لبنان أمام عاصفة آتية…
لا يحتاج المتابع لكثير من التحليل ليدرك أن لبنان يقف على أعتاب مرحلة شديدة الخطورة.
فالمشهد الإقليمي يغلي، والخرائط السياسية والعسكرية يعاد رسمها بسرعة، فيما الداخل اللبناني يترنّح تحت أزمات متراكمة، كل ذلك يجعل من العاصفة الآتية أمرًا شبه حتمي، لا مجرد احتمال بعيد. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يملك لبنان ما يكفي من المناعة لعبور هذه العاصفة بأقل الخسائر، أم أننا متجهون إلى مواجهة مصيرية تضع الكيان كله أمام اختبار وجودي؟
التطورات المتسارعة في بلدان الجوار تنذر بأن لبنان قد يكون الساحة التالية في حسابات القوى الإقليمية.
فإسرائيل، التي تسعى إلى تثبيت مكاسبها الأمنية، لن تتردّد في نقل المواجهة إلى الحدود اللبنانية إذا وجدت أن ذلك يخدم مصالحها الاستراتيجية.
لكن هذه المرة، المخاطر لا تقتصر على الجانب العسكري وحده، بل تترافق مع ضغوط اقتصادية خانقة قد تصل إلى حدّ الحصار البحري والجوي، ما يجعل البلاد تواجه حربًا مزدوجة: من الخارج بالقوة، ومن الداخل بالاختناق المعيشي.
الأخطر من ذلك أنّ هذه الضغوط قد تُستغل لإعادة رسم التوازنات الداخلية في لبنان. فالحديث المتزايد عن تبدّل في موازين القوى لا ينفصل عن رغبة بعض الأطراف الدولية في فرض وقائع سياسية جديدة على الداخل اللبناني. وهذا يفتح الباب أمام محاولة إعادة صياغة المشهد السياسي بالقوة، بدلًا من الحوار أو الآليات الديمقراطية الطبيعية.
وتأتي في هذا السياق تصريحات المبعوث الأميركي توم براك، الذي وصف فكرة السلام في الشرق الأوسط بأنها “مجرد وهم”، وانتقد فشل معظم اتفاقيات وقف إطلاق النار، قائلاً إن الكثير من التصريحات تُقدَّم بلا أفعال ملموسة فيما يعنى بمسألة نزع سلاح حزب الله وتحجيم قدراته العسكرية. هذه التصريحات تُضيف بعدًا خطيرًا إلى السيناريو المحتمل الذي يربط بين الضغوط العسكرية والاقتصادية والسياسية على لبنان.
إنّ لبنان، الذي يرزح أصلًا تحت أعباء اقتصادية غير مسبوقة، لا يحتمل أن يُدفع إلى مواجهة بهذا الحجم من الانقسامات والتجاذبات. لذا فإن المسؤولية اليوم تقع على جميع القوى الوطنية كي تدرك خطورة اللحظة، وتمنع أي طرف خارجي من استغلال هشاشة الداخل لإحداث اختراقات تهدد وحدة الدولة واستمراريتها.
في الختام، المرحلة المقبلة لا تحتمل ترف المزايدات أو الحسابات الضيّقة. على كل القوى السياسية في لبنان، وفي مقدمهم حزب الله، أن تضع المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار. إنّ الوحدة الوطنية والتمسك بالمؤسسات هما خط الدفاع الوحيد في مواجهة العاصفة المقبلة. فالمقاومة وحدها لا تكفي، كما أنّ التسويات الظرفية عاجزة عن معالجة عمق الأزمة. المطلوب رؤية وطنية جامعة، تتأسس على إصلاحات حقيقية تعيد الثقة بالدولة في الداخل والخارج، وتجعل لبنان قادرًا على الصمود في وجه أعتى التحديات.
لكن ما سيحدّد مصير لبنان ليس شدّة الرياح، بل مدى تماسك بيته الداخلي وقدرته على الصمود بوجهها.
بقلم: دافيد عيسى سياسي لبناني
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|