هل يغرق المتن وبيروت وكسروان بالنفايات؟... هذه مطالب بلدية الجديدة!
"الحزب" يكشف سرّ قوة إسرائيل وانتصارها عليه
هز "طوفان الأقصى" وملحقه "حرب الإسناد" المشهد الإقليميّ بعنف. قلب تربة الشرق الأوسط رأسًا على عقب. أحلام وكوابيس لم تكن لتُتصوّر، لا في اليقظة ولا في الخيال، قبل صبيحة السابع ثمّ الثامن من تشرين الأول 2023. رصاصة واحدة كانت كفيلة بإعدام مفاهيم، ظن كثيرون أنها باتت من المسلّمات، وأسقطت روايات وسرديّات طالما ارتكزت عليها سلطات ومحاور، فإذا بها أوهن من بيت العنكبوت.
فالحرب التي خاضها "حزب اللّه" انقلبت وبالًا عليه، وأظهرت حدود قدرته وجدوى تهديداته، وأسقطت هالة ظلّلته بالهيبة والرهبة على مدى سنوات.
حتى اللحظة، ما زالت الأسئلة الكبرى بلا إجابات: من اتخذ قرار الإسناد؟ ما كانت الحسابات؟ هل كان "الحزب" على علم بعملية السنوار؟ لكن ما فضحته الحرب في أشهرها الأولى، أن كلّ خطابات "الممانعة" حول التخطيط البارع الذي يتقنه وادّعاء الردع الاستراتيجي وتوازن الرعب، هوت دفعة واحدة أمام الامتحان العظيم.
أسقط "الثامن من أكتوبر"، معادلة الميليشيات في مواجهة الجيوش النظامية. برهن أن مفهوم الدول أكثر ضمانة للمجتمعات والبلدان من الدويلات. الدروس والعبر التي ينبغي على "حزب اللّه" تعلّمها (انطلاقًا من اعرف عدوّك وتعلّم منه)، أن إسرائيل في هذه المواجهة، وقبل أي دعمٍ أميركي - غربي، انتصرت على المحور، لأنها دولة: تملك المؤسسات، والقرار والجهوزية.
منذ نشأتها، أرست حكم القانون والدستور (هذا لا يعني تبرئة انتهاكاتها الدولية وعدوانها بحق الفلسطينيين وغيرهم). بنت نظامًا ديمقراطيًّا حفظها من لعنة الانقلابات العسكرية وضَمنَ استقرارها الداخلي. دولة لم يعرف الفساد طريق مؤسّساتها. حكّامها وقياداتها وسياسيّوها يخضعون للمحاكمة والحساب والعقاب متى أخلّوا بمسؤولياتهم. لم تبنِ لشعبها معتقلات لزجّ المفكّرين والمعارضين منهم فيها. لم تُقم تحت شعار "إسرائيل الكبرى" أو "أرض الميعاد" نظامًا ديكتاتوريًا لترويض مواطنيها بالحديد والنار. وإذا كانت إسرائيل كيانًا مغتصبًا، غريبًا ومصطنعًا في نشأته، إلّا أنها شنت حروبها كدولة فعلية، يحكمها القانون، ويضبطها فصل السلطات.
ولأن في المقارنة عِبرة، فإن إسرائيل نجحت في تحويل شتاتها ومغتربيها وأدمغتها حول العالم، إلى قوّة ضغط ودعم خارجي، يساندانها في المحافل الدولية ويخدمان أجنداتها بفعالية. لم تحرم مواطنيها المنتشرين من حق الاقتراع. لم تؤجّل يومًا مواعيد استحقاقاتها الدستورية. في حربها ضد "حماس"، اقترع جنودها إلكترونيًا لبلدياتهم من أرض المعركة في غزة. لم تشهد رئاسة دولتها أو وزاراتها فراغًا أو شغورًا. ليس لديها رؤساء مجالس يتحايلون على القوانين الناظمة لحياتها السياسية. تُصنَف بين الاقتصاديات الكبرى في العالم. تُعدّ من الدول الرائدة في الابتكار، حيث حلّت في المرتبة 14 عالميًا والأولى إقليميًا وفق المؤشّر العالمي لعام 2025.
في التربية والتعليم، حوالى 50.12 % من مواطنيها أكملوا التعليم العالي، ما يضعها في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث نسبة الحاصلين على دراسات عليا. أمّا المفارقة الغريبة، أنها في تقرير 2025، نالت المرتبة الثامنة ضمن قائمة الدول الأكثر سعادة. في تصنيفات سابقة، تبوّأت المركز الخامس.
لهذه الأسباب كافة انتصرت إسرائيل؛ ليس فقط بفعل الإسناد العسكري واللوجستي والسياسي الهائل الذي وفرته لها الولايات المتحدة، على مدى عقود. فلو كانت دولة فاشلة، مارقة أو فاسدة، لما صمدت أمام الأزمات، ولما أمكن لأي دعم خارجي أن يعوّض انهيارها من الداخل على الأقلّ.
في المقابل، وتحت شعارات "تحرير القدس" و "مواجهة العدو الصهيوني"، أطلقت دول الطوق و "الممانعة" شياطين القمع والاستبداد ضد شعوبها. فكانت النتيجة قيام جمهوريات الخوف، حيث تحوّلت السلطة إلى جهاز أمنيّ، والمواطن إلى مشتبه فيه دائم، والدستور إلى ورقة شكلية. بدل أن تطوّر المدارس والجامعات، بنت أقبية التعذيب ومعتقلات الرأي. بدل أن تصنع التنمية، ازدهر الجوع والخراب. بدل أن تحرّر فلسطين، احتلّت أوطانها، باسم المقاومة.
في لبنان، قدّم "حزب اللّه" أعظم الخدمات لإسرائيل من حيث لا يحتسب. كل فلسٍ نُهِبَ، وكل مؤسسة انهارت، وكل سياسة عطّلت قيام الدولة، كانت بمثابة هدية مجانية لإسرائيل. كل ضربة للاقتصاد، وكل موجة تهجير للأدمغة والكفاءات، وكل تفريغ للمجتمع من عناصر النهوض، كانت تصبّ في مصلحتها.
ألم يكن لبنان، الذي امتلك رصيدًا هائلًا في العلم والتكنولوجيا والعلاقات الدولية، وجذورًا تاريخية عميقة، قادرًا على أن يكون أفضل وأقوى من إسرائيل لو لم تدمّره الانتماءات الخاطئة لصالح مشاريع قومية وأيديولوجية، بدءًا بالمدّ الناصري مرورًا بالقوى الفلسطينية والسورية، ووصولًا إلى النفوذ الإيراني؟
في الخلاصة، لم تكن "حرب الإسناد" مجرّد زلّة عابرة أو مجرّد خطأ فادح في الحسابات، بل كانت امتدادًا لمشاريع مختلفة عقائديًا، تُناصِب العداء لإسرائيل وهذا مبرّر، ولكنها تكنّ عداء أعمق وأخطر للبنان كوطنٍ مستقلّ عن أمّة أم ولاية.
طوني عطية -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|