"دفاع مشترك" باكستاني - سعودي... خطوة أولى في مشوار قنبلة نووية جديدة؟
في ذكرى مجزرة "البيجرز": استثمار داخلي يطمس الجريمة الاسرائيلية!
في الذكرى الأولى لمجزرة "البيجرز"، بدا واضحاً أنّ الخصوم السياسيين للمقاومة اختاروا التعامل مع الذكرى الأليمة لا كجريمة موثّقة ارتكبها العدو الاسرائيلي ضد اللبنانيين، بل كأداة في الصراع الداخلي. فالحملات التي انطلقت على منصات التواصل، والتهكّم الذي طاول صور الجرحى وإصاباتهم، لم يكن تعبيراً عفوياً عن اختلاف في الرأي، بل جزءاً من استراتيجية سياسية هدفها المباشر تفريغ " حزب الله" من رصيده الرمزي، وتجريد الجرح من دلالته الوطنية وتحويله إلى عبء على بيئتها.
وفق مصادر سياسية مطّلعة فإنّ هذا الاستثمار لم يأتِ من فراغ، بل يعكس إدراك خصوم " حزب الله" أنّ مجزرة البيجرز، بما خلّفته من شهداء وجرحى، رسّخت حضوراً رمزياً يصعب مواجهته بالسياسة التقليدية. لذلك جاء التركيز على تحويل صور الضحايا إلى مادّة سخرية وتشكيك، في محاولة لنسف العلاقة بين " الحزب" وبيئته، وتقديم الجرحى لا كدليل على صلابة خيارهم بل كخسارة مجانية وعبء اقتصادي واجتماعي، ذلك أن المنطق الكامن وراء هذا السلوك يقوم على معادلة بسيطة: إذا كان العدو قد عجز عن محو حضور المقاومة عسكرياً، فإنّ خصومها في الداخل يسعون إلى تقويض صورتها معنوياً. ومن هنا، يصبح استهداف الجرحى في الخطاب ليس موجهاً إلى أشخاصهم بقدر ما هو استهداف لرمزية الجرح نفسه، عبر تصويره كدليل على العبثية وكأداة نزع شرعية، ما يحوّل الألم إلى نقطة ضغط على الحاضنة الشعبية.
غير أنّ أخطر ما في هذا الاستثمار، وفق المصادر نفسها، أنّه لا يقتصر على السجال الإعلامي، بل يترك أثراً مباشراً على البنية الداخلية. إذ إنّ تحويل الذكرى إلى مادة استفزاز يقود عملياً إلى تعميق الانقسام الطائفي والسياسي، ويستجلب ردود فعل مضادة تزيد من شدّة الاستقطاب. وبدلاً من أن تبقى إسرائيل في موقع المرتكب، ينزلق النقاش الداخلي إلى تحميل الضحية مسؤولية جراحه، فيتحوّل الجرح من شاهد على عدوان خارجي إلى ورقة ابتزاز في لعبة الداخل. بهذه الطريقة، ينجح الخصوم في إعادة تدوير الجريمة من استهداف إسرائيلي موثّق إلى أداة صراع لبناني – لبناني، وهو ما يوفّر للعدو مكسباً سياسياً مجانياً من دون أن يطلق رصاصة واحدة.
وإذا كان خصوم المقاومة يستثمرون الذكرى لتقويض رمزيتها، فإنّ الدولة اللبنانية بدورها توفّر لهم أرضية إضافية بفعل غيابها عن المشهد. فبعد عام كامل على المجزرة، لم تُطرح أي خطة وطنية جدية لرعاية الجرحى أو تعويضهم بشكل منظم، واكتفى المشهد بمبادرات متفرقة وحلول ترقيعية. وإلى جانب ذلك، فإنّ غياب الحكومة عن تبنّي القضية بشكل رسمي، عبر رعاية وتعويضات وخطط واضحة، يفسح المجال أمام الخصوم لتوظيف الذكرى بما يناسب سرديتهم. فحين تتخلى الدولة عن مسؤوليتها، يتحوّل الملف إلى مادة تجاذب، ويصبح سهلاً تصويره كإرث فئوي لا كقضية وطنية. وهكذا يجد الجرحى أنفسهم عالقين بين ثلاث دوائر استهداف متداخلة: استهداف مباشر من العدو، وتقصير رسمي يتركهم بلا رعاية كافية، ثم استغلال سياسي يفرغ جراحهم من معناها الوطني ويحوّلها إلى أداة انقسام.
وتضيف المصادر أن أخطر ما يترتّب على هذا السلوك أنّه لا يقف عند حدود الاستفزاز الإعلامي، بل يتسلّل إلى معادلات السياسة الداخلية والإقليمية. إذ تهدف صياغة ذكرى مجزرة البيجرز بأسلوب مُشوّه إلى ضرب شرعية المقاومة في الوعي العام؛ ومن ثمّ تحويل الألم إلى ورقة تفاوض تُستغل في أي نقاش حول سلاحها ودورها. غير أنّ الرسالة الأعمق التي يسعى الخصوم إلى تكريسها هي أنّ المقاومة لم تعد مشروعاً ذا شرعية وطنية، بل مجرّد جماعة تدفع ببيئتها إلى تضحيات من دون مقابل. وإذا استقرت هذه الصورة في الرأي العام، فإنّها ستتحوّل إلى أداة ضغط في مفاوضات داخلية وخارجية، تربط دائماً بين وجود المقاومة والخسائر، وتضعف بذلك إمكانات أي خطاب يوازن بين الأمن الوطني وحقيقة التهديدات الإقليمية.
بهذا المعنى، فإنّ ذكرى المجزرة لا تُستحضر اليوم كجريمة إسرائيلية موصوفة ارتكبتها تل أبيب بدم بارد، بل يجري تحويلها إلى أداة في معركة الخطاب الداخلي. الخصوم يوظّفونها لتصوير "حزب الله" كعبء وإغراق البلد في المزيد من الانقسام، فيما الدولة، بغيابها وتقاعسها، تساهم في نزع الشرعية الوطنية عن قضية الجرحى بدل أن تحصّنها. وإذا استمر هذا النهج، فإنّ التبعات لن تبقى محصورة بجراح الأفراد، بل ستصيب البنية الوطنية برمّتها: الانقسام يتعمّق، الثقة بالمؤسسات تتآكل، فيتحوّل أثر الجريمة الإسرائيلية إلى أداة تفكيك داخلي بدل أن يبقى عنواناً للمواجهة.
لبنان 24 - جاد الحاج
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|