الهدنة تترنح: لبنان يواجه تصعيداً مقلقاً... وصمت الضامنين
ضغوط عسكرية تمارسها إسرائيل على لبنان حيث شهدت الأيام الماضية تصاعدًا ملحوظًا في الاعتداءات على جنوب لبنان في خرقٍ فاضحٍ لاتفاق وقف إطلاق النار الموقّع العام الماضي. فقد شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات جوية منسقة استهدفت ما وصفه بـ«فرقة رضوان» التابعة لحزب الله، وهي وحدة عمليات خاصة من النخبة تُصر إسرائيل على أنها تسعى لإعادة بناء بنيتها التحتية في المنطقة الحدودية.
في الوقائع، شهد جنوب لبنان خلال الساعات الـ 24 الماضية تجربة مؤلمة أخرى على تمادي العدو الاسرائيلي في زعزعة استقرار المنطقة وقمع دول الجوار. فقد شن الطيران الإسرائيلي موجة جديدة من الغارات الجوية على ما يطلق عليه باطلًا «البنية التحتية العسكرية لحزب الله»، في انتهاك سافر لسيادة لبنان. وتشير التقارير الأولية إلى أن الهجمات استهدفت مناطق سكنية وزراعية، وأسفرت عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين. وتأتي هذه الغارات بعد تحذير الناطق باسم جيش الاحتلال أفخاي أدرعي لسكان بعض القرى الجنوبية بالتهيئة للإخلاء. وبحسب وكالة الأنباء الوطنية وقعت أضرار مادية وبشرية كبيرة في هذه الغارات، حيث استشهد على الأقلّ مواطنان لبنانيان وأصيب العديد من السكان الأبرياء في غارة جوية إسرائيلية أخرى استهدفت بلدة تبنين. وندد الجيش اللبناني بهذه الغارات واعتبرها انتهاكًا لاتفاق وقف إطلاق النار، وحذر من أنها تعرقل جهود الجيش اللبناني لتنفيذ خطة حصر السلاح جنوب نهر الليطاني.
وبحسب مصادر عسكرية، هذه الغارات ليست مجرد حوادث عابرة، بل هي جزء من استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد تنفذها الدولة العبرية منذ وقف إطلاق النار في أواخر عام 2024. ويُعدّ هدف إسرائيل المعلن، أي منع حزب الله من إعادة بناء قوته العسكرية على حدودها، ذريعة مكررة لا أسس عسكرية أو استخبارتية لها. وتضيف المصادر أن حجم الغارات الأخيرة يُشير إلى موقف إسرائيلي أكثر عدوانية. وبذلك، تعاود إسرائيل إدخال المنطقة في دوامة عنف جديدة هدفها الأساسي منع الاستقرار في الدول المجاورة لها.
سياسيًا، ندّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بالاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، معتبرًا صمت الدول الضامنة لعدم إقامة هدنة بمنزلة فشل ذريع! كذلك الأمر من جهة رئيس الحكومة نواف سلام الذي ندّد أيضًا بالاعتداءات الإسرائيلية، مشككًا في جدية إسرائيل في السعي للسلام. من جهته، طالب رئيس المجلس النيابي نبيه برّي المُجتمع الدولي بالتدخل لوقف المجازر الإسرائيلية.
اتفاقية الدفاع السعودي الباكستاني
إلى هذا، شهد العالم حدوث اتفاق تاريخي بين المملكة العربية السعودية وباكستان. هذا الاتفاق يتناول الدفاع الاستراتيجي المشترك بين البلدين وينص على اعتبار أي عدوان على إحدى الدولتين عدوانًا على الدولتين، وبالتالي يشكل إطارًا عسكريًا يرسّخ تحالفًا أمنيًا تاريخيًا بين البلدين، ويضفي عليه طابعًا قانونيًا ملزمًا. ويُعدّ هذا الاتفاق نتيجة لتفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة. فبالتحالف مع باكستان، صاحبة الأسلحة النووية والتي تمتلك أحد أقوى الجيوش خبرة واستعدادًا في العالم، رفعت السعودية من مستوى قدراتها الأمنية بشكل ملحوظ.
وبحسب مصادر سياسية مطّلعة، هذا الاتفاق يرسخ العلاقة القائمة بين البلدين ويرتقي بها إلى مستوى أعلى. فبينما كانت باكستان تُعدّ حليفاً استراتيجياً للمملكة العربية السعودية، حيث كانت توفر لها التدريب العسكري والقوات العسكرية، فضلاً عن ضمان أمنها النووي عملياً، فإن هذا الاتفاق الجديد يُحول هذا التعاون غير الرسمي إلى إطار مؤسسي رسمي. ويمثل هذا خطوة منطقية لكلا البلدين. فبالنسبة للسعودية، تُعدّ هذه الاتفاقية استجابة واضحة لتضاؤل الثقة في الولايات المتحدة كضامن أمني وحيد لها. ويبدو أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة، الذي لم تَدينه واشنطن علناً، كان نقطة تَحوّل.
وتُضيف المصادر أن الهجوم الأخير على الدوحة، أكد على محدودية نظام الأمن القائم على قوة خارجية واحدة. وبترسيخ علاقتها مع باكستان، الدولة النووية، تُحقق الرياض رادعاً قوياً. أما بالنسبة لباكستان، فتمثل الاتفاقية انتصاراً استراتيجياً، فهي لا تُعزز دورها كحليف استراتيجي لمنطقة الخليج فحسب، بل توفر لها أيضاً دعماً مالياً وسياسياً بالغ الأهمية. كما أنها تُعيد توازن علاقتها مع السعودية، من علاقة اعتماد اقتصادي إلى «شراكة» استراتيجية، وترفع مكانتها الإقليمية وتُعطيها دفعة قوية في مواجهة عزلتها الجيوسياسية.
وتتمثل أهمية هذا الاتفاق في تأثيره الكبير بالشرق الأوسط حيث يُنظر إليه كونه مصدر قوة جديد، قد يمهد الطريق لتشكيل «ناتو إسلامي» أوسع قد يضم دولًا خليجية أخرى وحتى دولًا عربية شرق أوسطية مثل سوريا والأردن. وبعيدًا عن الانحيازات والاصطفافات، لا يمكن بعد اليوم تجاهل هذه القوة في المعادلات الجيوسياسية القائمة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وبالتالي ستكون الآثار المترتبة على الاتفاق في منطقة الشرق الأوسط متعددة الأبعاد، ومن المرجح أن تغير من ديناميكيات المنطقة. وعلى الرغم من تأكيد كل من الرياض وإسلام آباد أن الاتفاق لا يستهدف دولة معينة، فإن هذا الاتفاق يُمثّل تحدياً صعباً لاستراتيجية إسرائيل، ويضيف عاملاً جديداً من عوامل المخاطر والغموض. فبموجب هذا الاتفاق، تُعزز السعودية علاقاتها الأمنية مع باكستان، وهي دولة معادية لإسرائيل بشكل علني وداعمة للقضية الفلسطينية.
من الناحية المنطقية والموضوعية، فإن أثر هذا الاتفاق في إسرائيل عميق ومتعدد الأبعاد من ناحية أنه يخلق مأزقاً جديداً في مجال الردع. إذ يتعين الآن على إسرائيل، التي لطالما اعتبرت القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، التعامل مع احتمال أن تستدعي عملياتها العسكرية استجابة من دولة نووية. وبالرغم من غموض الاتفاق بشأن ما إذا كان السلاح النووي الباكستاني جزءاً منه، فإن هذا الغموض نفسه يُعدّ عاملاً رادعاً قوياً. لأول مرة، يجب على إسرائيل التخطيط لمستقبل يمكن فيه اعتبار أي هجوم تقليدي، كضربة في دولة خليجية مثلاً، اعتداءً على باكستان، مما قد يستدعي رد فعل باكستاني. أيضًا، يُضعف هذا الاتفاق جهود إسرائيل الديبلوماسية الإقليمية. فقد كانت إسرائيل والسعودية تجريان محادثات سرية منذ سنوات بهدف إمكان توقيع اتفاقية لتطبيع العلاقات. ويوقف هذا الاتفاق الجديد هذه العملية. وبالتنسيق الرسمي مع باكستان في ظل هذا التوتر الإقليمي، تُرسل السعودية رسالة مفادها أنها تُولي الأولوية للتضامن الإسلامي ومصالحها الأمنية الخاصة على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، التي كانت مشروطة بتحقيق تقدم في القضية الفلسطينية على اساس حل الدولتين وحدود ١٩٦٧.
على صعيدٍ أخر، يُعدّ هذا الاتفاق ضربة رمزية ونفسية لإسرائيل. فالتوقيت الذي تم فيه توقيع الاتفاق، بعد العملية الإسرائيلية الكبرى في قطر، يُرسل رسالة واضحة. إذ يؤكد هذا الاتفاق أن العمليات العسكرية الإسرائيلية لا تنجح في تحقيق أهدافها، بل تدفع الدول إلى تكوين تحالفات أمنية جديدة لمواجهة العدوان الإسرائيلي. وهذا يمكن أن يفسَّر على أنه دليل على أن «حرية التصرف» الإسرائيلية في المنطقة باتت أو سوف تصبح مقيدة.
الردّ الإسرائيلي
وبالتالي، من المتوقّع أن يتجلى رد فعل إسرائيل في صمت رسمي. فإسرائيل، وحتى ساعة كتابة هذا المقال، لم تُصدر أي بيان رسمي بشأن الاتفاق، وبالتالي يُعد هذا خياراً منطقياً لتجنب تصاعد الأوضاع، ومنع اعتبار الاتفاق استجابة مباشرة لأفعال إسرائيل.
ويتوقّع مصدر سياسي لبناني أن تعمد إسرائيل إلى تكثيف تواصلها الديبلوماسي مع حلفائها، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية والهند، لمناقشة تَبِعات هذا الاتفاق بالإضافة إلى العملّ على تقييم سرّي لاستراتيجية إسرائيل في المنطقة. وهنا تكمن أهم التغييرات. من المتوقع أن تقوم إسرائيل بتسريع تحديثات دفاعاتها الصاروخية المُتقدّمة («القبة الحديدية» و»سار 3») وذلك استعدادًا لأي تهديد صاروخي محتمل من اتجاهات جديدة وغير متوقعة. أيضًا من المتوقّع أن تُعزّز إسرائيل «شراكاتها» مع حلفائها الحاليين، بما في ذلك تقوية علاقاتها العسكرية والاستخباراتية مع الولايات المتحدة وتعاونها الدفاعي مع الهند، التي تنظر هي الأخرى إلى اتفاق السعودية وباكستان بحذر.
على صعيد أخر، حذّر محللون إسرائيليون من أن الاتفاق خلق «مصفوفة تهديد موسعة». ومن المنطقي أن يجبر هذا تل أبيب على توخي مزيد من الحذر قبل القيام بأي إجراء عسكري أحادي في دول الخليج. فقد زاد خطر اندلاع نزاع أوسع نطاقاً بشكل كبير، مما قد يدفع إسرائيل إلى اتباع نهج أكثر تحفظاً في عملياتها الإقليمية.
ويُضيف المصدر أن هذا الأمر سيؤدي دورًا محوريًا في القضية الفلسطينية من باب أن حلّ الدولتين الذي لطالما نادت به المملكة العربية السعودية ورفضته إسرائيل، سيعود ليكون أساس التفاوض في القضية الفلسطينية.
قراءة ثاقبة لحزب الله
هذا الواقع يُشير إلى حقبة جديدة غير متوقعة لأمن إسرائيل، إذ لم يعد بإمكانها التصرّف بحرّية من باب أن الاتفاق فرض نفسه كعامل أساسي في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، محولاً إسرائيل من موقع الهيمنة العسكرية المطلقة إلى موقف يتسم بالحذر والتروي في ردودها.
من هنا تأتي دعوة أمين حزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى فتح صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية، باعتبار أن المعطيات الجديدة التي قرأتها قيادة حزب الله بشكلٍ جيّد، قد تفرض واقعًا لطالما نادى به الحزب، ألا وهو ردع الكيان الصهيوني عن اعتداءاته، سواءً على لبنان أو سوريا أو فلسطين أو أي دولة عربية أخرى. وبحسب المصدر السياسي، حزب الله لا يكنّ العداء إلا للعدو الإسرائيلي، وهو يتطلّع إلى تحصين الوضع العربي ضد التهديدات الإسرائيلية قبل كل شيء، ومن هنا تأتي دعوته إلى توحيد الجهود في وجه العدوان الغاشم.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|