الوريث الظل مجتبى خامنئي... المال والسلطة والوصاية على "الحزب"
يبرز اسم مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، كوريث محتمل من خلال الترويج الكبير له في الأوساط السياسية والدينية والحرس الثوري على الرغم من الانتقادات الواسعة حول أهليته الدينية والسياسية مقارنة بما يتطلبه منصب "الولي الفقيه"، لكن نفوذه الأمني والسياسي قد يمنحه أوراق ضغط مؤثرة في قرارات الدولة العليا، خصوصًا بعد تصاعد التوتر مع إسرائيل واستهداف كوادر الحرس الثوري.
يكاد يكون نجل المرشد من أكثر الشخصيات غموضًا وإثارة للجدل، فهو الوجه الذي ينسج خيوطًا عدة خلف الكواليس في طهران، من قمع الاحتجاجات الداخلية إلى نسج العلاقات مع الجماعات المسلحة الإقليمية، بما فيها "حزب الله".
تشبع مجتبى بالفقه الشيعي والسياسة الثورية بعدما تلقى تعليمه الديني في مدرسة علوي من ثم في قم. واكتسب مبكرًا خبرة ميدانية بخدمته في صفوف الحرس الثوري أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، مستفيدًا منها لنسج شبكة علاقات داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، والتي بنى عليها لاحقًا نفوذه غير المعلن.
شارك مجتبى في عمر 17 في جبهات القتال بين إيران والعراق في الثمانينات إلى جانب محسن هاشمي الابن الأكبر للرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني ضمن كتيبة "حبيب بن مظاهر" التابعة لجيش محمد رسول الله.
وقد نقلت وسائل إعلام أن مجتبى شارك في عمليات حربية مثل "بيت المقدس 2 و3 و4" و"الفجر"، يومها طلب من الجميع أن ينادوه باسم "الحسيني".
دور داخلي يتجاوز الظل
لا يقتصر نفوذ مجتبى على الدورين السياسي المحلي والديني بل ذهب أبعد من ذلك لنسج دور إقليمي محوري في توجيه المحور.
بداية من نفوذه الداخلي الذي يمارسه رغم عدم تقلده أي منصب رسمي. لقد شكل العمود الفقري لهندسة فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد. وتشير تقارير في هذا السياق، إلى أن مجتبى لعب دورًا رئيسيًا في السياسة الإيرانية، حيث اشتكى المرشح الرئاسي مهدي كروبي، من تدخله في تغيير نتائج انتخابات 2005 لصالح محمود أحمدي نجاد في الساعات الأخيرة من فرز الأصوات. ووجه كروبي يومها رسالة مفتوحة إلى المرشد خامنئي يحتج فيها على قيام نجله بتزوير الانتخابات بمساعدة الباسيج والحرس الثوري.
كما لعب دورًا محوريًا في توجيه قوات الباسيج والحرس الثوري لقمع احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، يومها نزل المتظاهرون إلى الشوارع بشعارات مناهضة للنظام كان أحدها "مجتبى ستموت قبل أن تصبح مرشدًا".
في أيار 2016 كان محمد سرافراز، أول مدير للإذاعة والتلفزيون يستقيل قبل نهاية ولايته بأمر من المرشد علي خامنئي بعدما واجه مشاكل مع جهاز استخبارات الحرس الثوري. وبعد ثلاث سنوات، كشف سرافراز عن دور مجتبى خامنئي مباشرة في الإطاحة به. وقال إن أهم سبب لخلافهم كان حول المزادات العلنية لإعلانات هيئة الإذاعة والتلفزيون، وكانت الأخيرة عبارة عن صفقة قيمتها ثلاثة آلاف مليار تومان.
ووفقا لتقرير قناة "إيران إنترناشيونال" أصبح مجتبى في الواقع منذ ذلك الحين هو من يدير الإذاعة والتلفزيون الإيرانيين، وأصبح محاطًا بدوائر الزمن والعسكر وقادة الحرس الثوري.
امتد تأثيره على المؤسسات الدينية عبر إدارة العلاقات بين مكتب والده والحوزة على الرغم من تشكيك بعض المرجعيات الدينية البارزة في تأهيله الديني للقيادة.
النفوذ الإقليمي وعلاقته بـ "الحزب"
هندس مجتبى علاقة قوية ووثيقة بقوة القدس التابعة للحرس الثوري ، كما يشرف على بعض ملفاتها الحساسة في العراق وسوريا ولبنان.
في تشرين الأول 2024، زار مُجتبى مكتب "حزب الله" في طهران والتُقطت له صورة رسمية وهو يلتقي كوادر "الحزب" هناك. ومما لا شك فيه أن نشر الصورة عبر وكالة "وانا" الإيرانية لم يكن صدفة، بل رسالة بأنّ علاقة "الحزب" لم تعد محصورة بالمرشد أو الحرس الثوري، بل تشمل نجله مباشرة.
ولأن كل قرارات "الحزب" الكبرى مرتبطة بالعمق بالمرشد الأعلى، فإن مكتب الأخير هو الذي يمرر التوجيهات، ليلعب مجتبى دور المُسهّل بين المرشد و"حزب الله".
وتلفت تقارير دولية إلى أن مجتبى بات ينسّق ملفات "المحور" بعد خريف 2024، بما فيها لبنان أي أن الاتصالات التي كانت حصرًا عبر قادة في "فيلق القدس"، باتت تمر أيضًا عبره بشكل مباشر.
طبيعة العلاقة مع "الحزب"
سياسية ـ دينية: بما أن "حزب الله" يستمد شرعيته العقائدية من ولاية الفقيه، فإن مُجتبى بحكم موقعه داخل المكتب، بات أحد حَمَلة هذا الامتداد المرجعي عمليًا.
تنظيمية: لديه روابط مع قادة "الحرس" الذين يديرون التمويل والتسليح لـ "حزب الله".
شخصية ـ رمزية: إن ظهوره العلني مع "الحزب" رسالة بأنّه ولي العهد غير المعلن لشبكة إيران الإقليمية، و"حزب الله" أحد أبرز أوراقها.
بالتوازي أظهرت إحدى الوثائق المنشورة على موقع "ويكيليكس" أنه في عام 2010 بدأ مجتبى يتدخل عمليًا في إدارة البلاد على أعلى المستويات وأصبح على خلاف مع الرئيس محمود أحمدي نجاد حول السياسة الخارجية.
وبحسب مسؤول في وزارة الخارجية، كان مجتبى يومها مسؤولًا عن تعامل الحرس الثوري مع حركة "طالبان" ويمنحها الأسلحة مقابل المخدرات.
كما كان داعمًا رئيسيًا للميليشيات الشيعية في العراق بقيادة قاسم سليماني وزيادة ميزانيتها، بينما تحول أحمدي نجاد إلى الخطاب القومي الفارسي المتشدد، ودعا إلى تقليص المساعدات لهذه الميليشيات.
الإخفاقات والتحديات
يواجه مجتبى خامنئي عقبات عدة تحول دون تقليده أرفع وأعلى مرجعية شيعية لأسباب عدة:
ضعف الشرعية الدينية: فالعديد من المراجع البارزة تعتبر أن مساره العلمي لا يؤهله لمنصب المرشد، على الرغم من ترويج التيار الأصولي المتشدد أن مجتبى كان يتلقى علوم الحوزة على يد والده خلال السنوات الأخيرة، كما بدأ يدرس "فقه الخارج" في حوزة قم، كما يزعمون، وهي شروط لنيل درجة "الاجتهاد" كإحدى صفات المرشد وفقًا للدستور الإيراني.
الأزمات الداخلية: إن تراجع الاقتصاد الإيراني والاحتجاجات الشعبية المستمرة من شأنها أن تُضعف أي سلطة مستقبلية.
التحديات الخارجية: ساهمت الضربات الإسرائيلية المتكررة والأميركية على المنشآت النووية في إضعاف الدائرة الضيقة حول خامنئي، ما يعكس هشاشة البنية الأمنية.
حياة مجتبى الخاصة
على الرغم من كل ما يقال ويتم ترويجه، من أن المرشد وأبناءه يعيشون حياة الزهد والتقشف ويقطنون منازل مستأجرة، إلا أنه وبحسب وثيقة نشرت في "ويكيليكس"، فإن مصطفى ومجتبى خامنئي استثمرا 10 مليارات دولار في الصناعات الثقيلة في جنوب أفريقيا.
وفي السياق، يسلط الفيلم الوثائقي للمخرج الإيراني المنفي، محسن مخملباف، الضوء على الحياة المترفة التي يعيشها المرشد ونفوذ أبنائه. ويظهر الوثائقي أن الابن الثاني للمرشد، يحوز على أكثرية النفوذ والامتيازات، فهو الأغنى والأقوى بين أبناء خامنئي. كما أن ثروته تبلغ "ثلاثة مليارات دولار، أودع معظمها في بنوك المملكة المتحدة وسوريا وفنزويلا وعدد من الدول الأفريقية"، ومقدار ثروة المجتبى من الذهب والألماس تبلغ 300 مليون دولار.
ويلفت الوثائقي إلى أن مليار دولار من مجموع هذه الثروة حصل عليها مجتبى من الضريبة الخاصة على مبيعات النفط، فهو كان يفرض دولارًا واحد على كل برميل نفط صادر إلى الصين والهند، وما بين 5 إلى 15 دولارًا على مبيعات النفط الإيراني بشكل عام.
وبالنسبة إلى الأموال غير المنقولة لمجتبى، يظهر الفيلم أن الأخير وضع يده على أراض واسعة هي بالأساس ملك للدولة، في مدينة مشهد، محولًا إياها إلى ملكيته الخاصة، وأهداه محمد باقر قاليباف يوم كان رئيس بلدية طهران هكتارات واسعة من أراضي الدولة في أعالي منطقة عباس آباد في العاصمة، ومناطق أخرى، ويملك في مدينة مشهد أكبر مركز تسوق، إضافة إلى أضخم مشروع سكني تجاري".
كما يملك طائرة سفر خاصة وطائرة هليكوبتر للرحلات المستعجلة، ورتلًا من سيارات المرسيدس الحديثة الصنع، وأحصنة.
يبقى مجتبى خامنئي الوريث الظل الذي يملك نفوذًا كبيرًا قد يعزز من فرصه في خلافة والده بسبب سيطرته على أدوات القوة الصلبة، والتي قد تتبدد بفعل الاعتراضات الداخلية والتحديات الخارجية. ليبقى السؤال الأهم: هل تسمح الظروف بأن تنتقل ولاية الفقيه لأول مرة من الأب إلى الابن، أم أن إيران ستبحث عن وجه جديد يوازن بين الدين والسياسة في مرحلة شديدة التعقيد؟
وليد فريجي -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|