اتفاق غزة: ورقة تين لحماس وجائزة نوبل لترامب ولبنان على كف نتنيناهو
يمثل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والبدء بتطبيقه قريباً، لحظة فارقة في المشهد السياسي الشرق أوسطي، وإن كان محفوفاً بالتحديات والتعقيدات. يأتي هذا الاتفاق في توقيت يبدو فيه أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى لحصد مكاسب سياسية كبرى من خلال تصوير نفسه كصانع سلام في المنطقة، ولا يخفى على احد أن الرئيس الأميركي يتطلع بشغف إلى جائزة نوبل للسلام، وهو الحلم الذي طالما راوده منذ ولايته الأولى. المفارقة أن هذا الاتفاق يمنحه فرصة ذهبية لتحقيق هذا الطموح، حيث يستطيع أن يقدم نفسه للعالم كالرئيس الذي نجح حيث فشل الآخرون في إنهاء واحدة من أكثر الصراعات دموية في العقود الأخيرة. هذا التوقيت ليس عبثياً، فترامب يدرك جيدًا أن نجاحاً دبلوماسياً من هذا الحجم، سيعزز إرثه السياسي ويمنحه ورقة رابحة في مواجهة منتقديه داخليًا وخارجيًا.
ولكن هذا الاتفاق بذاته، فتح الاعين على امور لا بد من التوقف عندها، ولو بشكل سريع:
-تكشف ديناميكيات التوصل إلى الاتفاق، عن تناقض كبير في الخطاب الأميركي. فبينما صرح المبعوث الرئاسي توماس براك في بيروت بأن أميركا لا تمارس ضغوطًا على إسرائيل، تشير الوقائع إلى عكس ذلك تمامًا. النجاح في إقناع الحكومة الإسرائيلية بقبول اتفاق وقف إطلاق النار، رغم معارضة قطاعات واسعة داخل الائتلاف الحاكم، يؤكد أن واشنطن تملك أدوات ضغط فعالة عندما تقرر استخدامها، ناهيك عن اجبار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو (الذي تبجح بقصف قطر وهدد باعادة الكرّة مرة اخرى اذا اقتضى الامر او استهداف اي دولة اخرى)، التواصل مع رئيس الوزراء القطري وتقديم اعتذار علني له.
هذا الوضع الاستنسابي يكشف حقيقة العلاقة الأميركية–الإسرائيلية، فعندما تتطابق المصالح الأميركية مع الإرادة السياسية، تستطيع واشنطن فرض رؤيتها على تل أبيب. اما الإنكار العلني للضغوط، فلا يعدو محاولة للحفاظ على ماء الوجه وعدم إحراج الحليف الإسرائيلي أمام جمهوره الداخلي.
-يواجه نتنياهو أزمة وجودية سياسية. الاتفاق يضعه في مواجهة مباشرة مع حلفائه في اليمين المتطرف الذين يهددون بإسقاط حكومته، خصوصاً وان الاهداف المعلنة منذ عملية "طوفان الاقصى" لم تتحقق بأكملها. وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، يعتبرون أي وقف لإطلاق النار بمثابة استسلام أمام حماس. في الوقت ذاته، يواجه نتنياهو ضغوطًا شعبية متزايدة من عائلات الأسرى ومن قطاعات واسعة تطالب بإنهاء الحرب. كل هذه المعطيات تضع مستقبل نتنياهو السياسي على الحافة، وهو بالتالي معلق بخيط رفيع، فسقوط حكومته قد يعجل بإجراء انتخابات مبكرة قد لا يخرج منها منتصرًا، خاصة مع ملاحقته قضائيًا بتهم فساد.
-بالنسبة الى لبنان وحزب الله، يطرح اتفاق غزة تساؤلات مصيرية. هل يجب على الحزب أن يحذو حذو حماس؟ الإجابة معقدة. السياق اللبناني يختلف جوهريًا عن الوضع الفلسطيني، والحزب يواجه تحديات داخلية واقتصادية خانقة. لكن الدرس الأساسي واضح: الصمود له ثمن باهظ، والمعادلات الإقليمية تتغير بسرعة. على لبنان أن يدرك أن انتهاء الأزمة في غزة قد يعني تحول الأنظار نحو الساحة اللبنانية، ما يستدعي حكمة سياسية وحسابات دقيقة لتجنب انزلاق البلاد نحو أزمة جديدة لا طاقة لها بها. اضافة الى ذلك، لم يعد امام نتنياهو سوى المساحة اللبنانية لانقاذ نفسه، ما يزيد من الضغط على حزب الله، فعدم تسليم السلاح وانهاء الوضع سيعزز حظوظ نتنياهو في البقاء في السلطة اضافة الى اطلاق يده في القصف والتدمير، ويؤخر ملاحقته امام القضاء الاسرائيلي.
في نهاية المطاف، يبقى اتفاق غزة مجرد هدنة موقتة في صراع ممتد، وليس حلًا جذريًا لقضية عمرها عقود. ترامب قد يحصل على جائزته، ونتنياهو قد ينجو سياسيًا لبعض الوقت، لكن الشعوب في المنطقة تدرك جيدًا أن السلام الحقيقي لا يصنع بصفقات سياسية عابرة، بل بمعالجة جذور الظلم والاحتلال. والسؤال الأهم: هل سيصمد هذا الاتفاق أمام أول اختبار حقيقي؟ التاريخ علّمنا أن الإجابة غالبًا ما تكون مخيبة للآمال.
طوني خوري-النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|