سردية حزب الله عن سبعين يوماً من الحرب:كيف قُتل السيد ولماذا؟
صباح السبت الأول الذي تلا استشهاد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، لم يكن الخبر قد أُعلن بعد. يروي أحد قادة الحزب قائلاً: اتصلت بأحد القادة العسكريين لترتيب الرد. سألني على الفور: هل لديك أخبار جيدة عن السيد؟
فأجبته فوراً: عظم الله أجرك.
صمت نحو 30 ثانية أجهش خلالها بالبكاء، ثم قال لي: "السيد راح، بس نحن موجودين، شو بدك نعمل؟"
فأجبته: سنضرب تل أبيب.
ردّ حزب الله على هذا الاغتيال بعملية "الأربعين"، التي استهدفت قاعدة غليلوت الاستخباراتية في ضواحي تل أبيب باستخدام عدد كبير من المسيّرات كهجوم رئيسي، مصحوبة بـ 340 صاروخ كاتيوشا كهجوم ثانوي.
يستعيد حزب الله الرواية لتكون دليلاً على تعافيه منذ لحظات نكبته الأولى برحيل أمينه العام وقادته. رواية، وغيرها الكثير، سيخرج من يعلنها مستعيداً تفاصيل تلك الحرب المشؤومة ويوميّاتها، أسبوعاً بأسبوع.
نفّذ حزب الله منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، مروراً بمعركة "أولي البأس" في 17 أيلول/سبتمبر 2024، وحتى المراحل الأخيرة للعدوان الإسرائيلي، وفق بيانات غرفة العمليات، أكثر من 4637 عملية خلال 417 يوماً، بمعدل وسطي يقارب 11 عملية يومياً. ومنذ انطلاق "أولي البأس" وحدها، بلغ عدد العمليات 1666 عملية، بمعدل يومي 23 عملية، شملت استهداف مواقع وثكنات عسكرية، مدن ومستوطنات، من الحدود اللبنانية–الفلسطينية حتى ما بعد تل أبيب، إلى جانب صدّ التوغلات البرية الواسعة داخل الأراضي اللبنانية. وتميّزت سلسلة عمليات "خيبر" بنقلة نوعية، إذ نُفّذت 105 عمليات استراتيجية استهدفت للمرة الأولى قواعد ومراكز عسكرية إسرائيلية حساسة باستخدام صواريخ بالستية دقيقة ومسيّرات هجومية وصلت إلى عمق 150 كلم.
سردية الحزب عن الحرب.. قريباً
قريباً سيعلن حزب الله سرديّته عن الحرب. رواية أعدّها فريق عمل كبير داخل مؤسسات الحزب السياسية والإعلامية والعسكرية. ستتضمّن تفاصيل 70 يوماً من الحرب، مروراً باغتيال الأمينين العامين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.
تنطلق السردية من سياق معلوماتي واسع يؤكّد أن الحرب لم تكن نتيجة مفاجئة أو ردّ فعل لحظوي، بل كانت حصيلة تراكم طويل من التهديدات والإعدادات والاختراقات، في سياق سعي إسرائيلي حثيث لتفكيك منظومة العمل الدفاعي والهجومي التي طوّرتها المقاومة منذ عام 2006.
توزّعت هذه السردية على ستة فصول وخاتمة، لتقدّم قراءة شاملة لمسار الحرب بين حزب الله وإسرائيل:
الفصل الأول: التمهيد للحرب، يستعرض تراكم التهديدات والتحضيرات وبروز المؤشرات التي مهّدت الطريق للحرب.
الفصل الثاني: برنامج الهجوم، يركّز على الخطط الهجومية والاستراتيجيات التي اعتمدها العدو، إلى جانب استعدادات المقاومة لمواجهتها والتعامل معها بفعالية.
الفصل الثالث: العملية البرية، يعرض تفاصيل المعارك الميدانية، الأداء القتالي للمقاومة، والتحركات التكتيكية للعدو، مع تحليل ديناميكيات ساحة المعركة.
الفصل الرابع: تطوّر الردع، يتناول كيفية تطوّر استراتيجيات الردع والمواجهة بما يعكس قدرة المقاومة على الصمود والمبادرة.
الفصل الخامس: اتفاق وقف إطلاق النار، مراحل التفاوض، التحديات المصاحبة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، شكل الاتفاق النهائي والدور الأميركي فيه.
الفصل السادس: ما بعد الحرب، يركّز على التحولات الميدانية والسياسية والاجتماعية بعد الحرب، مع تقييم انعكاساتها على البيئة والمقاومة.
هي ليست الرواية الرسمية للحزب عن الحرب، لكنها تحظى بموافقة قادته، وتتضمّن يوميات الحرب بأدق تفاصيلها، مرفقة بأوراق وملفات توثّق الوقائع.
كيف قتل السيد نصرالله؟
تخلص هذه السردية إلى نتيجة مفادها أنّ الحرب أثبتت بيومياتها أنها لم تكن وليدة اللحظة، بل نتيجة عمل إسرائيلي دؤوب. وبالمحاججة، تقول إن معركة الإسناد ليست سبب الحرب، فمن يعدّ تفجير البيجر، وبنك المعلومات الذي تحتفظ به إسرائيل، تأكيد أنها كانت حصيلة تراكم معلومات منذ حرب عام 2000. وتتناول السردية تفاصيل الحرب وكيف عملت إسرائيل على المستوى الأمني والاستخباراتي.
سيحاول حزب الله الإجابة على أسئلة لا تزال مطروحة، من بينها: كيف قُتل الأمين العام السيد نصرالله؟ وكيف جرى تفخيخ أجهزة البيجر؟ وكيف علمت إسرائيل بمخازن الصواريخ واستهدفتها؟
في هذه السردية، يتحدث حزب الله عن أمور "أسطورية" سطرها خلال الحرب، سيتناولها لاحقاً، وسيسرد القادة في الميدان تفاصيل المواجهة في قرى الحافة الأمامية التي شهدت نحو 47 عملية اشتباك منعت توغل إسرائيل إلى الداخل، إضافة إلى دور سلاح الجو.
قُسمت السردية إلى مراحل وتضمّنت مجموعة من الموضوعات التي يجب معالجتها، لكن السؤال الأساسي الذي تطرّقت إليه هو سؤال الناس: هل لولا حرب الإسناد كانت حصلت الحرب وقُتل السيد وواجهنا ما واجهنا؟ ليكون الجواب أنّ حزب الله، ولو لم يدخل معركة إسناد غزة، لكان على نقيض أفكاره ومعتقداته، ولكان قد سقط في مفاهيمه الدينية والإنسانية والشرعية. وبالوقائع، يقول إنّ الإسرائيلي كان قد حضّر مسبقاً لعدوانه، ولو لم تكن حرب الإسناد لكانت الحرب الإسرائيلية واقعة لا محالة، مع فارق "أننا كنا متنا جبناء". ولو عاد الزمن بحزب الله إلى الوراء لكان فعل ما فعله وناصر غزة وأهلها.
في ما يتعلق بالحرب الواسعة، يؤكد حزب الله أنّه لم يكن بوارد توسعة الحرب، وأنه دفع ثمناً غالياً نتيجة ذلك، وهو خسارة السيد نصرالله.
حرب في بيئة معقدة
تتحدث السردية عن جبهات الإسناد من اليمن إلى العراق. ما يعرفه الناس عن الحرب أنّ حزب الله قصّر، ولكنهم لا يعلمون لماذا وكيف كان يقاتل في بيئة أمنية معقّدة جداً ومخترقة للغاية. ومن الوقائع ، يتضح كيف كان الخرق في دوائر النفوس، وفي مصلحة تسجيل السيارات، وفي الاتصالات والمحاكم والطاقة والمالية. ولهذا يتحدث اليوم عن الحاجة إلى استراتيجية أمن وطني.
ينقل حزب الله أنّ 12 يوماً من الحرب على إيران انتهت لتكشف بعدها التقارير الأمنية أنّ أغلب العملاء الذين أُلقي القبض عليهم كانوا نتيجة خرق شبكة الاتصالات، حيث إنّ 11 مليون اتصال جرى خلال 12 يوماً كانت مثار شبهات لخرق أمني واسع.
ويقول الحزب إن عرضاً تفصيلياً لوقائع الحرب التي شنّتها إسرائيل، وشراستها وما شهدته أيامها من 17 أيلول حتى 28 تشرين الأول، كانت كفيلة بالقضاء على إمبراطوريات ودول، وليس فقط على أحزاب:
-17 و18 أيلول: انفجرت أجهزة البيجر والاتصالات اللاسلكية، وأصيب نحو ثلاثة آلاف من المجاهدين، بينهم شهداء من مختلف الاختصاصات الجهادية والمستويات التنظيمية، فضلاً عن المدنيين ومن بينهم أطفال.
20 أيلول: استهداف قادة الرضوان.
22 أيلول: محاولة اغتيال القائد علي كركي.
23 أيلول: عملية "أسهم الشمال".
24 أيلول: اغتيال جميع قادة الوحدات الصاروخية في الحزب.
25 أيلول: استهداف جميع المنشآت والوحدات الاستخبارية.
26 و27 أيلول: استهداف قائد القوة الجوية، واغتيال السيد نصرالله وجميع المسؤولين عن غرف العمليات.
28 أيلول: استكمال اغتيال القادة، ثم اغتيال الشيخ نبيل قاووق وقادة عسكريين، وصولاً إلى استشهاد السيد هاشم صفي الدين.
جراء كل ذلك، كان يتعذّر على حزب الله الخروج من حرب كالتي شنّتها إسرائيل والعالم عليه، لكنه واصل خوض المعركة.
وللمفاوضات جزء من السردية، منذ لحظاتها الأولى وصولاً إلى توقيع الاتفاق الذي يجزم حزب الله بأنه لم يوقّع على أي نص، مع عرض كيفية تطور المفاوضات بالتوازي مع المسار العسكري.
مرّ حزب الله بثلاث مراحل رئيسية خلال الحرب:
المرحلة الأولى: الصدمة الناجمة عن المفاجأة وشدّة الضربات الأولى.
المرحلة الثانية: احتواء الصدمة وبدء التعافي عبر إعادة تنظيم القدرات الميدانية والقيادية.
المرحلة الثالثة: التعافي واستعادة الحضور، وهو تطور يُعدّ سابقة في تاريخ الحروب الحديثة، إذ تمكنت قوة مقاومة من ترميم نفسها، في خضم حرب وجودية طاحنة.
غادة حلاوي - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|