عربي ودولي

بعد إطفاء "الكاميرات النووية".. الغرب يستعد لرسم معادلة ردع جديدة مع إيران

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بعد قرار  إيران وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خرجت المنشآت النووية الإيرانية لأول مرة منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015 من أي إشراف فني أو قانوني، ما يفتح الباب أمام مرحلة غموض نووي يصعب معها على المجتمع الدولي تقدير حجم النشاطات الإيرانية ومسار برنامجها النووي، بينما يبحث الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن أدوات مناسبة للرد على هذا التصعيد ومواجهة تحدياته.

وتشير التقديرات الغربية بوضوح إلى أن التوجه القادم لن يقتصر على التحذيرات، بل سيشهد تطبيق أدوات ضغط قصوى وإعادة توحيد الموقف الأمريكي والأوروبي لكبح البرنامج النووي الإيراني قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة، بما يضمن ضبط مسار طهران النووي وحماية الأمن والسلم الدوليين.

ويرى الخبراء أن قرار إيران وقف تعاونها مع  الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحوّل استراتيجي يضع المجتمع الدولي أمام واقع جديد عنوانه غياب الرقابة وغياب الثقة. 

ومع توقف هذه الآلية، يصبح أي تقدير استخباراتي عرضة للخطأ، ويستبدل اليقين بالتكهّن، وهو أخطر ما يمكن أن يواجهه نظام الرقابة النووي العالمي، بحسب الخبراء.

ويعتقد الخبراء أن إيران تدرك تمامًا ما يعنيه هذا الفراغ الرقابي، وتستغله سياسيًا كوسيلة ضغط على الغرب، مبينين أنه كلما اتسعت مساحة الغموض، ازدادت قدرة طهران على المناورة والمساومة، مستفيدة من الوقت لتعزيز خبرتها الفنية أو لإخفاء مواقع وأنشطة جديدة.

لا عودة للثقة 
ووصف دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى الخطوة الإيرانية الأخيرة بأنها "أخطر تجاوز للاتفاق النووي منذ توقيعه"، مؤكدًا أن تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يُشكّل تصعيدًا غير محسوب العواقب ويقوّض ما تبقّى من الثقة بين طهران والعواصم الغربية.

وأشار المصدر طالبا عدم الكشف عن اسمه، إلى أن النقاش داخل الاتحاد الأوروبي يتركز حاليًا على مستوى الحزم المطلوب في الرد على التصعيد الإيراني. 

وفي حين يميل بعض الأطراف، لا سيما باريس وبرلين، إلى إعادة التنسيق الكامل مع واشنطن وإعادة الملف إلى مجلس الأمن تحت بند "التهديد للسلم والأمن الدوليين"، يفضّل جناح آخر منح فرصة محدودة للدبلوماسية المشروطة مع تجميد فوري لأي أنشطة تخصيب إضافية داخل إيران، بحسب الدبلوماسي.

وأكد الدبلوماسي أن  أوروبا باتت تعتبر السلوك الإيراني مزيجًا من الاستعراض والمقامرة السياسية، يهدف أساسًا إلى إعادة ترتيب شروط التفاوض لا أكثر. 

وأضاف أن طهران تعتقد أن العالم منشغل بأزمات الطاقة والصراعات، وأن بإمكانها استغلال الارتباك الدولي لتوسيع هامشها النووي، موضحا أن هذا تقدير خاطئ، إذ هناك إدراك متزايد في العواصم الأوروبية بأن الصبر الدبلوماسي لم يعد سياسة فعّالة.

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يعمل حاليًا على إعداد حزمة عقوبات جديدة بالتنسيق مع واشنطن ولندن، تشمل تجميد أصول شخصيات وكيانات إيرانية مرتبطة بالمنشآت النووية، وتشديد الرقابة على تصدير المواد الحساسة والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، علاوة على مراجعة آلية الطيران المدني الإيراني خشية استخدامها لنقل مكونات محظورة.

إغلاق باب المناورة
وأوضح المصدر أن التصعيد الإيراني الحالي ينظر إليه في بروكسل على أنه مناورة سياسية تهدف إلى كسب الوقت، وهو ما ترفضه العواصم الأوروبية التي تعد أي تسويف زمنيا "فرصة لإيران لتثبيت قدرات لا يمكن التراجع عنها لاحقا". 

وأكد أن ما تقوم به إيران "لم يعد يقرأ كتصرف دفاعي أو محاولة لتحصيل مكاسب تفاوضية، بل كاستعراض عدائي يهدف لاختبار حدود ردّ الفعل الغربي".

وأضاف أن  طهران تحاول إظهار قدرتها على خرق القواعد دون دفع الثمن، لكنها "تخطئ في تقدير المزاج الأوروبي الجديد، الذي أصبح يميل إلى فرض كلفة حقيقية على أي تصعيد، حتى لو استلزم ذلك اتخاذ إجراءات غير مسبوقة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني".

وأشار المصدر إلى أن الاتحاد الأوروبي يدرس تفعيل منظومة مراقبة بديلة تعتمد على الأقمار الصناعية ووسائل الرصد السيبراني بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتعقب النشاطات المريبة في المواقع الإيرانية التي أُغلقت أمام التفتيش. 

وأضاف: "القدرات التقنية الأوروبية تتيح اليوم الحصول على مؤشرات دقيقة حول النشاط النووي، لكن يبقى الهدف الأساسي إعادة الرقابة الرسمية وليس الاكتفاء بالمراقبة عن بعد".

ولفت إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تحول الموقف الأوروبي من سياسة التحذير إلى سياسة الرد المنظّم، موضحًا أن "أوروبا لم تعد تنظر إلى البرنامج النووي الإيراني كقضية تفاوضية مؤجلة، فهو يشكل خطرًا مباشرًا على منظومة الأمن العالمي، ما يجعل العودة إلى المفاوضات في ظل هذا النهج الإيراني مشروطة بتدابير عقابية متزامنة.

سلوك تصعيدي
تعليقا على ذلك، اعتبر الكاتب في الشؤون الأوروبية، حسين رامي، خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن قرار طهران تجاوز حدود الملف النووي ليصبح اختبارًا مباشرًا لهيبة النظام الدولي، مشيرًا إلى أن إلغاء الرقابة يعني إضعاف إحدى أدوات الضبط الأساسية التي تشكّل أساس معاهدة حظر الانتشار النووي.

وأضاف: "مع استمرار هذا النهج، تخاطر إيران بتحويل نفسها إلى سابقة خطيرة، ما يُنذر بتآكل منظومة الردع العالمية التي حافظت على توازن القوة لعقود. هذا التحدي يجعل من الملف الإيراني قضية أمن جماعي لا تخص الشرق الأوسط وحده، بل تمس أيضًا مصداقية المؤسسات الدولية وقدرتها على فرض القانون".

ولفت إلى أن العواصم الأوروبية تتعامل مع التصعيد الإيراني بوصفه تهديدًا استراتيجيًا لا يمكن احتواؤه بالتحذيرات المعتادة، مضيفًا: "تشير المؤشرات الأولية داخل الاتحاد الأوروبي إلى تحوّل واضح في المزاج السياسي نحو الرد المنظّم وفرض العقوبات المركّزة. ومن غير المستبعد الانتقال من إدارة الأزمة إلى سياسة الردع، عبر ربط أي حوار مستقبلي بتدابير عقابية مسبقة تمنع طهران من كسب الوقت أو تحويل التفاوض إلى منصة للمناورة".

وأشار محلل الشؤون الأوروبية إلى أن تعليق التعاون من قبل طهران يوضح بشكل قاطع أن آخر نافذة شفافة أمام المجتمع الدولي قد أغلقت، ما يلغي قدرة الوكالة على تقييم درجة التخصيب ومواقع الأنشطة الجديدة. 

وأضاف: "هذا التطور يعيد الملف إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، أي إلى منطقة رمادية لا تُعرف فيها حدود البرنامج الإيراني بدقة، ما يفتح الباب أمام احتمالات عسكرية وسياسية متصاعدة".

اختبار الرد
من جهته، ذهب المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الدولية، جاسم أمين، في قراءته إلى أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تواجه مأزقًا حقيقيًا في التعامل مع التصعيد الإيراني. 

وقال أمين لـ"إرم نيوز" إن العودة إلى اتفاق 2015 لم تعد خيارًا مطروحًا بعد أن أفرغته طهران من مضمونه، فيما لا يملك الغرب حتى الآن صيغة بديلة لضبط السلوك الإيراني دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، أما الخيار العسكري، فيظل احتمالًا بعيدًا، رغم استمرار إسرائيل في التلويح به كورقة ضغط للحفاظ على الملف ضمن دائرة التهديد المستمر، وفقًا لأمين.
ورأى أمين أن التقديرات الغربية تتجه نحو صياغة مقاربة جديدة لإدارة الأزمة النووية تعتمد على مزيج من الأدوات الاقتصادية والاستخباراتية والسياسية. 

وتشمل هذه المقاربة، وفق رأيه، توسيع العقوبات لتطال مؤسسات البحث والتطوير المرتبطة بالتخصيب، وتفعيل منظومة مراقبة تقنية لتعويض غياب المفتشين الدوليين، بالإضافة إلى بحث مسار تفاوضي مشروط يربط أي حوافز اقتصادية مستقبلية بعودة إيران الكاملة إلى الالتزام بالرقابة الدولية وإتاحة الوصول للمواقع النووية.

وأوضح أمين أن أي سياسة لا ترفق بإطار سياسي واضح ستظل ناقصة التأثير، مشيرًا إلى أن النقاش داخل الاتحاد الأوروبي وواشنطن يتزايد حول ضرورة تحميل النظام الإيراني مسؤولية مباشرة عن تقويض منظومة التفتيش الدولية، وإعادة الملف إلى مجلس الأمن بوصفه قضية تمس الأمن والسلم الدوليين، وليس مجرد خلاف فني حول التخصيب أو التقارير الدورية.
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا