الانتخابات في إقليم الخروب: نحو فكّ ارتباط بين المستقبل والاشتراكي؟
وزارة المالية من الطابع الورقي وإلى الطابع الورقي تعود
سنة تمامًا مرت على الاجتماع المتفجر للجنة المال والموازنة النيابية الذي أقر مبدأ إلغاء الطابع الورقي واعتماد الطابع الإلكتروني، على خلفية ما أظهره تقرير صادر عن الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة برئاسة القاضية نيللي بو يونس حينها، من نزعة لنهب خزينة الدولة والناس، تتخطى الصفقات المشبوهة التقليدية، إلى موظفين ومستفيدين وشبكات أساؤوا لأمانة الطابع الموضوع بين أيديهم، وخرقوا كل الضوابط التي تحددها الرخص الممنوحة لبعضهم. وها هي وزارة المالية تستسلم لمبدأ تعويم الطابع الورقي مجددًا اليوم، بدلًا من الانتقال إلى الطابع الإلكتروني، معلنة منذ 16 أيلول الجاري، أنها ستغرق السوق به، عبر توسيع نطاق التوزيع على أكبر عدد من المراكز المتعاقدة معها إضافة إلى المرخصين، بهدف منع محاولات الاحتكار وانتشار السوق السوداء.
استمرارية عمل أم استسلام؟
قد يندرج الإجراء في إطار ديمومة الخطط بآلية عمل المؤسسات العامة، حتى لو تبدل رأس السلطة التنفيذية، خصوصًا أن مجلس الوزراء السابق برئاسة نجيب ميقاتي، كان قد أقر في 21 آذار من العام 2024 حلولًا لأزمة استفحلت منذ العام 2020، خلصت إلى تكليف وزارة المالية باتخاذ الإجراءات القانونية الآيلة لتطبيق حلول مقترحة من قبلها تلخّصت في أربعة نقاط رئيسية وهي:
أولًا، تأمين كميات كافية من الطوابع المالية.
ثانيًا، اعتماد آلات وسم الطابع المالي في كافة الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات.
ثالثًا، دفع قيمة الطابع الورقي بموجب أمر قبض صادر عن صناديق وزارة المالية أو عن الإدارات التي تستخدم نظام أوامر القبض العائد لوزارة المالية، مهما بلغت قيمتها، بصورة موقتة.
ورابعًا، تأمين الاعتمادات اللازمة من أجل المباشرة بتطبيق الطابع الإلكتروني.
إلا أنه أبعد من استمرارية عمل المؤسسات هذه، كشف بيان وزارة المالية أن الرهان الأساسي لا يزال على الطابع الورقي أولًا، حتى لو جاء ذلك مع سعي لتصحيح الخلل الذي برز في تطبيق آلية الدفع عبر الإشعار ص 14 الموضوع لدى شركات تحويل الأموال المتعاقدة مع الوزارة لقبض الضرائب والرسوم. إذ ألحقت الوزارة بيانها، بتنبيه لتلك الشركات بضرورة التأكد من تعبئة جميع الخانات ضمن نموذج ص14 بشكل صحيح قبل استلام الإشعار، وتسديد رسم الطابع المالي المقطوع عن الإشعار والبالغ 100.000 ل.ل، والذي يتكبده المواطنون كرسم إضافي على رسم الطابع، على أن يقبل هذا الإشعار فقط بتسديد رسوم المعاملات التي تُنجز لدى الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات. وفي هذا التنبيه، ما يحذر الشركات من ملء خانة الرقم المالي تحديدًا بأرقام لا أساس لها في وزارة المالية، الأمر الذي تسبب خلال الفترة الماضية بفوضى عارمة، خصوصًا أن معظم المواطنين ليس لديهم أرقام مالية وفقًا لما يؤكده مصدر معني بهذه الشركات. هذا، بالإضافة إلى تحديد الوزارة ركيزة ثالثة لمنع التلاعب برسوم الطوابع، وهي توسعة الاعتماد على آلات الوسم. علمًا أنه على رغم تأكيد مصادر في الوزارة أنها جهزت عددًا من الإدارات والمؤسسات الرسمية والبلديات بهذه الآلات، فهي على ما يبدو قد لا تصل إلى مناطق الأطراف قريبًا. إذ أنه في منطقة واسعة كالبقاع مثلًا لا يمكن العثور على مثل هذه الآلة سوى في صناديق المحتسبية العامة بالأقضية، أما تلك التي استحصل عليها كتاب العدل على نفقتهم الخاصة، فلا تستخدم سوى للعقود.
فهل تملك الوزارة فعلًا مقومات الحفاظ على الاستقرار في سوق الطوابع المالية لفترة طويلة من خلال إجراءاتها المعلنة؟ أم أننا اليوم على أبواب تمديد نفوذ محتكري السوق تحت مسميات مختلفة؟ وماذا عن الحلول الإلكترونية التي تضمنها أيضًا قرار مجلس الوزراء الصادر منذ عام وستة أشهر تقريبًا؟
مساران وشروط وشكوك
مساران سادا في المرحلة الماضية لمعالجة أزمة الطوابع التي تعايش معها اللبنانيون كتعايشهم مع كل الأزمات التي مرت عليهم منذ عقود.
الأول، تمثل في توقيع عقد يمد السوق بـكمية 75 مليون طابع من مختلف الفئات. وقد اجتاز العقد امتحان الرقابة المسبقة في ديوان المحاسبة منذ شهر تشرين الأول من العام 2024، على رغم الملاحظات التي وضعها الديوان على تلزيم الصفقة لشركة "انكربت"، خصوصًا بسبب ما أثاره أداؤها في إدارة "النافعة" من شبهات قانونية ومالية.
أما المسار الثاني، فقضى بالسير بإجراءات وضع دفتر شروط لتأمين الطابع الإلكتروني، والتي انتهت بمناقصة جرت من خلال قانون الشراء العام، وأعلن على أساسها عن رابح موقت. ولكن الصفقة لم تجتز امتحان الرقابة المسبقة لدى ديوان المحاسبة، بسبب مخالفات قانونية ومالية عديدة ارتكبتها الإدارة نفسها، وجعلت نتائجها مرفوضة من قبله.
على رغم كون تلزيم طباعة الطوابع ومكننتها مسارَين مختلفين، ربط ديوان المحاسبة بينهما، مضمنًا قراره الأول الذي قبل بموجبه صفقة الطوابع الأميرية "الورقية"، شرطًا قاطعًا، ويقضي باتخاذ الإدارة كافة التدابير اللازمة لإنجاز عملية الطابع الإلكتروني (e-stamp) والتي يقتضي أن تواكب الطباعة الورقية الواردة، على أن يكون هذا التلزيم "الأخير" قبل السير بالطابع الإلكتروني المنصوص عليه ضمن موازنة العام 2022.
اشترط الديوان أيضًا على الوزراة، وضع خطة لاعتماد آلية شفافة وعادلة لتوزيع الطوابع الورقية وضمان وصولها إلى جميع المواطنين والحؤول دون احتكارها من قبل التجار. وذلك بعد المذاكرة التي أجرتها غرفته الرابعة وكشفت عن أرباح غير مشروعة وصلت إلى جيوب السماسرة، وقدرت بحسب رئيس لجنة المال والموازنة ابرهيم كنعان حينها بما بين 20 و300 مليون دولار، في مقابل دخل لم يتجاوز الـ 1.8 مليون دولار للدولة اللبنانية. وهو ما عزز قناعة لجنة المال والموازنة منذ أكثر من عام بضرورة الانتهاء من عصر الطابع الورقي، بما ينسجم مع الاقتراحات التي قدمها تقرير ديوان المحاسبة وأهمها الإعلان عن مناقصة لتلزيم الطابع الالكتروني.
هذا في وقت شكك قرار ديوان المحاسبة الذي وافق بموجبه على طباعة كميات جديدة من الطابع الورقي، في نيّة الإدارة بالانتقال إلى الطابع الإلكتروني، معتبرًا أن تحديد كمية الطوابع المطلوب طباعتها بـ 75 مليون طابع، يُنبئ بتوجه مستمر للإدارة باعتماد الطوابع الورقية.
التفاف على مفهوم الإلكتروني
لم يخطئ الديوان في شكوكه على ما يبدو. إذ أن مشروع العقد الذي قدمته وزارة المالية لغرفته الرابعة للاطلاع عليه في إطار صلاحيته بالرقابة المسبقة، بيّن التفاف الإدارة على مفهوم الإلكتروني، وتقديمها مشروعًا لطابع ورقي جديد وإنما على شكل QR CODE يسحب من آلات خاصة POS MACHINES ويرفق بالمعاملة.
منذ شهر آذار من العام الماضي، هدرت الإدارة وقت طواقمها وديوان المحاسبة وحتى الشركات المهتمة بالصفقة، وطاقاتهم جميعًا، من خلال التفافها الواضح على مفهوم الطابع الإلكتروني.
كانت محاولات هذا الالتفاف مكشوفة منذ البداية، وحاول ديوان المحاسبة تداركها بإبدائه النصح للوزارة قبل الانتهاء من مرحلة إعداد دفتر الشروط وبالتالي إطلاق المناقصة عبر هيئة الشراء العام. إذ أبدى الديوان حرصه على أن تكون شروط المناقصة متلائمة بشكل أفضل مع مقتضيات مصلحة المواطنين والخزينة العامة. إلا أن فريق وزارة المالية الذي بقي على تواصل مع خبراء الديوان وقانونييه، سجل الملاحظات والمقترحات ولكن من دون أن يأخذ بها في دفتر الشروط الذي أعد لتلزيم الصفقة والذي نشر عبر منصة هيئة الشراء العام ونفذ وفقًا لقانونها.
فسلك الملف نحو التلزيم، ليقبل بالشكل بعد أن استدرج العدد الكافي من العروض، ولكنه رسب في امتحان تطبيق القوانين وحماية المال العام.
بين دكانة قديمة ودكانة جديدة
مع أن بديل الطابع الورقي الذي أرست عليه الإدارة الصفقة موقتًا لم يكن إلكترونيًا صافيًا، فقد حظي بفرصة ليعبر امتحان الرقابة المسبقة، لولا مخالفات جوهرية بيّنت عدم توافق الصيغة المقترحة مع قانون رسم الطابع المالي، وتجاوزها دور وزارة المالية ومسؤولياتها، بالإضافة إلى تخطيها أصول قانون الشراء العام. فالتلزيم لم ينطلق عمليًا من تقدير لقيمة السوق وحجم الواردات المتوقع، وهو نص على اقتطاع كلفة التجهيزات والأنظمة من جعالة باعة الطوابع، خلافًا للقانون، ووضع كل مراحل تنفيذه، والمتضمنة تأمين الأنظمة، التشغيل، التدريب، التوزيع بيد متعهد واحد، فأمن له الاحتكارية، بمقابل إغفال آليات الرقابة على عمليات تحويل الإيرادات إلى مصرف لبنان أو لضمان حقوق باعة الطوابع الحاليين.
ولهذه الأسباب وغيرها، رأى النائب رازي الحاج الذي يتابع الملف منذ بدايته، أنه من الجيد أن يكون الملف قد أغلق في ديوان المحاسبة على رفض، لأنه برأيه الأفضل العمل في المرحلة الحالية على تحسين واقع الحال، وخصوصًا من خلال زيادة عدد آلات الوسم، من فتح الباب أمام سمسرات جديدة ننتقل من خلالها من دكانة قديمة لافتتها مكتوبة بخط اليد إلى دكانة أخرى حتى لو كانت جديدة ولافتتها إلكترونية.
ويعتبر الحاج في المقابل، أن سوق الطوابع اليوم هو في حالة استقرار نتجت عن رفع عدد آلات الوسم وتأمين حاجات السوق من الطوابع الورقية، آملًا بخطوات شفافة وصحيحة تترافق مع إقرار مشروع قانون إنشاء الهيئة اللبنانية للرقمنة الذي قدمه، والذي سيشكل خطوة عملية نحو الانتقال إلى المكننة الكاملة للإدارة، متوقعًا أن يرفع المشروع إلى اللجان الفرعية قريبًا.
هل يرتبط مصير الطابع الإلكتروني بمسار المكننة؟
تربط مصادر إدارية في المقابل بين عودة الاستقرار إلى سوق الطوابع المالية وانتظام الإدارة بشكل عام ومكننتها. وتعتبر بالتالي، أننا بحاجة إلى ورشة تشريعية وتنفيذية واسعة، يصعب بلوغها خلال مرحلة قصيرة. فهل يرتبط مصير الطابع الإلكتروني بمصير هذه المكننة المنتظرة منذ سنوات طويلة؟
لم تتقدم وزارة المالية منذ شهر كانون الثاني من العام الجاري، أي تاريخ رفض عقدها الموقت لتلزيم هذه الخدمة، بأي اقتراح جديد، على رغم تأكيد مصادرها بأنها ماضية بخطة الانتقال إلى الطابع الإلكتروني. وهذا ما يطرح التساؤلات حول ما إذا الورق سيكون كافيًا فعلًا لتغطية حاجة السوق، إلى أن تنتهي الإدارة من إعداد خطتها والانطلاق عمليًا بتنفيذها؟ أم أن الحل يبقى دائمًا بتأبيد الموقت، وبالتالي السعي للاستحصال على موافقات جديدة واستثنائية لطباعة كميات إضافية من الطوابع الأميرية؟
جدل حول حصرية التوزيع وآلية الترخيص
وبالعودة إلى هذه الطوابع، فقد تسبب ما تسرب إلى بعض الإعلام قبل نشر البيان الرسمي لوزارة المالية عبر موقع الوكالة الوطنية للإعلام، أن الوزارة حصرت تأمينها بشركة ليبانبوست، أي شركة بريد لبنان التي تعمل بموجب قرار وزاري مدد لعقدها المنتهي منذ سنوات إلى حين إطلاق مزايدة جديدة لتلزيم القطاع، إلى جانب شركتين خاصتين لتحويل الأموال نشأتا بظل الأزمة المالية الأخيرة. وهذا ما أثار لغطًا لدى شركات تحويل الأموال الكبرى التي تتخوف من أن تكون قد استثنيت من هذا القرار، من دون وضوح المعايير التي اعتمدت في إعطاء بعض الشركات حق بيع هذه الطوابع، ووفقًا لأي رخصة. وأشارت مصادر في شركات تحويل الأموال، إلى أنها تسعى للوصول إلى إيضاحات إضافية حول هذا التدبير لتبني على الشيء مقتضاه.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أثار بيان وزارة المالية التساؤلات أيضًا حول آلية توزيع الطوابع على الباعة المرخصين، خصوصًا أن بين هؤلاء عددًا ممن وضعوا في دائرة الشبهات من خلال تقرير ديوان المحاسبة الصادر في العام الماضي، لمشاركتهم في احتكار السوق والتسبب بحالة الفوضى والبلبلة التي سادت فيه، وبالتالي، جنيهم أرباحًا غير مشروعة على حساب مصلحة المواطن. علمًا أن هذا الملف موضوع ملاحقة قضائية، جراء إخبارات عديدة قدمت للنيابة العامة، ولا يبدو أنها حركت الملف بما يؤمن الاقتصاص من المرتكبين حتى الآن.
ما ذكر يعزز القناعات بأننا ما زلنا أمام عجز إداري وغياب للمحاسبة كما للرؤية البعيدة المدى في معالجة ملف الطوابع المالية. وهذا ما يجعله يدور في حلقة مفرغة منذ العام 2022. فيما الخشية تبقى بين وعود الانتقال إلى الطابع الإلكتروني والواقع الذي كرّس الأميري، من أن تطيل الحلول غير المستدامة أمد السوق السوداء، وتمعن بالتالي في إذلال المواطنين، في مقابل ابتلاع السماسرة الأرباح من جيوب الناس، وعلى حساب معاناتهم في استكمال معاملاتهم المالية مع الدولة.
لوسي بارسخيان - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|