: هل تكون مثلًا باعتقال أحد قادة "الحزب" البارزين؟

سامر زريق - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا