فنيش: عند استنفاد الدبلوماسية سيكون لكل حادث حديث
لا يخلو الحديث مع المسؤول في حزب الله، النائب والوزير السابق الحاج محمد فنيش، من مواقف حادّة ورسائل قاسية. نبرته الهادئة في التحدث تجعل الرسائل أشد وقعاً وأقسى. المسؤول الذي عاد إلى لعب دور في الصدارة داخل حزب الله، تبدو ابتسامته موقفاً مقصوداً. لكن تلك الابتسامة سرعان ما تختفي عند الحديث عن السيد نصر الله... إذ يفشل في التحكم بدموعه، وفي لحظات الحزن التي تعتريه، يحاول جاهداً أن يتمالك نفسه، فيجد في الحديث عن صفات قدوته مصدر قوة يعيد له التماسك من جديد.
لحظة حزن أخرى تخيّم عند الحديث عن تضحيات عوائل الشهداء والبيئة الحاضنة. في السياسة، يتمنى لو أن رئيس الحكومة تعاطى مع العدوان الإسرائيلي كما تعاطى مع واقعة صخرة الروشة، ويدعوه إلى أن يتصرّف كرئيس حكومة لكل لبنان. يحسم الجدل المتعلق بالسلاح بالقول: طالما هناك عدوان واحتلال فالمقاومة باقية، وإلا نكون أمام انتهاك لاتفاق الطائف.
ويعوّل فنيش في حديثه إلى "المدن" على الدبلوماسية، إلى أن ينفد صبره في توقيت تحدّده الظروف والمعطيات.
هل من رسالة أراد حزب الله تقديمها للداخل أو الخارج من خلال الإصرار على إضاءة الصخرة بصورة الأمينين العامين؟
هذا كلام مستغرب، و ضجيج مفتعل. أستغرب هذا الأداء من رئيس حكومة في موقع يُفترض أن يكون دائماً حريصاً على جمع البلد، وأن يتصرف كرئيس حكومة لبنان، لا كرئيس حكومة لشارع أو جهة أو مجموعة من السياسيين.
هذه المناسبة ليست مناسبة حزب الله فقط، بل هي مناسبة وطنية وقومية وإنسانية. الشهيد السيد حسن نصر الله والشهيد السيد هاشم صفي الدين استشهدا على يد أعتى أعداء الإنسانية انتصاراً لقضية فلسطين. هذه القضية الجامعة يفترض أن تكون لكل شعوبنا ودولنا وأنظمتنا ونخبنا ومثقفينا ومسؤولينا. أستغرب أن يكون هناك هذا التعامل مع فعالية لم تهدف أبداً إلا إلى إحياء مناسبة، وأن يكون هناك تصرّف استفزازي بهذا الحجم بحق جمهور صابر على مضض.
نحن كقيادة حزب الله بذلنا جهداً لضبط أعصاب هؤلاء الناس نتيجة هذه التصرفات غير الحكيمة. أحاول أن أستخدم هنا أدق التعابير. لم أفهم لماذا يُفتعل هذا الجو، ولم أفهم لماذا هذا الموقف. بالقانون، لم يحصل أي تجاوز. إضاءة الصخرة ليست استخداماً للصخرة. لم يُستثمر بالصخرة، ولم ينزل أحد إليها ليقيم احتفالاً بداخلها، بل عُكست صورة عليها. ونحن أساساً، لو عاد الأمر إلينا، لكان يمكن أن نتجنب ذلك، لكن طريقة التعاطي مع الموضوع أوصلت الأمور إلى خارج السيطرة، بمعنى الإصرار على عكس الصورة. وأنت، يا رئيس الحكومة، تضع نفسك في هذا الموقف. هذا أمر مستغرب جداً جداً جداً.
ما هو الهدف؟ اليوم أنا مستغرب. هل هناك شيء في النفس ضد هذه الجهة أو هذا الجمهور؟ ماذا يسبب لك حتى تتعامل معه بهذه الطريقة الاستفزازية؟ هناك حشد، والجمهور له حق التعبير المكفول بالقوانين. لم يقطعوا طريقاً، ولم يتعدّوا على أملاك عامة أو خاصة. في النهاية كل ما فعلوه أنهم عكسوا صورة لبضع دقائق لإحياء هذه الذكرى. لم نشهد مثل هذا الانفعال مع الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الناس، ولا مع ما يُرتكب بحق المدنيين في لبنان، بحق أهل الجنوب، بحق لبنان. هذا أمر مستغرب حقيقة.
ومع ذلك نقول: نحن حريصون كل الحرص على تلافي أي إشكالية داخلية، حريصون على الاستقرار، وعلى الموقف الجامع، وعلى التعاون، وعلى كل ما يخدم مصلحة البلد. أما أن نقف عند هذه الحادثة بهذه الطريقة فهذا يدعو إلى الاستغراب، ويحتاج إلى توضيح وتفسير: ما الخلفية؟ ما الدوافع؟ لماذا هذا الاستنفار؟ لم نسأل أحداً. يعني، إذا أحد لم يلتزم وقام بعكس صورة، ما هي الجريمة التي ارتكبها؟ كنت أظن أن الجرائم التي يجب أن نوقف عندها هي جرائم إسرائيل. أما أن نقيم الدنيا ولا نقعدها لمثل هذه الأمور، فهذا غريب. أن يقف عند هذا الموضوع ويثير إشكالية من هذا النوع، فهذا أمر برأيي أبعد من مسألة ضغوط سياسية أو خلاف سياسي أو ضغوط خارجية، أو مسألة قوانين، لأنه لم يحصل أي تجاوز للقانون. يبدو أن هناك شيئاً ما. نتمنى أن يتروّى، وأن يقف موقفاً صحيحاً، وأن يُنصح بأن هذا الموقع يُفترض أن يُملأ بمن يمتلك النضج الكامل والحِلم الكامل في هذه الظروف، ليكون من عوامل حفظ البلد وتوحيد البلد، لا من عوامل إثارة الإشكالات.
لماذا لم يتجنب حزب الله الأزمة بإلغاء الفعالية أو نقلها إلى الضاحية الجنوبية لبيروت؟ هناك من اعتبر مجرد الإصرار على المكان برمزيته أمراً مستفزاً في بلد طائفي.
أعتقد أن هذا منطق غريب. فلو جرت دراسة إحصائية لمن حضر، لظهر أن كل الذين حضروا هم من أهل بيروت ومن ناخبيها. وكأن البعض نسي أن بيروت عاصمة لكل الناس، وأن هؤلاء هم من أبنائها الأصليين. وهناك مئة ألف ناخب ينتمون إلى هذه المنطقة. وأكثر من ذلك، لم يكن الحضور من لون واحد بالمعنى الطائفي أو المذهبي مع الأسف، بل ضم كل الناس من مختلف المناطق ومن أهل بيروت. لذلك فإن الحديث عن حواجز مناطقية أمر غير مقبول.
العلاقة مع رئيس الحكومة
ماذا لو تأزّم الموضوع بالعلاقة مع رئيس الحكومة؟
أصلاً، ليس هذا التعامل كما ينبغي أن يكون بين رئيس حكومة مع جهة سياسية لها وزنها النيابي والتمثيلي وحضورها في مجلس الوزراء. رئيس الحكومة يعرف جيداً الكثير من الأمور. أتمنى أن يكون هناك إعادة نظر في أسلوب التعامل، وأن يتصرف كرئيس حكومة بموقع جامع، حريص على عدم حصول اهتزازات في هذا الوقت الذي نحن في غنى عنه.
اليوم، البلد يتعرض لهجمة إسرائيلية ولتوغل إسرائيلي وأميركي في المنطقة، وهو بأمسّ الحاجة إلى استجماع كل قدراته والتعامل مع كل المكونات لتلافي أي إشكالية، والبحث عن المشترك، وعن كيفية إيجاد الحلول لمشاكل الناس، وذهاب الحكومة إلى ممارسة أعمالها ومسؤولياتها تجاه عملية الإصلاح ومعالجة المشكلات التي يعاني منها المواطن، الاقتصادية والاجتماعية والمصرفية والمالية والسياسية والأمنية كذلك.
ولكن أساس المشكلة هو الخلاف بين الدولة والدويلة؟
هذا الادعاء أدخلنا في موقف سياسي معادٍ. أولاً، نحن لم نكن يوماً دويلة داخل الدولة. ونعتبر أن كل ما قمنا به من إنجازات كان لمصلحة الدولة. ولولا المقاومة لما استعادت الدولة قسماً كبيراً من سيادتها على الأرض. والمقاومة لم تكن يوماً بديلاً عن الدولة، بدليل أنها حررت الأرض ولم تطلب شيئاً لنفسها.وبدليل أنه اليوم يتم اعتقال عملاء من قبل هذه الدولة، ثم يُفرج عنهم بكل بساطة. هذا ليس منطق الدولة. الحريص على منطق الدولة هو من يمثل هذه الجهة. حزب الله هو أكثر الأطراف حرصاً على مشروع الدولة كراعية وحامية وجامعة لكل اللبنانيين، وهو أكثر الأطراف حرصاً على الوطن من خلال التضحيات الجسيمة التي قدّمها ولا يزال. إذن، منطق الاتهام الافترائي بعيد عن الواقع ويعكس ضغوطات أو مفاهيم مغلوطة وخاطئة. ولا أعتقد أن هناك أحداً أحرص منا، لا بتاريخه ولا بتضحياته ولا بحاضره، على مصلحة الوطن ومؤسسات الدولة.
يبدو أن الموضوع لا يقتصر على الخلاف حول صخرة الروشة بل هو ناتج عن تراكمات؟
ليسأل رئيس الحكومة لماذا أصرّ على هذا التصرف. هناك مناسبة وأنشطة تمّ رسمها وفعالية حاولنا كل جهدنا أن نضبطها حتى آخر لحظة. ليس من افتعلنا مشكلة مع رئيس الحكومة، إطلاقاً ليس هذا وارداً في حسباننا. بدليل تعاملنا في مجلس الوزراء، وتعاملنا في مجلس النواب، ونتعامل بكل إيجابية وبكل مرونة وبكل حرص على احترام القوانين والأنظمة. لكنّ التصرف بهذه الطريقة الاستفزازية، والوقوف عند هذه الأمور، والتعامل معها بهذا الأسلوب هو المشكلة.
لماذا فعل رئيس الحكومة ذلك؟
في الأمر شيء له علاقة بالشخص، فكل شخص له تركيبته، وله علاقة بمدى استيعابه للمسؤولية الملقاة على عاتقه كرئيس حكومة. لا أريد أن أتحدث أكثر من ذلك.
اليوم تختلف العلاقة كما هو واضح مع رئيس الجمهورية عنها مع رئيس الحكومة؟
حزب الله هو نفسه الذي يتعامل مع الرؤساء ومع المؤسسات، بنفس القواعد ونفس الالتزام ونفس الضوابط. لكن هناك من يتعامل معك بنوع من التجاهل، ويظهر لك بشكل أو بآخر نوعاً من العدائية، ويتصرف دون أن يكون لديه أدنى حرص على الإصغاء أو البحث عن المشتركات. المسؤولية عنده وليست عندنا.
هل تعتقد أن المطلوب اليوم كسر حزب الله؟
الواضح من الأداء الموجود أنّ هناك ضغوطات خارجية، وهو يصغي لها، ويتصرف بما هو أبعد من تلك الضغوط. أحياناً هناك انعكاس لما في داخله أيضاً. قد يعتبر نفسه يؤدي مهمة، ولا أعرف إن كان ذلك نابعاً من قناعته أو من طموحه أو من إرضاء جهات ما.
هل صحيح أن رئيس مجلس النواب نبيه بري كان يؤيد إلغاء الفعالية؟
لم يصلني هذا التفصيل ولم أتابعه. ربما يكون للرئيس برّي رأي، حاول ألّا يكون هناك تأزيم، ونحن أيضاً حاولنا ألّا يكون هناك تأزيم، وحاولنا جاهدين باتصالاتنا أن نخفف من اندفاعنا. هناك من استفزّه هذا الأداء العدائي، بينما في مناطق معروفة أنّ أملاكاً عامة مشغولة بشكل دائم من جهات سياسية ولم يقترب أحد صوبها.
لكن في منطقة من قلب الناس لإحياء ذكرى وطنية، صار الأمر مشكلة. إلا إذا البعض يعتبر نفسه خارج هذا الانتماء، فتلك مشكلته. مع ذلك حاولنا جاهدين أن نتعامل مع ما حصل، ولم نناقش القصة قبل وقوعها، بل ناقشنا كيف نتعامل معها بعد أن صارت. أنا أستغرب بكل صراحة أن يشغل موقع رئاسة الحكومة شخص يتصرف بهذه الطريقة، بينما كان عليه أن يفكر بحسابات المصلحة العامة، وأن يفكر كرئيس حكومة لبنان، المعني بالجمع لا بإثارة العصبيات، ولمن يريد أن يوصل رسالته؟
إلى من برأيك؟
لا أعلم. عليه أن يسأل نفسه. اضطررت أن أتكلم بهذه اللغة، لأنني كنت أفضل أن يحصل تواصل ونجد ترتيباً وحلولاً كي لا يقع الخلاف. وكنا على كامل الاستعداد لذلك. رئيس الحكومة قادر على أن يبعث رسالة أو يوضح كيف نتجنب هذه الأمور. كان يمكن أن يستوضح أو يتخذ موقفاً مسبقاً يجنّبنا الانفعال العدائي. لماذا لم يفعل؟ لهذا اضطررت أن أتكلم بهذه الصراحة والشفافية. ولو أردت أن أوجّه رسالة لرئيس الحكومة، فهي أنّ هذا الأسلوب لا يخدم أحداً. مسؤولية رئيس الحكومة أن ينجح في إدارة البلد، ونحن حريصون على نجاح الحكومة في تأدية مهامها ومستعدون لكل تعاون وفق قناعتنا ورؤيتنا. نحن إيجابيون مهما كان التباين السياسي، لكن لا يجوز أن يتحول التباين السياسي أو المواقف المسبقة أو الحسابات الخارجية إلى عدوانية تجاه جهة ما. هذا غير مقبول.
كيف ستكون علاقتكم به داخل مجلس الوزراء؟
جلسات الحكومة مستمرة، ونحن نحضرها بشكل طبيعي ولا مشكلة لدينا. ولدينا استعداد أن نبحث ونوضح كل الملابسات وما حدث لا يجب أن يُفسَّر لا في إطار عدوانية ولا عدائية ولا مواجهة. نحن لسنا في هذا المنطق أبداً.
ذكرى السيد الحاضر
اليوم تحلّ الذكرى الأولى لاستشهاد سماحة الأمين العام حسن نصرالله، ما الذي تقوله بالمناسبة؟
على مستوى المشاعر بيننا وبين السيد، يحضر السيد يومياً، نسأل: هل فعلاً رحل؟(صمت في محاولة باءت بالفشل لإخفاء دموعه)، بالتأكيد كان ذلك حدثاً غير عادي، ترك جرحاً كبيراً.
مجرحون نحن، لكن الحمد لله، عندما نرى الالتفاف حول النهج والخط، ونرى هذا الشعب العظيم الذي تربّى في مدرسة الشهيد السيد حسن، والذي كان السيد يثق به ويقدّر تضحيته ويعطيه كل احترام، نجد فيه الأمل لمستقبل كبير. هذا الالتفاف يخفف شيئاً من الألم. ومع ذلك يبقى الفقدان حاضراً، فقد كان حضوره يملأ المشاعر والأحاسيس والعقول والفضاء والإعلام والسياسة والثقافة والتربية. لكنه غادر إلى عالم آخر بكبرياء.بعظمة، بافتخار، نفخر أن يكون من هذا الشعب، من هذا البلد، قائد بحجم الشهيد السيد حسن نصر الله.
ما الأثر الذي خلفه على الحزب؟
إذا قلت لك إنه لم يترك أثراً، أكون غير واقعي. نفس حضور السيد وما يوحي به من ثقة وأمل يلهم الكثير من الناس، أجيالاً يلهمها، حتى الأطفال كانوا يتعلقون بالسيد حباً وأملاً وثقة ومصداقية.
لكن أيضاً، دعيني أقول إن مسيرة حزب الله، والشهيد السيد كان حريصاً على تأكيد هذا المفهوم وهذه التربية وهذه الثقافة. ليس هناك محورية لشخص بدوافع ذاتية، بل المحورية للشخص بقدر تجسيده لقضية، لفكر، لمبدأ، لمشروع. طالما القضية والفكر والمبدأ والنهج والمشروع حاضرة، طالما غرس سماحة السيد هذا الكم من الوعي، الذي شواهده أننا نرى هذه العوائل التي تقدم الشهيد تلو الشهيد، ولا تتراجع. هذا بحد ذاته يعطي الدليل أن الغياب هو غياب لشخص لا يُعوض، لكن ما حمله السيد من قضية ومن نهج قائم ومستمر.
هو القائد الذي برز، ولكن ليس وحده. مؤسسياً، هي مؤسسة حزب الله، وليست مؤسسة قائمة بالمعنى الحزبي والتنظيمي العادي المتعارف عليه، حيث إن الناس تختلف وتتنافس على من يشغل هذا الموقع وهذه المسؤولية. التنافس في حزب الله هو على التضحية، على العطاء، لا على الوجاهة ولا على تقلّد المواقع أو المناصب أو إحراز المكاسب الحزبية.
لذلك، بقدر ما يفتقد حزب الله هذه القامات التي يندر أن يأتي بمثلها في فترة زمنية قصيرة، بقدر ما حزب الله، بما يرمز إليه من انتماء لقضية حمل لواءها السيد، يستطيع واستطاع أن يملأ بسرعة كل المستويات القيادية والجهادية والتنظيمية والسياسية. واليوم سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم لا يتبوأ موقعاً طارئاً على هذا الموقع، بل هو مواكب لهذه المسيرة من بدايتها، وهو رفيق درب وأخ للشهيد السيد حسن نصر الله من البدايات، وهو من سواعده التي كانت جزءاً من الفريق المعاون في الإدارة وفي القيادة أيضاً.
وبالتالي، حزب الله، مع كل ما ذكرت، يمضي، والدليل أنه تجاوز كثيراً من المحطات. وهذا الالتفاف الشعبي ومتابعة الأمور في كل المجالات التي كان يتابعها الشهيد السيد حسن نصر الله، دليل على أن حزب الله مضى وتجاوز هذه الأزمة، هذا الجرح. والمستقبل والأيام القادمة سيكون فيها لحزب الله هذا الحضور وهذا التأثير.
حزب الله في مخاض عسير بعد رحيل السيد؟
القول إن حزب الله في مخاض عسير بعد رحيل قيادته، وأن هناك خلافات سياسية وتعيينات جديدة وحساسيات داخلية، توصيف قد يكون مقصوداً للبلبلة أو اجتهاداً يشبه تجارب أحزاب أخرى. من يريد أن يفهم حزب الله وبنيته وعمله، عليه أن يخرج من القوالب التقليدية. حزب الله ليس قائماً على المصالح والحسابات وتقاسم المواقع. لا ثقافة حزب الله هكذا، ولا رسالته، ولا مشروعه، ولا نهجه، ولا بنيته.
اليوم حزب الله أكثر تماسكاً من أي وقت مضى. والعمل الجهادي جزء من هوية كل من ينتمي إلى حزب الله، لكن تتوزع المهام: من يعمل في العمل السياسي، أو الثقافي، أو التنظيمي، أو في المقاومة. لكن الكل في إطار حزب الله وعمله الجهادي، وفي ظل مفهوم الولاية والالتزام بالقيادة.
وهذا الالتزام ليس تنظيمياً فقط، بل هو جزء من الالتزام الشرعي والديني للإنسان المؤمن بالعقيدة الإسلامية والرسالة الإسلامية. لذلك، هذان الأمران: الحرص على النظام والحرص على الالتزام الديني، والارتباط بالله سبحانه وتعالى، يجعلان من حزب الله أبعد بكثير عن هذه التوصيفات والتحليلات.
لكن في مرحلة ما برزت وجهات نظر منتقدة من داخل الحزب ذاته؟
نعم، قد تكون هناك وجهات نظر مختلفة، وهذا أمر طبيعي، لكن في النهاية الجميع يلتزم بما يُقرَّر بحسب نظام حزب الله.
متى يقدم حزب الله روايته عن حقيقة ما واجهه خلال الحرب؟
هذا عمل قائم، وهناك جهات مختصة تتابعه بالتدقيق والتحقيق. وعندما تُنجز النتائج، تُرفع إلى القيادة لتقرر ما هو من المصلحة الإعلان عنه وما هو ليس من المصلحة. سردية حزب الله بالتفصيل، على الأقل على المستوى الداخلي، يتم العمل عليها. أما الإعلان العام فمرتبط بالقرار السياسي. والإسرائيلي نفسه لا يعلن كل شيء، وما يعلنه كثير منه تضليلي، هدفه حرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية.
أين كان مكمن الخلل في ما واجهكم؟
عدم الالتفات إلى التطور التقني الذي عمل عليه الإسرائيلي ومن خلاله أحدث اختراقات داخل البلد وأطبق معلوماتياً على الكثير من الأمور في حزب الله. الجانب البشري، بالنسبة لوجود خرق بشري، لم يثبت حتى الآن. التحقيقات قائمة، لكن واضح أن الموضوع تقني وتكنولوجي، وقد تعاون فيه مع دول، وتوفّر له الاختراق ليس داخل حزب الله فقط. لا تزال هناك ثغرات.
متى ينفد صبر حزب الله ويقول إن الوقت قد حان لوضع حد للعدوان الإسرائيلي؟
القيادة في حزب الله تتابع التطورات وتدرس وتحلّل ما يقوم به الإسرائيلي، وتشخيصها أن المصلحة تقتضي إعطاء الفرصة للمسار الدبلوماسي وللدولة. لكن ما هو مطلوب من الدولة لا يُنفَّذ بالشكل المطلوب، وتوجّه الدولة الاتهام بالتقصير إلى غيرها. حين التزم حزب الله بوقف الأعمال العدائية، التزم بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
في إدارة هذا الملف مع الإسرائيلي، شهدنا كيف تمادى بعض الأطراف في تجاهل التطورات لحسابات لا تنطلق من تقدير المصلحة اللبنانية الداخلية، ولا من فهم دقيق لقرار الخامس من آب وما يرتبط بما يقوم به الإسرائيلي. الاتفاق الموقَّع لوقف إطلاق النار ينصّ على التزامات متبادلة تجاه الجنوب، بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، بضمانة الدول الراعية وبآلية تُسمّى "الميكانيزم". حين لا تبادر الدولة إلى مطالبة رعاة الاتفاق بفرض التزام إسرائيل، تفتعل مشكلة مع المقاومة وتجعل الموضوع وكأنه شأن داخلي لا علاقة لإسرائيل به، في حين تمنحه عملياً مبرراً للاستمرار في الاعتداءات وإضفاء المشروعية عليها. وهكذا تُصبح المقاومة وكأنها السبب المباشر لاعتداءات إسرائيل. هذه من أخطر الاستنتاجات، سواء كانت مقصودة أم غير مقصودة.
الأخطر أن ما نتج عن جلسة الخامس من آب هو أن إسرائيل صارت تتذرّع بأن المشكلة مع المقاومة، فيما الدولة وافقت على هذا المنطق. لا تزال المقاومة ترى أن المصلحة تقتضي أن تبقى الدولة هي المعنية بملاحقة الخروقات الإسرائيلية. أما قرار المواجهة فهو متصل بمسار التطورات وتشخيص المصلحة، مع الحرص على إبقاء العلاقة إيجابية مع مؤسسات الدولة.
نادم حزب الله لأنه وافق على اتفاق وقف النار؟
لسنا نادمين على الموافقة على اتفاق وقف النار، لكن بعض التفاصيل كان يمكن أن تكون مختلفة.
أين أصبحت العلاقة مع رئيس الجمهورية حول حصرية السلاح؟
العلاقة استؤنفت نوعًا ما بعد إلغاء مفاعيل القرار السابق، وصارت تُدار بمنطق مختلف. أما النقاش حول حصرية السلاح، فيبدأ في إطار الاستراتيجية الدفاعية أو استراتيجية الأمن الوطني، أو تحت أي مسمّى آخر. لكنّ مجرد تغيير الاسم إلى "استراتيجية أمن وطني" لا يُلغي دور المقاومة.
متى يقبل حزب الله بحصر السلاح بالدولة؟
أولًا، يجب أن يلتزم الإسرائيلي بوقف الأعمال العدائية والانسحاب الكامل واسترداد لبنان لحقوقه. عندما يستكمل لبنان سيادته كاملة، تكون المقاومة مستعدة لبحث كيفية الاستفادة من قدراتها لدرء المخاطر المستقبلية. الإسرائيلي لا يخفي نواياه، إذ يطرح مشروع "إسرائيل الكبرى"، فيما المشروع الأميركي قائم على الإخضاع وتمكين إسرائيل من فرض إرادتها بالقوة، مع الاعتراف الأميركي بعدم تمكين الجيش اللبناني من امتلاك القدرات الكافية لمواجهة إسرائيل. نص اتفاق الطائف في أحد أبرز بنوده على مشروعية استخدام جميع الوسائل لاسترداد الأرض. كل البيانات الوزارية فسّرت هذا المبدأ على أساس أن المقاومة ليست ميليشيا. أي إخلال بهذه المعادلة هو إخلال بالاتفاق الوطني الذي أنهى الحرب وألغى الميليشيات. المقاومة واصلت عملها ومكّنت الدولة من استعادة الأرض بعد 22 عامًا من الاحتلال.
السلاح والعدوان
البعض يقول إن بقاء السلاح يبقي الوضع على ما هو عليه، وإن تسليمه قد يوقف العدوان؟
مصير البلاد لا يُرهن لتحليلات غير واقعية وأوهام. الدبلوماسية وحدها لم تستطع تحرير الأرض طوال 22 عامًا، ولولا المقاومة لما استعاد لبنان أرضه. ألا يرون ما يحدث في غزة، وما يعلنه باراك وترامب صراحة؟ وفي سوريا لم توقف إسرائيل عدوانها وتريد إقامة منطقة عازلة..
لكنها أقامت في جنوب لبنان منطقة عازلة بحكم الأمر الواقع؟
البعض يعتبر المنطقة الأمنية في الجنوب أمرًا واقعًا، لكن المقاومة لا تعترف بذلك، بل تراهن على الدبلوماسية. كل من يرضخ للابتزاز يمنح إسرائيل مشروعية للمطالبة بالمزيد. المقاومة بذلت الدماء ولن ترهن مصير البلد لأوهام من هذا النوع. وعندما تُستنفد الوسائل الدبلوماسية، سيكون لكل حادث حديث.
ملف التعويضات
بعد عام هل سيستكمل حزب الله التعويض على الجنوبيين؟
ما يستطيع حزب الله فعله فقد فعله، وما يمكن فعله لاحقًا سيفعله. لكن المطلوب من الدولة أن تبذل الجهد وتساعد. ومن المؤسف أن الموازنة لم تُراعِ هذا الموضوع بحجة ضعف الإمكانيات. الدولة ليست مجرد شرطة أو سلطة شكلية، بل هي مؤسسات تتحمّل مهامًا ومسؤوليات. التنصّل أو التقصير لا يتلاءم مع واجبات الدولة تجاه شعبها. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذا نوع من الضغط الخارجي والإقليمي على البلد لاستغلال معاناة الناس لتحقيق غايات سياسية لا تخدم مصلحة لبنان.
دعوة إلى الحوار مع السعودية
هل تلقيتم إشارات إيجابية على دعوتكم للحوار مع السعودية؟
لا نريد أن نعلّق كثيراً. حزب الله، وعلى لسان الأمين العام، أبدى استعداداً لذلك أمام تغوّل الإسرائيلي والعدوانية الإسرائيلية، والعدوان الذي حصل على قطر، واعتبر أنه يجب أن تستدرك بعض الدول، خصوصاً الدول المؤثرة، وأن تعيد النظر في حساباتها وسياساتها وأن تتعامل من دون عدائية. كما دعا إلى البحث في كيفية تعزيز القدرات التي تردع أو تمنع على الأقل، وتُعزّز المناعة داخل دولنا وداخل أمتنا. وفي النهاية، أي بلد عربي يعنينا، وأي عدوان على أي بلد عربي هو مؤذٍ لنا. وما أعلناه كان بدافع حسن النية وتصويب وإضاءة على المخاطر. نأمل أن يستفيد البعض مما قدّمه الأمين العام من شرح، وأن يكون هناك إعادة نظر بعدها.
العلاقة مع الرئيس برّي
هل صحيح أن الرئيس برّي تمايز في الموقف معكم في موضوع قضية السلاح؟
الرئيس برّي هو من الرعيل الأول المؤسس في المقاومة، وهو ركن أساسي في مسيرة المقاومة. ولا يمكن لأحد أن يتخيّل إمكانية أن يؤثر أو ينفذ من أوهام في علاقة حزب الله وحركة أمل، خصوصاً مع الرئيس برّي. فأبداً لا توجد أي إشكالية. نعم، أحياناً يحصل تبادل وجهات نظر، وهذا أمر مشروع داخل الحزب الواحد والتنظيم الواحد. لكن في الخلاصة، نحن والرئيس برّي في الموقع نفسه، وتمسّكنا بالمقاومة تمسّك لا أعتقد أن الرئيس برّي بحاجة لأحد أن يمنحه شهادة فيه. ونحن بدورنا نكنّ للرئيس برّي كل الاحترام والتقدير، ونثق بحكمته وشجاعته وحرصه على مصلحة البلد.
غادة حلاوي - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|