الصحافة

نواف سلام: الانقلابي الذي رجّ القلعة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

من يزُر السراي الحكومي، ذلك البناء الضخم الذي يشبه القلاع التاريخية وقصور سلاطين آل عثمان، المنتصب بشموخ على ربوة تناظر واحدًا من صنّاع الاستقلال و "شريك" الميثاق الوطني، رياض الصلح، يقف بجلاء على تأثير الانقلاب الذي أحدثه الوافد الجديد إلى نادي الرؤساء.

فالرئيس نواف سلام حوّل السراي من قلعة زعاماتية تحمل بعضًا من روح وسمات "إيوان كسرى"، مثقلة بحاشية من المستشارين والمديرين والضباط والطامحين، وبينها وبين الناس كتل أسمنتية وتشكيلات أمنية، وطبقة عازلة من رجال البلاط، إلى دار يصنع فيها القرار الحكومي بغير تكلّف، متخفّفًا من بهرجة السلطة وأساطيل الحرّاس ونقاط التفتيش، يفتح صدره قبل أبوابه أمام الزائرين دونما تفريق، للسفراء والساسة، كما للنخب من خارج دائرة الحكم الضيّقة، والمجالس المحلية والمنظمات الأهلية والعوام.

واحدة من الأفكار التي دخل بها نواف سلام السراي، هي أن من أسباب اندلاع "انتفاضة 17 تشرين"، الفجوة الهائلة التي تعمّقت بين السلطة السياسية والناس، بحيث صارت الأولى تلعب دور الخياط العتيق الذي يصرّ على ترقيع خروق قديمة، وإلباسها للجماهير فرضًا، فكان أن اندفعت صوب الساحات لإسماع صوتها، والقول إن الترقيع لم يعد بإمكانه ستر عورات سلطة متهالكة.

وبعدما كان يلوذ بدوائر لا حدّ لها لكسب موعد خارج عمليات الجمهرة المنظمة في مواقيت معيّنة، صار الأمر متاحًا وفق أصول بسيطة ومنظمة، زائر السراي اليوم يخرج بانطباع راسخ بأن نواف سلام رجّ القلعة بمعانيها السياسية والزعاماتية، حيث أعاد هيكلة عمل دوائر الدار وترتيب أوراقها لتجسير الفجوة و "أنسنة" العلاقة بين السلطة والمجتمع، محوّلًا إيّاها من حصن دفاعي تاريخي، وسياسي حداثي، إلى حصن دستوري يُعلي قيم القانون وينثر ثقافة الدولة، فيغدو متنافرًا مع ما أرسته وصاية الدويلة من أعراف تلوي عنق الدستور وتختال عليه بهتانًا.

ولمعرفة حجم التحوّل، تكفي المقارنة بين سلاسة ضرب موعد في السراي، وتعقيد الفعل نفسه في "عين التينة"، وسعيد الحظ من يتاح له بضع دقائق في "المشية" اليومية لناظر البرلمان، حتى ولو كان نائبًا أو صحافيًا. إذ ذاك يمسي نواف سلام غريبًا وانقلابيًا، فهو لا يقدّم نفسه زعيمًا، بل ببساطة رجل دولة يسعى إلى إعادة اعتبارها المسحوق.

وهنا مكمن العداوة التي يحملها له "حزب اللّه" منذ سنوات، لأنه خبِر أفكار الرجل، وما يتصف به من صلابة تصعّب عقد تسويات ألِفها. فاستبق وصوله بدعاية سلبية، وافتتح العلاقة الرسمية معه بعدوانية مفرطة، وتبنى خطاب كراهية وتخوين حياله، راح يحقن به قاعدته، حتى صارت عداوته تبزّ عداوة إسرائيل في كتابات وتعبيرات أغلبها مبتذل، وقليلها خبيث يدسّ السمّ في العسل.

يرى "الحزب" في نواف سلام رأس حربة فريق الدولة الساعي لهزيمته، ولذا، لا يني عن افتعال المعارك ضدّه. ورأس الحربة في كرة القدم هو ذاك اللاعب الذي يتمركز أمام مرمى المنافس ويقود الهجمات، ويتمايز واحد عن آخر ببراعته في تسجيل الأهداف من مواقع معقدة، رغم قسوة المدافعين التي تصل حدّ الضرب. وبالفعل، لم تحلِ المعارك وسياسات "الضرب" في المشروعية دون مضيّ سلام في إقرار حصرية السلاح، ووضع قطار الدولة على سكّته، وإن كان بطيئًا كما حال قطارات الفحم القديمة، إلّا أنه ثابت في مشيته.

وهذا ما يغيظ "الحزب" فيدفعه إلى افتعال المزيد من المعارك الجانبية. فهو كان يعلم مآلات رفع صورة أمينه العام الراحل على مكان برمزية صخرة الروشة في الوجدان البيروتي والوطني، وردّة فعل رئيس الحكومة، ولذلك فعلها راميًا وضعه بين حدّين: التراجع خطوة وإضعاف هيبة الدولة الصاعدة، أو رفع قيم العداوة حدّ الانفجار مع حاضنة مشحونة.

بالنسبة إلى سلام المفاضلة محسومة، فهو لن يسمح بفرض "بروباغندا" حزبية فئوية، وهوية بصرية تتدثر بقدسية الموت على عاصمة تجسّد مركز القرار ورمز هوية الدولة، دون أن يعني ذلك أنه يقدح عداوة مع صاحب الذكرى ورمزيته في مخيال أنصاره. وهنا، من المفيد التذكير بأن رئيس البرلمان أصدر بيان نعي غداة اغتيال نصر اللّه يحمل توقيع "حركة أمل" وليس مقامه السياسي، ولم يلبس الأسود الذي يحمل رمزية خاصة في إظهار الحزن عند الشيعة، وبرّي "سيّد" توجيه الرسائل عبر الرمزيات والإيحاءات، فهل أثّر ذلك في مكانته كـ "شريك" أو "أخ أكبر"؟ العداوة مع سلام سببها باب الدولة الذي فتحه وما دونه تفصيل.

سامر زريق -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا