استحضار الطائف: استفاقة للإصلاح أم هروبٌ من صناديق الاقتراع؟
دول التطبيع تلاقي ترامب: تصفية المقاومة هدفاً مشتركاً
على الرغم من أن وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية الثماني التي شارك زعماؤها في اجتماع نيويورك مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن الوضع في قطاع غزة، رحّبوا بجهود ترامب لإنهاء الحرب في القطاع، ولم يتبنّوا الخطة التي طرحها على رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، إلا أن بيانهم يوفّر عملياً تغطية للخطة من جانب تلك الدول، ومن تمثّل في أمة من مليار ونصف مليار نسمة، عجزت عن إدخال عبوة مياه إلى القطاع على مدى عامين من القتل والتدمير والحصار والتجويع.
ويبدو أن ذلك الموقف الذي جاء حتى قبل معرفة ما إن كانت الخطة ستظلّ كما هي، أم سيسعى نتنياهو إلى إدخال تعديلات حتى على الصيغة السيئة التي جاءت بها، يهدف أولاً إلى وضع المقاومة الفلسطينية أمام الأمر الواقع، حيث ستبدو وحيدة إن رفضت المشروع. لكنّ الأهم هو أن هذا الموقف ينمّ عن رغبة تلك الدول في التخلّص من العبء والحرج اللذين مثّلتهما لها مذبحة غزة، وفي الوقت نفسه الحصول على «جائزة» عنوانها التخلّص من حركة «حماس» التي تهدّد بشكل أو آخر النظام الرسمي الذي تمثّله منظومة الدول المُشار إليها، وذلك من خلال إنهاء وجود الحركة العسكري والسياسي في قطاع غزة وتدمير كل سلاحها وبناها التحتية، ومن ثم هندسة القطاع سكانياً بما يمنع نشوء حالة اعتراض مسلّح على الاحتلال في المستقبل.
فالخطة تعني القضاء على المقاومة ضد إسرائيل في قطاع غزة، الذي مثّل المنطلق الأساسي للأولى منذ انسحاب الأخيرة من القطاع وتفكيك المستوطنات عام 2005، وهي تتيح للعدو التفرّغ للضفة الغربية للقضاء على أي جيوب للمقاومة هناك، والمضيّ في مشروع الضم والسعي إلى تهجير الفلسطينيين منها.
ويعني عرض الخطة مباشرة بعد اجتماع ترامب مع قادة كلّ من تركيا والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان والسعودية وقطر ومصر، على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الرئيس الأميركي نال موافقة أولئك القادة مُسبقاً عليها، على الرغم من أن وزراء خارجيتهم تركوا في بيانهم هامشاً للمناورة، مردّه إلى أنهم لا ينوبون عن الفلسطينيين في قبول المبادرة أو رفضها، وأنه لم يكن هناك تمثيل فلسطيني من أي نوع، لا في الاجتماع مع ترامب ولا في أعمال الجمعية العامة. وهو غياب ينسجم تماماً مع سياسة إسرائيل التي ترفض أن يكون للفلسطينيين أي كلمة في قضيتهم، ولا تقبل بأقل من تصفيتها تماماً.
وبهذا المعنى، فإن الخطة في حال تحوّلت إلى اتفاق، ستكون بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة خطوة على طريق تلك التصفية، خصوصاً أنها تقتضي ما يشبه المخالصة النهائية للوضع في قطاع غزة، من حيث كبح أي إمكانية للفعل الفلسطيني. وتتجلّى نية الكبح هذه، بوضوح، في البنود التي تربط إعادة الإعمار بإقامة «منطقة خالية من الإرهاب والتطرّف»، وذلك وفق مخطّطات دقيقة تحوي تعديلات على مواقع التجمّعات السكانية وأحجامها، ومحاولة دفع قادة حركات المقاومة وعناصرها إلى مغادرة القطاع عبر عرض ما تسمّيه «عفواً عاماً» عن من يتخلّون عن السلاح، وفرض التنسيق مع إسرائيل على «قوة الاستقرار الدولية المؤقّتة» التي ستتشكّل بالتعاون مع الأردن ومصر لتدريب الشرطة الفلسطينية، والإشراف على المعابر وضبط الحدود.
من الأساس، لم يكن اختيار ترامب رؤساء الدول الذين شاركوا في الاجتماع معه عبثياً، إذ جلّهم من الذين وجدوا في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فرصة لتخليصهم من حركة «حماس» لأسباب داخلية تخصّ دولهم وعلاقتها بحركات «الإخوان المسلمين» فيها، وما تمثّله الأخيرة من خطر مُفترض على أنظمة الحكم تلك. وحتى الدول التي كانت تحتفظ لنفسها بهامش حركة، مثل قطر، جرى توجيه رسالة نارية إليها من خلال الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادة حركة «حماس» فيها.
وتنص الخطة صراحة على أن هذه الدول ستضطلع بدور في مستقبل غزة، حيث ستتولى هي فعلياً إنهاء دور المقاومة السياسي، وتكون المرجعية الفعلية لهيئة الحكم التي ستتألف من تكنوقراط وتدير القطاع. أما الجانب العسكري المتعلّق بالسلاح والبنى التحتية، مثل الأنفاق، فهو متروك لإسرائيل والولايات المتحدة.
ما يمكن اعتباره سقطة في بيان الوزراء الثمانية، هو عقدهم الرهان على أن الاتفاق المحتمل في غزة، بناءً على خطة ترامب، يمكن أن يفتح الباب لمسار يفضي إلى حل الدولتين، في حين أن الخطة نفسها لم تتضمّن ما يشير إلى ذلك. لا بل إن الوعد الذي أعطاه ترامب للرؤساء الذين اجتمع بهم، بمنع نتنياهو من ضم الضفة الغربية، هو مجرد وعد شفهي يمكن التراجع عنه بالسهولة التي أُعطي بها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|