خلافات العهد: نوّاف باقٍ في السّراي
تُعقد يوم الإثنين جلسة لمجلس الوزراء في قصر بعبدا، ويتخلّلها عرض قائد الجيش العماد رودولف هيكل التقرير الشهريّ الأوّل عن تطبيق خطّة الجيش بدءاً من جنوب الليطاني. اكتملت ظروف عقد الجلسة من خلال اللقاء الذي جَمَع نائب رئيس الحكومة طارق متري مع رئيس الجمهوريّة جوزف عون، وتمّ الحديث في ذيول أحداث صخرة الروشة التي شكّلت ثاني أكبر اصطدام بين رئاستَي الجمهوريّة والحكومة بعد استحقاق تعيين حاكم مصرف لبنان.
سيستمع الوزراء في خطّة الجيش بوضوح إلى كلام عن العائق الأوّل والأهمّ الذي قد يمنع تطبيق الخطّة كاملةً في جنوب الليطاني مع نهاية العام الحالي، كما ورد حرفيّاً في متن بنودها، وهو استمرار الاحتلال الإسرائيلي والاغتيالات وقصف مواقع يقول الجيش الإسرائيليّ إنّها بنى تحتيّة عسكريّة لـ”الحزب” في سياق إعادة بناء قدراته العسكريّة.
أمّا العائق الثاني فهو حاجة الجيش إلى إمكانات عسكريّة لوجستيّة، غير متوافرة حتّى الآن، تتيح له فرض السيطرة الكاملة على بقعة جنوب الليطاني، مع العلم أنّ مصادر عسكريّة أكّدت لـ”أساس” أنّ تعزيزات عسكريّة تُرسَل تباعاً إلى الجنوب، مع رفع عدد الملتحقين بمنطقة الجنوب، لتوفير مقوّمات نجاح الخطّة، التي بدأت فعليّاً في جنوب الليطاني قبل أشهر من إقرار الخطّة في 5 أيلول. وبالتالي ما يجري هو استكمال الخطّة، وليس بدء العمل بها في جنوب الليطاني.
أضافت المصادر: “منطقة عمليّات الجيش في جنوب الليطاني هي راهناً بالعلم العسكريّ منطقة عسكريّة مقفلة، يستحيل إخراج أو إدخال أيّ سلاح إليها، أو تنفيذ عمل عسكريّ انطلاقاً منها. لكنّ استكمال العمل فيها يحتاج إلى أمرين أساسيَّين: انسحاب العدوّ الإسرائيليّ وتوافر لائحة من المتطلّبات اللوجستيّة العملانيّة”.
بتأكيد مصادر مطّلعة، ومع تقديم الجيش تقريرين إضافيَّين في شهرَي تشرين الثاني وكانون الأوّل، لن يتغيّر الواقع كثيراً. ليست إسرائيل بوارد الانسحاب التدريجيّ، بل التوسّع التدريجيّ، ووهج الخطّة الأميركية في غزّة سيطال حتماً لبنان، لا سيّما إذا عاندت “حماس” تطبيقها. وتتراكم المعطيات عن تزايد المخاوف من توسيع إسرائيل لبقعة اعتداءاتها بقاعاً وجنوباً.
لكن الملفت في جدول الأعمال الذي وزّعته الأمانة العامّة لمجلس الوزراء أمس، تصدّر “صخرة الروشة” البند الأول والثاني من الجدول، ثم يليه عرض تقرير الجيش، لجهة عرض وزير العدل الإجراءات التي اتخذتها النيابة العامّة التمييزية، وحلّ جمعية “رسالات” وسحب العلم والخيبر منها، لمخالفتها الترخيص المعطى لها في شأن التجمّع أمام صخرة الروشة. ووفق المعلومات، سيثير هذا البند اعتراض وزراء الثنائي الشيعي، وقد يُشكّل كباشاً متجدّداً داخل مجلس الوزراء.
خلاف قوّاتيّ-رئاسيّ
لن تشهد الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء إقرار تعيينات الجمارك المؤجّلة بحكم الخلاف السياسي المستمرّ عليها، خصوصاً بين رئيس الجمهورية و”القوّات اللبنانية” التي يصرّ رئيسها سمير جعجع على تعيين شربل خليل مديراً عامّاً للجمارك، وهو مقرّب جدّاً من معراب، في مقابل تمسّك الرئيس عون بسعيد لحّود.
هي من الملفّات التي تُوسّع رقعة التباعد والجفاء بين بعبدا ومعراب، لا سيّما أنّ اللقاء الوحيد، حتّى الآن، الذي جمع الرجلين في بعبدا في 24 حزيران الماضي أتى بعد الضربة الإسرائيلية لإيران، ووسط ضغط كبير كانت بدأت “القوّات اللبنانية” تمارسه على الرئاسة الأولى لفرض مسار التزام الحكومة وضع أجندة زمنيّة لتسليم سلاح “الحزب”، ووضع جانباً خيار الرئيس عون للحوار.
لكن بعد جلستَي 5 و7 آب، ثمّ جلسة 5 أيلول التي أقرّت الخطّة، لم تجد معراب داعياً للثناء على خطوات “لا تراها كافية أبداً، خصوصاً أنّ خطّة الجيش في شأن حصريّة السلاح لم تتضمّن جداول زمنية، ومهلة تنفيذها يجب أن تكون أقصر في التوقيت”.
جزم جعجع في حديث سابق إلى صحيفة “الشرق الأوسط” أنّ “خطّة الجيش غير مرتبطة بالتجاوب الإسرائيلي وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المحتلّة، وهذه نقطة خلاف أساسيّة ليس فقط مع “الحزب”، بل ومع رئاسة الجمهورية”.
برأي جعجع، اكتفت الحكومة، بإصرار من عون، بالترحيب بالخطّة. ثمّ أتت أحداث إضاءة صخرة الروشة لتعمّق نظرة معراب السلبيّة إلى العهد، ويُردّد جعجع أمام زوّاره أنّ “رئيس الجمهورية لم يكرّس فقط هيمنة “الحزب” على بقعة من بيروت، بل سَمَح بتجاوز مقام رئاسة الحكومة بالتنسيق مع “الحزب” نفسه، وهذا أداء يُعرقل قيام الدولة الفعليّة”.
أزمة مساكنة؟
الأزمة الصامتة بين الرئاسة الأولى وبين رئاسة الحكومة و”القوّات” قد تأخذ أبعاداً أكثر وضوحاً في المرحلة المقبلة.
يكفي القول إنّ الاجتماع الأمنيّ، الأوّل من نوعه منذ تشكيل الحكومة، الذي دعا إليه الرئيس سلام وزير الداخلية أحمد الحجّار والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبدالله ورئيس “شعبة المعلومات” محمود قبرصلي، فُهِم كرسالة مضادّة بمفعول رجعيّ لاجتماعات أمنيّة مماثلة، أو موسّعة، شملت وزراء الدفاع والداخليّة والعدل وقادة الأجهزة الأمنيّة، دأب الرئيس عون على عقدها في القصر الجمهوري، فيما اكتفى بالدعوة مرّة واحدة إلى انعقاد المجلس الأعلى للدفاع، الذي يحضره رئيس الحكومة، للتطرّق إلى ملفّ تسليم السلاح الفلسطيني، وذلك على الرغم من العديد من المطبّات التي شهدها الداخل اللبناني، ومنها المواجهة العسكريّة الإسرائيليّة- الإيرانيّة.
مقابل تمسّك فريق رئيس الجمهوريّة بإحصاء نَشَرته مؤسّسة “غالوب” العالميّة وأُجري بين 5 أيّار و5 حزيران، أي بعد خمسة أشهر من انطلاقة العهد، يشير إلى نسبه تأييد للرئيس عون بلغت 81% مقابل 56% للرئيس سلام، يراهن الأخير على نسبة تأييد يراها الأهمّ تتخطّى أرقام الداخل، حتّى لو زادت لمصلحته من جانب خصوم “الحزب”، بعد إضاءة صخرة الروشة.
يتّكئ الرئيس سلام على “نسبة” التأييد الأميركي والعربي له، التي ستبقيه رئيساً للحكومة بعد انتخاب مجلس نوّاب جديد، باعتراف رئيس حكومة سابق، نقلاً عن دبلوماسيّ عربي كبير. ويُردّد سلام في مجالسه الخاصّة أنّ “الأميركيّين غير راضين عن أداء رئيس الجمهوريّة”.
لذلك ستُطرح منذ الآن علامات استفهام كبرى عن مصير المساكنة الرئاسية بين “فخامته” و”الريّس”، وموقف “الحزب” من تشدّد سلام في ممارساته الحكومية، إضافة إلى استحقاق قد يُشكّل لبّ الموضوع: هل يترشّح الرئيس نبيه برّي للانتخابات النيابية، أم يطوي صفحة 34 عاماً رئيساً لمجلس النوّاب، فيفقد الثنائي الشيعي أحد جناحَيه؟ وللكلام تتمّة ونقاش في ذلك.
ملاك عقيل - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|