"مجلس أعلى" على لبنان وحكامه ودستوره: متى مراجعة الاتفاقيات؟
تتسارع الأحداث في المنطقة منذ سقوط نظام الأسد وبدء مرحلة جديدة في سوريا. ولا يبتعد لبنان عن تلك الأحداث، إذ تطاله تأثيراتها بشكل مباشر. وقد شكَّلَ هروب بشار الأسد مدخلاً إلى مراجعة العلاقة وإعادة النظر في الاتفاقيات الموقَّعة بين البلدين. ومع أنّ الهيئات الاقتصادية في لبنان، طالبت بعد نحو أسبوع من سقوط الأسد، بإعادة النظر في معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق، إلاّ أنّ القرار اللبناني تأخّر كثيراً، وسبقه قرار سوري يطاول أحد أهم ركائز المعاهدة، وهو عمل المجلس الأعلى اللبناني- السوري. فهل تتأثّر الاتفاقات الاقتصادية بين البلدين؟
تعليق عمل المجلس الأعلى
تحت مظلّة معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق الموقَّعة في 22 أيار 1991، تشكّلَ المجلس الأعلى اللبناني السوري. ولأنّ المادة 2 من المعاهدة، تنصّ على أنّ الدولتين تعملان على "تحقيق التعاون والتنسيق بين البلدين في المجالات الاقتصادية الزراعية والصناعية والتجارية والنقل والمواصلات والجمارك واقامة المشاريع المشتركة وتنسيق خطط التنمية"، كان لا بدّ من إيجاد أجهزة تكون بمثابة الذراع العملية لتحقيق أهداف المعاهدة، فنصّت المادة 6 على تشكيل المجلس الأعلى. ومن مهام المجلس، وضع "السياسة العامة للتنسيق والتعاون بين الدولتين في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها، وهو يشرف على تنفيذها".
ولأنّ المعاهدة وغيرها من الأطر، شكّلت سبلاً إلى تجاوز الطرق الدبلوماسية في التعامل بين أيّ بلدين، أبلغت السفارة السورية في لبنان، وزارة الخارجيّة اللبنانيّة، قرارها تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني- السوري وحصر أنواع المراسلات كافّة بين البلدين بالطرق الرسميّة الدبلوماسية.
مخالفة الدستور اللبناني
المجلس الأعلى الذي تشكّل بموجب معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق، يخالف الدستور اللبناني. ويشرح النائب السابق والمحامي غسان مخيبر، أنّ "المعاهدة جعلت من المجلس الأعلى هيئة تقريرية في عدد كبير من المواضيع الهامّة والخطيرة". وقال في حديث إلى "المدن"، إنّ "الجانب السوري حسناً فعل بتعليق عمل المجلس. وهذا القرار كان يجب أن يُطرح من الجانب اللبناني أيضاً، ليكون عملاً مشتركاً". وأكّد مخيبر أنّ تعليق عمل المجلس "لا يؤثّر على الاتفاقيات بين البلدين، لأنّ كلّ واحدة منها قائمة بذاتها".
وذكّر مخيبر بأنّ المطالبة بإعادة النظر في المعاهدة ومهام المجلس الأعلى ينطلق من مخالفة الدستور، وهو ما أوضحه في 2 شباط 2010، من خلال مطالعة أرسلها إلى رئيس الجمهورية حينذاك، ميشال سليمان، وجاء فيها أنّه "يجب إلغاء الأجهزة الدائمة المشكَّلة بموجب المادة السادسة من المعاهدة لمخالفتها الدستور اللبناني. فالمعاهدة جعلت من المجلس الأعلى هيئة تقريرية في عدد كبير من المواضيع الهامّة والخطيرة، ما يضعها في إطار هو أشبه بالنظام الكونفيديرالي، إذ جعلت الفقرة 1- د من المادة السادسة، قرارات المجلس الأعلى إلزامية ونافذة المفعول في إطار النظم الدستورية في كل من البلدين، وليس في لبنان مثل هذه الحالات. بالإضافة إلى أنّ أعضاء المجلس الأعلى اللبنانيين لا صفة تقريرية لهم في النظام الدستوري اللبناني بشأن تنظيم العلاقات الدولية، لا منفردين ولا مجتمعين، باستثناء رئيس الجمهورية الذي يتمتّع وحده بصلاحية المفاوَضة في عقد المعاهدات الدولية (المادة 52 من الدستور)، فكيف لهؤلاء الأعضاء أن يُمنَحوا مثل هذه الصلاحيات في المعاهدة؟". كما رأى مخيبر أنّ "تبادل التمثيل الديبلوماسي بات يحتّم على كلّ من لبنان وسوريا مراجعة المعاهدة وتعديلها من أجل تفعيل عمل السفارتين وإدخالهما بشكل عملي في منظومة تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين".
انعكاسات اقتصادية
الأصوات اللبنانية المطالبة بإعادة النظر في الاتفاقيات بين البلدين رافقت سقوط الأسد. فبعد ذلك بنحو أسبوع، اقترحت الهيئات الاقتصادية "مراجعة كافة الاتفاقيات والاتفاقات الثنائية المنبثقة عنها، بما في ذلك البروتوكولات والمذكرات والبرامج والعقود الموقعة بين البلدين، وذلك بما يحقق مصلحة لبنان بشكل متوازن وسليم على كافة الأصعدة لا سيما الاقتصادية والتجارية".
ومع اتخاذ الجانب السوري قراره رسمياً، اعتبر رئيس لجنة التجارة في غرفة تجارة بيروت وجبل لبنان، جاك حكيم، أنّ القرار السوري ينطلق من "إعادة تموضع ودراسة لكل الملفات". وأمل أن يكون ذلك مدخلاً لـ"إعادة النظر في الاتفاقيات التي حصلت في فترة ضعف لبنان وسيطرة النظام السوري السابق، بما يضمن احترام الدولتين". وأشار في حديث إلى "المدن" إلى أنّ تعليق عمل المجلس الأعلى "لا تأثير اقتصادياً مباشراً له على لبنان، لكنّه مؤشّر على أنّ الدولة السورية الحالية ذاهبة نحو علاقات دولية منفتحة".
بالتوازي، أكّد وزير الزراعة نزار هاني في حديث إلى "المدن" عدم وجود تأثير مباشر لتعليق عمل المجلس الأعلى، على القطاع الزراعي اللبناني، خصوصاً على صادراته إلى سوريا. لكن ذلك لا يعني أنّ العلاقة في هذا القطاع في أفضل أحوالها. فأشار هاني إلى أنّ "عملية تبادل المحاصيل الزراعية بين سوريا ولبنان لا تسير في الشكل الذي نطمح له". وبفعل المتغيّرات التي تعيشها سوريا على المستوى الداخلي، فإنّها "تصدر قرارات تحظر دخول بعض المحاصيل الزراعية إليها، وهذا له تأثير كبير على المحاصيل الزراعية اللبنانية". ومع ذلك، لفت هاني إلى أنّ "الكثير من التحسينات نعمل عليها مع سوريا. وهناك تواصل مع وزير الزراعة ومسؤولين سوريين آخرين".
فشل المجلس الأعلى
مقاربة المعاهدة وما اندرج تحتها، لم تنطلق يوماً من الجوانب الاقتصادية. فعلى أرض الواقع، ما كان يهمّ نظام الأسد هو "تشريع" سيطرته على لبنان. وكانت المعاهدة والمجلس الأعلى إحدى جوانب ذلك التشريع. وعلى مستوى تصدير المنتجات الزراعية "لم تكن العلاقة بين النظام السابق ولبنان، علاقة ودّ، في هذا المجال"، وفق ما قاله رئيس جمعيّة المزارعين، أنطوان حويّك، في حديث إلى "المدن".
وأوضح أنّ النظام السابق "لم يحترم اتفاقية التيسير العربية التي تحرّر التبادل التجاري. ومع أنّها لم تصبّ في مصلحة لبنان، إلاّ أنّها لم تُحتَرَم، إذ كان النظام يفرض دائماً عوائق ورسوماً على المنتجات اللبنانية". وأشار حويّك أنّ "لبنان يصدّر إلى سوريا، وبفترات معيّنة، 3 منتجات زراعية أساسية هي الموز والبطاطا والحامض. على أنّ الموز هو المنتج الأساسي، ويصدّر منه نحو 80 ألف طن في السنة. والنظام كان يفرض إذناً مسبقاً للتصدير، بما يخالف اتفاقية التيسير العربية، فضلاً عن رفع رسوم الترانزيت على البضائع اللبنانية، وفي كل تلك المراحل، لم يدعم المجلس الأعلى الصادرات اللبنانية". ولفت الحويّك إلى أنّ "إدخال الموز اللبناني إلى سوريا حُكِمَ بعلاقة بعض اللبنانيين مع النظام، فكان الموز لا يدخل إلاً عبر شركاء النظام، وليس استناداً إلى أي اتفاقيات. فضلاً عن التأثير السلبي للتهريب إلى سوريا على المنتجات الزراعية اللبنانية". بنظر الحويِّك "هذه ملفّات دقيقة وتحتاج إلى إدارة جيّدة، ونحن في لبنان ليس لدينا مثل هذه الإدارة".
ظروف تشكيل المجلس الأعلى وكثرة مهامه وطابعها الملزِم وتخطيه الدستور وعدم تأثيره إيجاباً على الصادرات اللبنانية، وفي ظل السطوة التي مارسها نظام الأسد على لبنان وانعكاسها السلبي على المنتجات اللبنانية، من الناحية الاقتصادية، تجعل من قرار تجميد عمل المجلس، صورة من صور تصحيح المسار بين البلدين. على أنّ تأكيد التصحيح لا يكتمل إلاّ بخطوات رسمية واضحة تتولاّها الوزارات والإدارات المعنية، كي لا تبقى هذه الخطوة منقوصة.
خضر حسان -المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|