لاريجاني في بيروت: استعدّوا للحرب الكبرى
ليست مصادفة أن يقوم الأمين العامّ للمجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيرانيّ علي لاريجاني بزيارة للبنان، هي الثانية خلال شهر، بالتزامن مع إعلان الاقتراح الروسيّ المدعوم من الصين لتأجيل آليّة الزناد وإعادة تفعيل العقوبات الدوليّة ضدّ بلاده.
ما شهدته قاعات مجلس الأمن الدولي من إعلان وفاة اتّفاق عام 2015 النوويّ لم يكن تعبيراً فقط عن مصلحة الترويكا الأوروبيّة في الضغط على إيران ومعاقبتها على الدعم الذي قدّمته لروسيا في حربها على أوكرانيا، بل هو ترجمة لرغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإخضاع إيران وإجبارها على العودة إلى طاولة التفاوض بالشروط التي وضعها، واعتبارها نتيجة طبيعيّة للعمليّة العسكريّة التي قامت بها واشنطن ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة.
تهدف إعادة تفعيل عقوبات مجلس الأمن إلى مزيد من تضييق الخناق على إيران، وتسهّل إدراج العقوبات الأميركية المنفردة التي فُرضت بعد إعلان ترامب الانسحاب من الاتّفاق النووي عام 2018، تحت عنوان عقوبات قرارات مجلس الأمن الستّة، وتصنيف إيران دولة مارقة، خصوصاً إذا ما سعت هذه الدول إلى الضغط لإدخال تعديلات على القرار 1929 تسمح بنقل التعامل مع إيران من المادّة 41 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتّحدة، باعتبارها “قد تشكّل تهديداً للأمن والاستقرار الدوليَّين”، إلى المادّة 42 من هذا الفصل لتصبح “تهديداً”، وبالتالي توفير غطاء دوليّ لأيّ عمل عسكريّ قد يحصل لاحقاً ضمن تحالف دوليّ شامل لا يكون مقتصراً فقط على واشنطن وتل أبيب.
المواجهة المفتوحة
إذا ما كانت واشنطن قد استكملت عُدّتها السياسيّة لتكريس إيران دولة مارقة، مستفيدةً من آخر أوراق راهنت عليها طهران، للحفاظ على ما بقي من الجسد المهشّم للاتّفاق النوويّ، الذي يُعتبر آخر القنوات التي تربط بينها وبين المجتمع الدولي، فإنّ رفض طهران لأيّ حوار مباشر مع الولايات المتّحدة بالشروط التي تريدها الأخيرة يعني أنّ المواجهة المفتوحة على جميع الاحتمالات باتت هي الخيار الموضوع على طاولة الحلول، أي العودة إلى العمليّة الجراحيّة التي تهدف إلى ضرب آخر ما تملكه طهران من أرواق تسمح لها بالمقاومة ورفض الإرادة الأميركيّة. وهي عمليّة ستكون بغطاء ومشاركة دوليَّين، بخاصّة من دول الناتو والترويكا الأوروبيّة تحديداً. وقد لا تقف عند حدود الأهداف النوويّة والعسكريّة والأمنيّة والاقتصاديّة والبنى التحتيّة وحسب، بل قد تكون حاسمةً نهائيّاً في القضاء على النظام ومنظومة السلطة التي تحكم وتدير إيران، من دون الأخذ بالاعتبار إمكان أن يؤدّي ذلك إلى تفكيكها.
في المقابل، وأمام هذه المؤشّرات التي تقترب من أن تكون حقائق ستساهم في رسم المرحلة المقبلة في منطقة غرب آسيا عامّة، والشرق الأوسط خاصّة، وبعد فشل كلّ الجهود التي بذلتها دبلوماسيّاً وسياسيّاً مع عواصم الترويكا، وحتّى مباشرةً من خلال التواصل الذي حصل بين وزير الخارجيّة عبّاس عراقجي والموفد الأميركيّ ستيف ويتكوف حسب ما كشف الرئيس مسعود بزشكيان على هامش اجتماعات الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة، يبدو أنّ قيادة النظام قد وطّدت نفسها على أنّ الخيار العسكري بات خياراً وحيداً على طاولة ترامب وفريقه ومعه الترويكا الأوروبية وإسرائيل.
ترتيب الموقف العسكريّ
انطلاقاً ممّا تعيشه إيران من حالة استنفار أمنيّ وعسكريّ استعداداً للحرب التي تقترب منها، يمكن فهم الزيارة التي قام بها لاريجاني لبيروت في الأيّام الأخيرة، بعيداً عن الهدف المعلن الذي هو المشاركة في الذكرى السنويّة الأولى لاستشهاد الأمين العامّ لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله. تصبّ القراءة لهذه الزيارة في إطار مساعي طهران لإعادة ترتيب الموقف العسكري على المستوى الإقليميّ كجزء من المواجهة أو المعركة العسكريّة المتوقّعة، باعتبار أنّ الهجوم على إيران سيكون شاملاً وسيشكّل تهديداً وجوديّاً للنظام، وبالتالي لكلّ القوى والجماعات المتحالفة معه.
هكذا تفرض المرحلة على طهران إعادة ترتيب أوراقها وتهيئة الأرضيّة لدى هؤلاء الحلفاء استعداداً لهذه المعركة، التي لن تقتصر على إيران، بل ستشمل كلّ المنطقة، لأنّ نتائجها ستحدّد مستقبل الإقليم وموازين القوى ومعادلاته السياسيّة والاستراتيجيّة والجيوسياسيّة.
تستحضر زيارة لاريجاني لبيروت في هذا التوقيت زيارة مماثلة له من موقعه في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي أيضاً حينئذ قام بها في السادس من تمّوز عام 2006 للعاصمة السوريّة دمشق، يوم كانت معنيّة بما يجري في الإقليم، والمدخل الإلزاميّ إلى الساحة اللبنانيّة. وهي زيارة جاءت بعد فشل المفاوضات التي أجراها لاريجاني في بروكسل مع مسؤول العلاقات الخارجية في الاتّحاد الأوروبي الذي كان يفاوض على الملفّ النووي نيابة عن السداسيّة الدوليّة.
بين حرب تمّوز واليوم
التقى لاريجاني يومها في دمشق الأمين العامّ لـ”الحزب” حينها السيّد حسن نصرالله، وتلا اللقاء وضع خطط أعدّها “الحزب” لخطف جنود إسرائيليّين على طاولة التنفيذ، فجاءت عمليّة 12 تمّوز والتداعيات التي نتجت عنها وكرّست النفوذ الإيرانيّ في الإقليم وأسّست للمشروع الاستراتيجيّ الإيرانيّ بقيادة مسؤول قوّة القدس في حرس الثورة الجنرال قاسم سليماني، وبناء حلقة نار حول الكيان الإسرائيليّ هدفها محاصرة مشروع تل أبيب في الإقليم وتعزيز المشروع الإيراني.
إذا ما كانت حرب تمّوز قد سمحت لإيران بفرض نفسها والمحور الذي تقوده كأحد اللاعبين الأساسيّين في المعادلات الإقليمية، وأسّست لما شهده الإقليم إلى ما قبل حرب أيلول الإسرائيليّة على لبنان وسقوط النظام السوري في الثامن من كانون الأوّل 2024، وما شكّله هذا المحور من حائط صدّ أبعد عنها شبح الحرب المباشرة مع تل أبيب، إلّا أنّ المتغيّرات التي شهدتها المنطقة وتراجُع دور وقدرات الحلفاء، وضع إيران في مواجهة استحقاق الدفاع عن هذا الدور بقدراتها المباشرة، وتُرجم هذا الواقع الجديد بالهجمات التي شنّتها تل أبيب وواشنطن على العمق الاستراتيجيّ الإيرانيّ.
لذا تأتي عودة إيران لتفعيل دور وقدرات حلفائها في الإقليم انطلاقاً من بيروت استكمالاً للخطوات التي قامت بها بقيادة لاريجاني قبل نحو شهر، وهدفت إلى ترميم هذه القدرات سياسيّاً وعسكريّاً وإداريّاً واستعادة التوازن بعد ما تعرّضت له من ضربات ونكسات، وحدث كلّ ذلك استعداداً للمعركة الفاصلة التي تقترب أكثر من أيّ وقت مضى.
حسن فحص-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|