الصحافة

الهروب إلى السّعوديّة لا يحلّ أزمة “الحزب”

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إن دلّ الخطاب الذي دعا فيه نعيم قاسم إلى مصالحة بين “المقاومة” والمملكة العربيّة السعوديّة على شيء، فهو يدلّ على جهل عميق بالمملكة من جهة، ورفض للاعتراف بحجم الهزيمة التي لحقت بـ”الحزب” من جهة أخرى

إنّه جهل على كلّ المستويات، بدءاً بفقدان اللياقة في طريقة التوجّه إلى بلد مثل السعوديّة. لا يعرف الأمين العامّ لـ”الحزب” بديهيّات لغة التخاطب مع الآخر. الأهمّ من ذلك كلّه أنّه لا يعرف حجمه بدليل أنّه يحدّد سلفاً شروطاً للمصالحة مع المملكة غير مدرك أنّ دولة مثل المملكة العربيّة السعوديّة تتعاطى مع الدول وليس مع أحزاب أو ميليشيات مذهبيّة معروف تماماً من أسّسها والغرض الذي وُجدت من أجله أصلاً.

في البداية، ما هي “المقاومة” التي تحدّث الأمين العامّ لـ”الحزب” باسمها من منطلق أنّها كيان سياسي لديه مشاكل مع بلد من أهمّ بلدان المنطقة، بل بلد محوريّ على الصعيد الدوليّ في ضوء العلاقات التاريخيّة مع القوى الكبرى، بمن في ذلك أميركا، والثروة النفطيّة التي يمتلكها وموقعه الاستراتيجيّ؟

لا شيء سوى العداء

رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه. تكمن مشكلة “الحزب” الذي يتسلّح بشعار “المقاومة” في أنّه لا يدرك أنّه لم يحقّق أيّ إنجاز منذ اليوم الذي أُعلن فيه قيامه مطلع ثمانينيّات القرن الماضي باستثناء تحقيق انتصارات على لبنان واللبنانيّين… أللهمّ إلّا إذا كان تغيير طبيعة المجتمع الشيعي والتسبّب في  إفقار الجنوب وتدمير كلّ هذه القرى تُعتبر انتصاراً!

تشمل انتصارات “الحزب” بطبيعة الحال اغتيال رفيق الحريري ورفاقه ومجموعة من اللبنانيّين الشرفاء من كلّ الطوائف. تشمل الانتصارات أيضاً التدخّل في سوريا لإنقاذ بشّار الأسد والتآمر على دول الخليج العربي، خصوصاً على مملكة البحرين.

ليس لدى “المقاومة” من أوراق اعتماد تقدّمها إلى السعوديّة غير العداء المتجذّر للمملكة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، من خلال اليمن على سبيل المثال وليس الحصر. أمّا على الصعيد اللبنانيّ نفسه، فيمكن العودة بالذاكرة إلى مهاجمة سفارة المملكة في بيروت في آب من عام 1984، بهدف إغلاقها، على يد مجموعة من الغوغاء. هاجمت تلك المجموعة التي شكّلها “الحزب” أيضاً السفارة المغربيّة بهدف إفراغ لبنان من أيّ وجود عربيّ. تشير الأحداث الموثّقة إلى أنّ السعي الدائم لـ”المقاومة”، التي لم تكن في يوم من الأيّام غير أداة إيرانيّة، كان إلى عزل لبنان عن محيطه العربي وتحويله إلى مجرّد كيان يدور في الفلك الإيرانيّ. لم يتوقّف هذا السعي يوماً. لن يوقفه بكلّ تأكيد الكلام الصادر عن نعيم قاسم، وهو كلام لا يمكن حمله على محمل الجدّيّة إلّا في حال واحدة هي اقتناع “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران بأنّه لم يعد لها خبز لا في لبنان ولا في سوريا.

نكتة حديث نعيم قاسم عن “العدوّ الإسرائيليّ” الذي تريد “المقاومة” مواجهته بمشاركة السعوديّة. يبدو واضحاً أنّه لم يأخذ علماً بأمرين: أوّلهما أنّ حرب “الحزب” مع إسرائيل انتهت بهزيمة ساحقة ماحقة لـ”المقاومة” التي باتت عاجزة عن الردّ على أيّ استفزازات إسرائيليّة، بما في ذلك تلك التي تنفّذ في العمق اللبناني. أمّا الأمر الآخر الذي لم يأخذ نعيم قاسم علماً به فيتمثّل في المعركة الكبيرة التي تخوضها السعوديّة حاليّاً على الصعيد العالميّ من أجل قيام الدولة الفلسطينية ومنع شطب القضيّة الفلسطينيّة من الوجود.

الاعتراف بالهزيمة

بعيداً عن الخزعبلات التي تستهدف تأكيد أنّ “المقاومة” تمتلك دوراً يتجاوز البلد وأنّها ما زالت الممثّل الشرعيّ والوحيد للبنان وما زالت تحدّد مَن مسموح له بالمجيء إلى البلد والبقاء فيه، من الضروريّ امتلاك نعيم قاسم وغيره من قادة “الحزب” شجاعة الاعتراف بالهزيمة. لا خيار آخر غير الاعتراف بالهزيمة بدل البحث عن طريقة لتبرير الاحتفاظ بسلاح لم يكن لديه من دور سوى إخضاع لبنان واللبنانيّين. حصل ذلك بكلّ الوسائل المتاحة من الاغتيالات إلى اجتياح بيروت في السابع من أيّار 2008 وفرض رئيس للجمهورية من طينة ميشال عون. لم يكن لدى هذا الرئيس همٌّ في يوم من الأيّام غير تغطية السلاح الإيرانيّ ووظيفته الداخلية… من نوع اغتيال البطل الوطنيّ وسام الحسن!

لبنان تغيّر والمنطقة تغيّرت. السعوديّة لم تتغيّر، بل هي ثابت من ثوابت المنطقة ولاعب مهمّ على الصعيدين الإقليمي والدوليّ. لن يؤخّر خطاب من نوع الذي ألقاه نعيم قاسم ولن يقدّم. كلّ ما في الأمر أنّ على “الحزب” أن يتغيّر بدءاً بالاعتراف بأنّه لا يمثّل لبنان من جهة وأنّه لا يستطيع التلطّي إلى ما لا نهاية بالطائفة الشيعية من جهة أخرى. الأهمّ من ذلك كلّه الحاجة إلى استيعاب أنّ السلاح المذهبي الميليشيويّ لن يأخذ لبنان سوى نحو مزيد من الدمار في وجه مجرم عدوّ لا يرحم ولا يتردّد في تنفيذ هجمات على مدنيّين ونساء وأطفال كما حصل أخيراً في بنت جبيل.

يظلّ الاعتراف بالخطأ فضيلة. الاعتراف بالهزيمة أكثر من فضيلة، خصوصاً عندما يكون الأمر متعلّقاً بتفادي حرب جديدة يُخشى أن يتعرّض لها لبنان، في غضون أربعة أو خمسة أشهر، في ظلّ ادّعاء إسرائيل لامتلاكها معطيات تحدّد أماكن وجود السلاح.

ليس في الهرب إلى مصالحة مع السعوديّة حلٌّ لـ”المقاومة” ولا مخرجٌ من أزمتها. لن يفيد “الحزب” و”المقاومة” غير التواضع في بلد تغيّر ومنطقة تغيّرت وعالم تغيّر. تغيّرت المنطقة والعالم إلى درجة صار فيها النظام الإيراني يبحث عن طريقة للدفاع عن نفسه والحؤول دون السقوط بعدما كان في الماضي القريب يعمل على تغيير خريطة المنطقة بأدواته المعروفة بما يناسب مشروعه التوسّعيّ!

خيرالله خيرالله - أساس ميديا 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا