انتخابات برلمانية في سوريا اليوم: حضور يهودي هو الأول منذ 78 عام
من المقرر أن تشهد سوريا اليوم اجراء أول انتخابات برلمانية منذ سقوط نظام بشار الأسد، حيث سيتنافس 1578 مرشحا على 140 مقعدا، من أصل 210، على أن يقوم الرئيس بتعيين الـ70 عضوا الباقين بعد صدور النتائج ليكتمل عقد المجلس بكليته، ويبدأ مهامه بعد جلسة افتتاحية من المقدر لها أن تنعقد منتصف شهر تشرين الاول الجاري، وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أصدر، يوم 27 آب، مرسوما يقضي بإقرار «النظام الانتخابي» المؤقت لمجلس الشعب، ووفقا للمرسوم المذكور ستجرى الانتخابات وفق نظام يقوم على الانتخاب غير المباشر، عبر «هيئات ناخبة»، يتم تشكليها في كل دائرة انتخابية، التي بلغت 52 دائرة على امتداد البلاد بعد تعليق 8 دوائر في حلب والحسكة والرقة والسويداء، بقرار من اللجان القضائية المختصة، وتضم هذه الهيئات أعدادا محددة من الأعضاء، حيث سيتم انتخاب 140 عضوا عبر هذه الآلية، فيما سيتم تعيين 70 عضوا بشكل مباشر من الرئيس، وفور إعلان التوقيع على المرسوم سارع السوريون، بقواهم وتياراتهم السياسية، إلى إبرار انقسامهم الحاصل حيال كل شيء تقريبا، وفي منتصف أيلول الفائت أصدرت مجموعة من المنظمات الحقوقية والمدنية «وثيقة» انتقدت من خلالها «النظام الانتخابي» المؤقت، وقد وصفت الوثيقة ذلك النظام بأنه يعاني «خللا بنيويا عميقا يجعله بعيدا عن تحقيق الحد الأدنى من المعايير الدولية للمشاركة السياسية»، كما وجهت الوثيقة، التي وقعتها 14 منظمة حقوقية ومدنية، مجموعة من التوصيات للسلطة الانتقالية كان من أبرزها وجوب «إلغاء دور رئيس المرحلة الانتقالية في تعيين ثلث أعضاء المجلس»، ووجوب «إعادة تشكيل الهيئات الناخبة بالتشاور مع المجتمع المدني»، كما دعت الوثيقة إلى «إنشاء هيئة مستقلة فعليا عن السلطة التنفيذية للإشراف على العملية الانتخابية، مع إشراف قضائي محايد»، والانقسام نفسه حصل على مستوى الشارع الذي انقسم إلى ضفتين غير متعادلتين، الأولى، وهي الأوزن، ترى أن ما يجري هو «إنجاز يسجل لسوريا قيادة وشعبا، وهو فتح جديد في الحياة السياسية التي كانت مغلقة على امتداد العقود الستة من حكم حزب البعث»، فيما نظرت الثانية إلى ما يجري على إنه «لا يعدو أن يكون التفافا على العملية الديموقراطية»، الأمر الذي من شأنه «تعريض الحياة السياسية المأمولة في البلاد لخطر التلاشي والتهميش الذي عاشته لعقود» وفقا لهؤلاء، إلا أن السلطة الانتقالية فضلت السير في مسارها الذي رسمته بعيدا عن الانتقادات التي حملتها «وثيقة» المنظمات الحقوقية والمدنية، وتوصياتها، ومعها انتقادات جزء لا بأس به من شارع ارتأى أن ما يجري لا يعدو أن يكون سوى استنساخ لتجارب سابقة لم تفض إلا إلى تفريغ الممارسة السياسية في البلاد من مضمونها، وما زاد في الأمر سوءا أن «اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب» كانت قد ذكرت في بيان نشرته عبر تطبيق «تيلغرام»، يوم الأحد 21 أيلول الفائت، إنه «وفقا لما أعلنته في نهاية شهر آب، فقد تم تأجيل التصويت في محافظة السويداء، وفي محافظتي الرقة والحسكة، بسبب الوضع الأمني والسياسي فيها»، ولا يعرف ما إذا كانت المقاعد المخصصة لتلك المحافظات الثلاث ستظل شاغرة، أم سيتم تعيين ممثلين عنها في المجلس الجديد، لكن النقاط الخلافية لم تقتصر على هذه الأخيرة، فقد تعددت تلك النقاط التي من بينها حصر اختيار المرشحين بلجان فرعية و «هيئات ناخبة»، تعينها اللجنة العليا للانتخابات، التي قام الرئيس بتسميتها، ما يعني عدم قدرة الشارع على اختيار ممثليه من خلال انتخابات عامة، كما أثارت شروط عضوية « الهيئة الناخبة»، الكثير من الانتقاد، فهي تستثني «داعمي النظام السابق والتنظيمات الإرهابية»، وكلا المصطلحين هو من النوع المطاط الذي قد يستخدم كـ«سيف ذي حدين»، وفقا لناشطين كثر، إضافة إلى أنها تستثني «دعاة الانفصال، والتقسيم، والاستقواء بالخارج»، ما يشير بوضوح إلى المكونين: الدرزي والكردي.
ومع ذلك لم تخلُ المناخات المحيطة بذلك الاستحقاق من بعض «الإثارة» الناجمة عن إعلان هنري يوسف حمرة عن ترشحه للانتخابات، وهو الإعلان الذي أكدته اللجنة العليا لهذه الأخيرة، والمذكور يهودي سوري، تقول سيرته الذاتية إنه مواليد حي جوبر الدمشقي مطلع الثمانينات من القرن الماضي، كان قد سافر إلى الولايات المتحدة عام 1992، ثم عاد في شهر شباط الفائت إلى دمشق، والزيارة، وفق ما تبين، لم تكن رمزية، أو هي جاءت في معرض «الحنين إلى مسقط الرأس»، بل كانت مقدمة لإعلان «نوايا سياسية»، فقد ظهر حمرة، يوم الجمعة الماضي، في حي اليهود بدمشق ووراءه العديد من لافتات الدعاية التي تبرز لـ«برنامجه» الانتخابي، الذي كان من بين بنوده: «إعادة لم شمل اليهود وعودتهم التدريجية إلى سوريا»، وقد اعتبر البعض ذلك الترشح دلالة على «بداية مرحلة جديدة في الحياة السياسية السورية»، فيما ذهب آخرون إلى اعتباره «بداية لتحولات كبرى سوف يشهدها الكيان السوري، وهي تختلف جذريا عن توجهاته على امتداد العقود الثمانية السابقة»، والجدير ذكره أن ترشح حمرة يمثل سابقة هي الأولى من نوعها منذ العام 1947، حيث كان يوسف لينادو، وهو يهودي دمشقي، آخر شخص يحمل صفة نائب بالبرلمان السوري، الذي حمله منذ أواخر العشرينات حتى هذا العام الأخير.
شكلت سوريا أول برلمان لها العام 1919، وكان في ذلك الحين تجربة فريدة في الشرق الأوسط، ثم استمرت التجربة بحال من التذبذب «المعقول» بعيد وقوع سوريا في دائرة الاستقطاب الدولي أعوام الخمسينات من القرن الماضي ، قبيل أن يحيلها «البعث» إلى حالة «صورية» ولا قيمة تشريعية لها، بعيد تربعه على سدة السلطة في دمشق، ربيع العام 1963، ولمدة تزيد على ستة عقود، والخشية، التي يتحسب لها غالبية السوريين اليوم، هي أن تستعاد تجربة «البعث»، وإن كان بلبوس، وزراكش، مختلفة.
عبد المنعم علي عيسى -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|