الحاضنة السنية تتسع حول سلام بعد العاصفة السياسية
شكّلت التطورات التي رافقت ما سُمّي بـ"واقعة الروشة" مناسبة لكشف حجم التوتر السياسي القائم في البلاد، لكنها في المقابل أظهرت جانبا آخر لا يقل أهمية يتمثل في الالتفاف الواسع الذي حظي به رئيس الحكومة نواف سلام داخل بيئته الطبيعية، حيث تجلت بوضوح حاضنة سنية متينة أعادت تثبيت موقعه السياسي ورسخت موقع رئاسة الحكومة كمرجعية وطنية وميزان اعتدال.
فمنذ اللحظة الأولى للحملة التي استهدفته، برزت أصوات متعددة ومتنوعة المشارب والتوجهات من قلب العاصمة ومن خارجها تؤكد على دعمها للمسار الذي ينتهجه، وترى في موقعه ضمانة لمسار الدولة وإعادة التوازن في المشهد الداخلي. وقد تراوحت هذه المواقف بين تحذيرات من محاولات تشويه وتشويش على الدور الوطني المطلوب، وبين تشديد على احترام الدستور وصلاحياته كقاعدة لا بديل عنها لإعادة بناء المؤسسات وضمان وحدة الدولة. هذا الالتفاف لم يقتصر على المستوى الرمزي أو العاطفي، بل اقترن بمواقف عملية تؤكد الثقة بخياراته، وتمنحه غطاء سياسياً وشعبياً في مواجهة أي محاولات للنيل من موقع رئاسة الحكومة أو تحجيم دوره في المعادلة الوطنية.
الحاضنة التي تجلت في سلسلة لقاءات ووفود زارت مقر رئاسة الحكومة، لم تُخفِ استغرابها من حجم الحملات التي استهدفت النهج الوطني الجامع، لكنها في المقابل شددت على أن تلك الحملات زادت من قوة التمسك بموقعه كرمز للاعتدال والقرار المسؤول، وكمَن يضع همّ الوطن فوق أي اعتبار آخر. هذا المناخ أرسى قناعة بأن المسار الإصلاحي الذي طُرح منذ البداية لا يزال يحظى بالدعم، وأن أي تشويش لن يغيّر في الصورة الكبرى التي تعكس ثقة شريحة واسعة بقدرة هذا النهج على إدارة التحديات.
وإلى جانب الرسائل السياسية، برزت مواقف مباشرة شددت على أن حماية الدولة لا يمكن أن تتم إلا عبر حصر السلاح بيد المؤسسة العسكرية، والتشبث بالاتفاقات الوطنية الكبرى كإطار ناظم للحياة السياسية. هذه المواقف ربطت بين الحدث الطارئ وبين المشروع الأشمل لبناء دولة المؤسسات، معتبرة أن الالتفاف حول موقع رئاسة الحكومة لا ينفصل عن السعي إلى تثبيت قواعد العيش المشترك، ومنع أي تجاوز قد يهدد الوحدة الوطنية أو يفتح الباب أمام فوضى سياسية وأمنية.
هذا المشهد عكس أيضاً إدراكاً جماعياً لدى شرائح واسعة بأن الحفاظ على موقع رئاسة الحكومة قوياً وصلباً هو أمر حيوي لاستقرار البلاد، وأن أي محاولات لإضعافه ستقابل بمزيد من الالتفاف والدعم. كما أعاد إبراز بيروت كعاصمة تحتضن رمزاً سياسياً جامعاً، يوازن بين الانفتاح والتمسك بالثوابت، ويجسد إرادة الاعتدال في مواجهة التطرف والتفرد.
بذلك، يمكن القول إن العاصفة السياسية التي اندلعت على خلفية واقعة الروشة تحولت إلى فرصة غير متوقعة لتعزيز شرعية رئيس الحكومة ورئاسة الحكومة داخل الحاضنة السنية، وترسيخ مكانتها في المشهد الوطني. فبدلاً من أن تؤدي الحملات إلى إضعافه، أنتجت التفافاً واسعاً من مختلف الفئات الشعبية والسياسية والدينية، جعل موقعه أكثر ثباتاً في مرحلة دقيقة، يحتاج فيها لبنان إلى خطاب جامع وإلى قيادة مؤتمنة على الدستور ومصالح الدولة العليا.
داود رمال – "اخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|