فضل شاكر وحسن فضل الله!
احتلّ نبأ تسليم الفنان فضل شاكر نفسه إلى الجيش اللبناني، بعدما أمضى أكثر من عقدٍ متواريًا داخلَ مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، صدارة الاهتمام في لبنان وخارجه. وفي موازاته وفي توقيت واحد، بقي موقف مثير للجدل أعلنه النائب في كتلة “حزب الله” حسن فضل الله من مسألة قانونية تتصل بأحداث الروشة الأخيرة بعيدًا عن الاهتمام.
تنطوي هذه المفارقة بين نبأ الفنان شاكر وموقف النائب فضل الله، على التحوّل الجاري في لبنان هذا العام الذي شهد في مستهلّه انتخاب قائد الجيش السابق العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية. وعندما نشير إلى وصول الأخير إلى قصر بعبدا، فذلك من أجل لفت الانتباه إلى الصلة بين رئيس الجمهورية وملفَّيْن على صلة بكلٍّ من شاكر وفضل الله مباشرة.
يتضمّن الملف الأول، كما أورد موقع “بي.بي.سي” في 28 أيلول 2017، ارتباط الفنان شاكر بملف قضائي عندما قضت المحكمة العسكرية في ذلك الوقت بإعدام رجل الدين السلفي أحمد الأسير بعد إدانته بتهمٍ تتعلّق بالإرهاب. كما قضت بسجن المغني الشهير السابق فضل شاكر 15 سنة مع الأشغال الشاقة بتهمٍ مماثلة، وتجريده من حقوقه المدنية أيضًا.
وكان شاكر قد اعتزل الغناء وانضمّ في عام 2013 إلى صفوف جماعة إسلامية مسلّحة يرأسها الأسير.
وحوكم الأسير لدوره في الاشتباكات الدامية بين مقاتلي جماعته والجيش اللبناني، التي أسفرت عن مقتل 18 جنديًا في جنوب لبنان.
وأصدرت المحكمة أحكامًا تقضي بإعدام ثمانية متّهمين آخرين في القضية نفسها، من بينهم شقيق الأسير.
والأسير واحد من أشدّ الأصوات الطائفية في لبنان، وقدّم نفسه خلال برامج حوارية على أنّه مدافع عن حقوق السنّة في مواجهة “حزب الله”.
وأُلقي القبض على الأسير في عام 2015 في مطار بيروت أثناء محاولته مغادرة البلاد متنكّرًا وبجوازٍ مزوّر، وقُدّم إلى المحاكمة إلى جانب 38 إسلاميًا آخرين من أنصاره.
وأصدرت المحكمة أحكامًا بالسجن المؤبّد بحقّ المتهمين الثلاثين الباقين.
وكانت السلطات القضائية اللبنانية قد أصدرت أمر اعتقال بحقّ الأسير بتهمة “تشكيل عصابة مسلّحة بقصد ارتكاب أعمال إرهابية وقتل ومحاولة قتل عسكريين في الجيش اللبناني”.
واندلعت الاشتباكات مع الجنود اللبنانيين بعد أن فتح أنصار الأسير النار على نقطة أمنية عسكرية، ما أسفر عن مقتل 18 جنديًا و13 مسلحًا.
وعلى الرَّغم من أنّ القانون في لبنان يتضمّن عقوبة الإعدام، إلّا أنّها لم تُطبَّق فعليًا منذ عام 2004.
ويتضمّن الملف الثاني سلاح “حزب الله”، وهو الموضوع الأكثر دقةً في تاريخ لبنان الحالي. وسيصل هذا الملف اليوم مجدّدًا إلى طاولة مجلس الوزراء في قصر بعبدا في جلسةٍ سيترأسها الرئيس عون. وسيطّلع المجلس على التقرير الأول الذي أعدّته قيادة الجيش عن تطبيق قرار حصرية السلاح الذي أصدرته الحكومة في 5 آب الماضي، وكلفت قيادة الجيش في 5 أيلول الماضي بالشروع في التنفيذ على أساس أن تعود إلى الحكومة شهريًا للاطّلاع على ما جرى تنفيذه من هذا القرار.
أمّا عن صلة النائب فضل الله بهذا الملف، فتعود إلى أنّ الأخير هو من أقوى الأصوات حاليًا في “حزب الله” التي تدافع عن سلاح “الحزب” وعدم تسليمه على الإطلاق. وأطلّ فضل الله يوم الجمعة الماضي، في مقابلة تلفزيونية مطوّلة عبر قناة “المنار” التابعة لـ”الحزب”، ليقول: “إنّ المقاومة لا تندرج ضمن بند حصرية السلاح، بل هي عنصر دفاعي وتحريري”. وانتقد “الأصوات التي تُطالب بنزع عناصر القوة بينما إسرائيل تتربّص بهم”، واعتبر “أنّ خطاب التسلّح يجب أن يكون أقوى، وأنّ الذين يتحدّثون عن نزع السلاح يجب أن يخجلوا”.
ثم وصل فضل الله إلى ملف الروشة فقال: “أردنا تنظيم فعّالية رمزية على صخرة الروشة، لكنّ بيان رئيس الحكومة حرّك خمسين ألفًا ضدّنا، لن يربحوا بالمواجهة، فرئيس الحكومة لا يعرف توازنات البلد. نحن في المواجهة لا نُهزم، ولا يمكنكم تغيير المعادلة الداخلية، لأننا نمثل نصف البلد”.
وأضاف: “لم نلتزم مع أحد بعدم إضاءة صخرة الروشة، وليس لديهم أي مستند قانوني يمنع ذلك. فليتحركوا بالسياسة، وإن شاء الله لا يصلوا إلى حدّ سحب الترخيص من جمعية رسالات”. وهدّد قائلًا إنّه إذا صدر قرار حلّ هذه الجمعية “فليغلوه وليشربوا ميّتو”.
وأتى موقف فضل الله من موضوع جمعية رسالات في اليوم نفسه الذي قرّر خلاله وزير الداخليّة والبلديّات أحمد الحجّار حلّ جمعيّة “الجمعيّة اللبنانيّة للفنون – رسالات” وسحب العلم والخبر منها، لمخالفتها كتاب محافظ بيروت رقم 3681/ب م تاريخ 24/9/2025، ومخالفتها لنظامها الداخلي والموجبات التي التزمت بها عند طلبها العلم والخبر، إضافةً إلى مخالفتها القوانين التي ترعى الأملاك العموميّة والتعدّي عليها واستعمالها لغير الغاية المخصّصة لها، ولغايات تمسّ بالنظام العام من دون ترخيص أو موافقة مسبقة. وقد أُدرج طلب وزارة الداخليّة كبندٍ ثانٍ على طاولة مجلس الوزراء التي ستعقد جلسةً اليوم في بعبدا.
وهكذا، تحرّك في الأيام الأخيرة ملف تطبيق القانون على أحد معارضي “حزب الله” ألا وهو الفنان فضل شاكر، وعلى “الحزب” نفسه سواء في موضوع الروشة أو في حصر السلاح. والعِبرة من تحرّك الملفَّيْن أنّ العهد الجديد في لبنان شرّع أبوابًا مُغلقةً عمرها عقود، بسبب زمن الوصايات المتعدّدة التي سادت لبنان على مدى نصف قرن تقريبًا. وبدأ هذا العام زمن إنفاذ القانون مهما بدا أنّ العقبات مُستعصية أمامه، بعيدًا عن ملابسات حكمت لبنان طويلًا.
وفي موازاة هذا التطوّر في مسيرة القانون، هناك من يرغب في إضفاء السياسة على مستجدات ملفَّيْ شاكر وفضل الله.
فقد كتب الوزير السابق يوسف سلامة على منصة “إكس”: “هل التسوية التي فرضها الرئيس ترامب في غزّة بين حماس وإسرائيل وصلت ارتداداتها إلى مخيّم عين الحلوة وأمّنت استسلام الفنان فضل شاكر لمخابرات الجيش اللبناني؟ مَن قال إنّ لبنان نقطة ارتكاز المنطقة لم يُخطئ، فهل يُخطئ بعض اللبنانيين؟”.
كما كتب رئيس “لقاء سيدة الجبل” النائب السابق الدكتور فارس سعيد على منصة “إكس”: “من خلال متابعة حركة وفيق صفا وكلام النائب حسن فضل الله وخطاب الشيخ نعيم قاسم، يتكوّن بداية انشقاق في مسيرة “حزب الله”، يتنافس الجميع على زعامة ما تبقّى، لأنّ الطبيعة تكره الفراغ، فيُزايد الكلّ على الكلّ، وغابت السرديّة الموحّدة”.
تتعدّد الاجتهادات في السياسة، لكن في القانون يبقى التطبيق وحده سيّد الموقف.
أحمد عياش -”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|