إقتصاد

الودائع راجعة نقدًا... وبالسندات

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تملأ التسريبات فضاء الإعلام بكل قطاعاته في شأن خطة إعادة الودائع وسدّ الفجوة المالية، تمهيدًا لإعلان بدء الخروج فعليًا من الانهيار الذي ضرب البلد واقتصاده منذ أواخر العام 2019. وتكاد تكون الحقائق الثابتة، أقل من السيناريوات المتعددة التي ترسم خططًا، هي أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع. لكن ذلك لا يمنع أنه ضمن الروايات والسرديات التي يجري تقديمها على أساس أنها الخطة التي تُطبخ بسرية، هناك عناوين صحيحة، سوف يتمّ اعتمادها لمعالجة الانهيار. وفي ما يلي، تورد "نداء الوطن" ما وردها من معلومات، من أكثر من مصدر حول عناوين وتفاصيل الخطة.

في المعلومات المتوفرة حتى اليوم، أن اللجنة الثلاثية المكوّنة من وزير المالية ياسين جابر، وزير الاقتصاد عامر بساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من التوافق على قانون الفجوة المالية، للبدء في إعادة الودائع، وإطلاق عجلة الاقتصاد. وقد أصبح واضحًا أن الثوابت التي ستُعتمد في الخطة، ترتكز على مبدأ أن لا اقتطاع من الودائع، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن المبالغ الإجمالية التي سيتمّ دفعها، سواء نقدًا أو عبر السندات، ستنخفض من حوالى 82 مليار دولار (مجموع الودائع اليوم)، إلى حوالى 50 أو 55 مليارًا. هذا الخفض سيتم وفق المبادئ الثلاثة التالية:

اولًا- لا إعادة للودائع المشبوهة التي يعجز أو يرفض أصحابها إثبات مصدرها.

ثانيًا- إعادة النظر بحجم الفوائد المتراكمة لدى بعض الحسابات، والتي حصل أصحابها على فوائد مرتفعة جدًا، وسيتم خفض هذه الفوائد، لتكون منطقية. هذا الأمر سيُطبّق على الودائع الكبيرة، والتي يعتبر أصحابها بمثابة مستثمرين وليس مجرد مدّخرين.

ثالثًا- لن تتم إعادة الودائع التي جرى تحويلها من الليرة إلى الدولار بعد 17 تشرين 2019، على أساس الدولار الفعلي، بل سيكون هناك "دولار" خاص لاحتساب هذه الودائع، لم يتمّ تحديد سعره بعد، ولو أن المداولات تتراوح بين 25 و35 ألف ليرة للدولار، بما يعني حصول المودع على نسبة تتراوح بين 27 و37 % من حجم وديعته.

ضمن هذه المبادئ، يعتبر المتفقون على الخطة أنه لا يوجد اقتطاع (Haircut) من الودائع، بل تصحيح أوضاع. إذ لا يجوز، على سبيل المثال، اعتبار تجميد دفع الودائع المشبوهة بمثابة اقتطاع. والسؤال، هل يوافق اللبنانيون على دفع ودائع قد تكون سُرقت من أموالهم العامة بواسطة موظف مرتشٍ، أو مسؤول فاسد، وأودعت المصرف؟

وفي هذا الإطار، وردًا على من يسأل كيف دخلت هذه الودائع الوسخة إلى المصارف، ولماذا لا تتم محاسبة المصارف على السماح بوجود هذه الأموال في صناديقها، يوضح مصدر متابع أن ما لا يعرفه الناس، هو أن المصارف رفعت مئات وربما آلاف الملفات إلى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، وأن قسمًا من هذه الملفات حولتها الهيئة بعد التحقيق إلى القضاء حيث بقيت في الأدراج، ولا تزال.

يضيف المصدر: هذا الواقع هو الذي دفع مجموعة العمل المالي (FATF) إلى التأكيد في تقريرها الذي أدرجت فيه لبنان على اللائحة الرمادية، أن مصرف لبنان والمصارف يقومان بدورهما في عملية الحوكمة والرقابة، وأن المشكلة تكمن في القضاء، حيث "تنام" دعاوى وملفات التبييض والفساد.

أسئلة وأجوبة

في عودة إلى العناوين شبه الثابتة في الخطة، مبلغ الـ 100 ألف دولار الذي ستتم إعادته إلى المودعين نقداً، حيث، تفيد المصادر المواكبة، أن هذا المبلغ ثابت، وليس صحيحا أنه قد يُخفّض إلى 75 ألف دولار، أو يُرفع إلى 200 ألف دولار. وقد أنجزت الحسابات على أساس الـ 100 ألف، والتي ستبلغ كلفتها حوالى 16 مليار دولار. لكن ما هو قابل للنقاش حتى الآن، الفترة الزمنية التي سيتمّ فيها تسديد هذه الودائع. وفي حين أن اللجنة كانت تميل إلى دفع الأموال في فترة زمنية قصيرة جدًا، عادت اليوم إلى خيار الدفع خلال فترة 3 إلى 5 سنوات.

النقطة الأخرى غير الواضحة بعد، تتعلق بمن سيحصل على الـ 100 ألف دولار، وما إذا كان ذلك يشمل الودائع التي هي فوق الـ 100 ألف. حتى الآن، الحسابات المنجزة للكلفة توحي بأن من لديه أكثر من 100 ألف دولار، لن يتم إدراجه ضمن فئة من سيحصل على هذا المبلغ نقدًا. وهذا الأمر سيؤدّي إلى إشكاليات يحاول طابخو الخطة معالجتها منذ الآن.

ومن المعروف أن الودائع ستُقسّم إلى ثلاث فئات:

- من صفر إلى 100 ألف دولار.

- من 100 ألف دولار إلى مليون دولار.

- من مليون دولار ودولار وما فوق.

ملف السندات

في موضوع تسديد الودائع من خلال السندات، تشير المعلومات إلى أن مصرف لبنان يأخذ على عاتقه ضمان هذه السندات. وفي حين كان الاتجاه سابقًا يميل إلى عدم دفع فوائد على هذه السندات، تقرر لاحقًا مبدأ دفع فوائد منخفضة لحاملي هذه السندات بهدف تحسين أسعارها قبل موعد الاستحقاق.

وحتى اليوم، لم يتم حسم موعد استحقاق هذه السندات، وما اذا كانت ستكون كلها في موعد استحقاق واحد. لكن المعطيات الأولية تتحدث عن فترة استحقاق لا تقل عن 15 سنة.

ما هو إيجابي في هذا الموضوع، أن مصرف لبنان سيكون الجهة الضامنة لهذه السندات وليس الدولة. أي أنها لن تكون سندات حكومية، بل تابعة لمؤسسة مستقلة، سيضمنها مصرف لبنان. وسيؤمّن المركزي مصادر تمويل لهذه المؤسسة تشمل ما ستدفعه الدولة لتسديد دينها إلى مصرف لبنان، والبالغ 16.5 مليار دولار.

تمويل صندوق الودائع

وفي هذا السياق، يؤكد حاكم مصرف لبنان كريم سعيد أن هذا الدين ثابت، ولا مجال لإنكاره أو الالتفاف عليه. إذ إن الدولة اللبنانية التي تملك الحساب رقم 36 بالليرة في مصرف لبنان، هي من طلب من المركزي فتح حساب لها بالدولار ضمن هذا الحساب، لكي يتم تحويل إيرادات سندات اليوروبوندز  إليه. وهذا ما حصل، حيث كانت الأموال الدولارية تدخل إلى هذا الحساب ولا تخرج منه سوى بأوامر من السلطة. ويبين كشف الحساب، أن الدولة أنفقت من هذا الحساب مبلغ 16.5 مليار دولار لم تكن موجودة فعليًا. بمعنى آخر، "كشف" مصرف لبنان الدولة على هذا المبلغ، والذي لم يتمّ تسديده من قبل الدولة حتى اليوم. وبالتالي، لا مجال للحديث عن دين بالليرة أو ما شابه، بل إنه دين بالدولار من خلال عملية سحب وانكشاف (over draft) . وفي المعطيات، إن الدولة ومصرفها المركزي سيتفاوضان على إعادة هيكلة هذا الدين بحيث تتعهد الدولة بدفعه بعد اقتطاع قسم منه. وسيتم الدفع بالتقسيط على فترة سنوات، قد تمتد وفق موعد استحقاق السندات، بحيث ستغذي هذه الأموال صندوق المؤسسة التي ستصدر سندات الودائع. وفي التقديرات الأولية، إن الدولة قد توافق على دفع 5 مليارات دولار كتسوية لهذا الدين.

بالإضافة إلى ذلك سيعمد مصرف لبنان إلى تسييل بعض موجوداته العينية، بحيث سيؤمّن سيولة لتمويل مؤسسة السندات. كما توجد خطة لاستثمار الذهب لتأمين مردود مالي دائم لتغذية صندوق السندات. وبهذه الطريقة، ستكون السندات محمية وموثوقة نسبيًا، ولن تنهار وتفقد قيمتها، كما يتخوّف البعض. وفي التقديرات أيضًا، أن السندات، وفور إصدارها ضمن خطة الحل، ستكون قابلة للتداول في الأسواق، وقد تحافظ منذ اللحظة الأولى على ما نسبته 20 إلى 25 % من سعرها الإسمي. وهذه النسبة يعتبرها خبراء الأسواق المالية جيدة، لأنها ستكون مرشّحة للارتفاع مع مرور الوقت، وكلما توضّح أنها محمية ومضمونة بموجودات مصرف لبنان، ومؤمّن تمويلها عبر السنوات من مصادر ثابتة.

وفي هذا السياق، قام مصرف لبنان بتجهيز دراسات قانونية تسمح بإصدار القوانين الضرورية لتنفيذ الخطة. واستند في هذه الدراسات إلى نماذج من القانون الفرنسي، حيث دعم هذه الدراسات بمراجع قانونية ونماذج فرنسية تُظهر قانونية إصدار التشريعات الاستثنائية في ظروف أزمات عامة وشاملة كما هي حال الأزمة في لبنان.

وفي المعطيات أيضًا، أن خطة قانون الفجوة المالية ستُرفع قريبًا إلى مجلس الوزراء، لكي يتسنى للحكومة مناقشتها وإقرارها قبل نهاية العام الجاري، وتحويلها إلى مجلس النواب.

موقف النواب

وردًا على التساؤلات في شأن إمكانية إقرار المجلس النيابي خطة من هذا النوع في الزمن الانتخابي، ستتعرض حتمًا للانتقادات والرفض من قبل أكثر من طرف، وعلى رأسهم المودعون، تعتبر المصادر المواكبة، أن الحكومة قادرة على إقرار الخطة، على اعتبار أن القوى الأساسية تغطي هذا الحل. فاللجنة الثلاثية المكونة من جابر وبساط وسعيد، هي فعليًا تمثل الرؤساء الثلاثة. وبالتالي، ستكون محصّنة سياسيًا، ومضمون تمريرها في مجلس الوزراء، سواء وافقت عليها كل الأطراف الممثلة في الحكومة أم لا. لكن معضلة المجلس النيابي ستبقى قابلة للنقاش، وليس مضمونًا ان تتمكّن القوى السياسية من إقرار الخطة، ولو كانت مقتنعة بجدواها، تحاشيًا للخسائر الشعبية التي قد تتعرض لها، خصوصًا أن نواباً وقوى سياسية ستستغل الظرف لإطلاق النار على الخطة، واتخاذ موقف الدفاع عن الحقوق، والحرص على المحاسبة، وما شابه من تعابير جذابة للجماهير، ولو أنها تضر أكثر مما تنفع. وبذلك، لا توجد ضمانات أن الخطة ستمر في المجلس النيابي قبل الانتخابات المقبلة في أيار 2026. وقد يتم تأجيل بدء تنفيذ الحل إلى النصف الثاني من 2026، مع المجلس النيابي الجديد.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا