بعد فضيحة التسجيل الصوتي.. وائل كفوري سيتخذ إجراءات قانونية ومُفاجأة بهوية من سرّبه
بعد غزة ..إلى لبنان در
إلى لبنان در! إذ يبدو أن الشرق الأوسط مستمرّ في مكانته البارزة في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية. فاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و "حماس"، الذي تمّ التوصّل إليه الأسبوع الماضي، جاء انعكاسًا لتطلّعات ترامب في أن يكون "صانع سلام وموحِدًا". في الواقع، بدلًا من تبني نهج "انعزالي" تجاه المنطقة، كما تفضله قاعدته المؤيّدة لـ "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، انغمست إدارته في خضمّ الصراعات المختلفة. ومع مرور الشرق الأوسط بـ "لحظة مفصلية"، بحسب الخبراء الأميركيين الذين يرون أن النظام القديم فيه ينهار وينشأ مكانه نظام جديد، تؤدّي إدارة ترامب دورًا حاسمًا في استقرار المنطقة ورسم معالم شرق أوسط حديث. لذا من البديهي، بحسب مصدر دبلوماسي أميركي، أن تكون لاتفاق غزة انعكاسات بالغة الأهمية على أمن لبنان وسياساته. إذ يأتي هذا الاتفاق الذي نسّقه ترامب، وأعاد من خلاله تفعيل خاصية ما عُرف في عهده الأول بـ transactional diplomacy، ليلقي بظلاله على التوترات المستمرّة بين إسرائيل و "حزب اللّه"، والمحاولات اللبنانية الهشة لتعزيز الاستقرار الداخلي.
ترحيب وقلق لبنانيان
لم تمرّ 24 ساعة على ترحيب المسؤولين اللبنانيين يتقدّمهم الرئيس جوزاف عون باتفاق "الإنهاء الشامل لحرب غزة"، واعتباره خطوة أولى إيجابية، حتى استهدفت إسرائيل الجنوب اللبناني. وهذا دلالة كبيرة وواضحة على أن لبنان، بحسب مصادر دبلوماسية أميركية، أمام قرارات مفصلية: فإمّا السلام (وهو بأشكال متعدّدة) مع إسرائيل، وإمّا استمرار عدم الاستقرار في لبنان. فالدعوات إلى ممارسة ضغط دولي على إسرائيل للالتزام بالاتفاقيات السابقة، وتحديدًا اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان المبرم في تشرين الثاني 2024 هي مرحلة زمنية قد تكون ولّت مع اتفاق غزة، وإن واشنطن تعدّ العدّة لزيادة الضغط على بيروت للالتزام بنزع سلاح "حزب اللّه" من جنوب نهر الليطاني وما بعده. في المقابل، أشارت هذه المصادر إلى أن شكوك "حزب اللّه" إزاء الأهداف الكامنة وراء اتفاق غزة هي محقة. فبنود اتفاق غزة إذا تلبننت ستؤكد رغبة أميركية واضحة وسريعة في الانتهاء من ملف نزع سلاح "حزب اللّه". ورغم تأكيد "الحزب" أن قرار الالتزام باتفاق غزة يقع في نهاية المطاف على عاتق الفصائل الفلسطينية، إلّا أن وصفه خطة ترامب بأنها "مليئة بالمخاطر" يعكس قلق "الحزب" من الضغط الأميركي الذي سيترتب على لبنان، إذ هو حذر من أي ترتيب قد يُمكّن إسرائيل إقليميًا.
في هذا الإطار، لفتت مصادر البيت الأبيض إلى أن "اتفاق غزة" قد يزيد احتمال تصعيد إسرائيل في استهداف "حزب اللّه" في موقفه الرافض نزع السلاح خصوصًا أن الاتفاق غيّر التوازن الاستراتيجي في المنطقة. وأضافت المصادر أن على اتفاق غزة أن يُحفز لبنان على مواصلة جهوده لنزع الأسلحة غير الشرعية وفرض سيطرة الدولة على كامل أراضيها - وهي جهود بدأت بالفعل من خلال خطة الجيش لاحتكار الأسلحة. وقالت المصادر في تعليقها على الجدل الحاصل بين الرئاستين الثانية والثالثة حول موضوع الإعمار، إن تباطؤ لبنان في إقفال ملف نزع سلاح "حزب اللّه" سينعكس استمرارًا للعمليات الإسرائيلية ولسيطرة تل أبيب على مناطق جنوبية كانت قد احتلّتها بعد إقحام "حزب اللّه" لبنان في حرب "الإسناد"، ما ينعكس بدوره على تباطؤ وانعدام عمليات إعادة الإعمار. وأشارت هذه المصادر إلى أن ما نُقل عن قائد الجيش رودولف هيكل حول دعوته إلى تفعيل وجود الأجهزة الحكومية في الجنوب أمر جيد، ولكن أولوياته غير صحيحة أو دقيقة. إذ على الجيش والقوى الأمنية العمل على فرض هيبة الدولة ما ينعكس إيجابًا على بدء الإعمار وعودة آلاف اللبنانيين النازحين والانتعاش الاقتصادي والاستقرار في الجنوب ولبنان. وأكد المصدر أنه من المستحيل حصول ذلك إلّا بعد إتمام عملية نزع سلاح "حزب اللّه" الذي بدوره ينعكس على المسائل الحدودية ووقف النشاط العسكري الإسرائيلي.
التزام صارم بالمهل
وفي مراجعة سريعة لما نشر عن تقرير الجيش الأول، لفت مصدر عسكري أميركي إلى أن المعلومات حول التقرير ليست واضحة، ووُضعت في سياق سياسي وهو ما قد يشكّل عاملًا حاسمًا لنجاح خطة الجيش أو فشلها. وفيما ينصبّ التركيز الفوري على عمليات نزع كل أسلحة "حزب اللّه" من جنوب الليطاني، شدّد المصدر على ضرورة أن تتوسّع العمليات شمالًا، لتعزيز سيطرة الجيش ومنع انتقال الأسلحة بين المناطق.
في موازاة ذلك، أكّد المصدر الأميركي اهتمام واشنطن وتل أبيب بإتمام عمليات نزع السلاح من البقاع، لا سيّما البقاع الشمالي - معقل "حزب اللّه" ومركزه اللوجستي. والسبب في ذلك يعود إلى التوافق الدولي – الإقليمي على هذه الخطوة. فهذه الخطوة تسرّع عملية بناء ثقة رمزية إقليمية لإسرائيل وسوريا والولايات المتحدة. غير أن المصدر حذر لبنان من استمرار خلق أسباب سياسية وعسكرية تخفيفية لإدارة ملف نزع سلاح "حزب اللّه"، لافتًا إلى أن التأخير والمساومات السياسية تمنح "حزب اللّه" وقتًا لإعادة تنظيم صفوفه، وهو ما لن تقبل به واشنطن التي من المرجّح أن تعمد إلى الضغط المستمرّ على الحكومة اللبنانية من جهة وغض النظر عن العمليات الإسرائيلية من جهة أخرى، للوصول إلى هدف نزع السلاح غير الشرعي ودرء خطر زعزعة الاستقرار عن لبنان.
في هذا الإطار، لفت خبراء أميركيون إلى أن إعادة النظر في أولويات خطة الجيش المرحلية تهدف إلى الحدّ من التصعيد وتمكين القوات المسلّحة اللبنانية من بناء قدراتها في كل خطوة، لكنهم حذروا من خطورة عدم الالتزام الصارم بالمهل. وأكّدوا أن اتخاذ إجراءات سريعة وموثوقة في المنطقة الجنوبية أمر بالغ الأهمية لبناء الثقة، لكنهم نبهوا من أن الفشل في المرحلة الأولى قد يُدمّر العملية برمتها. وتُعتبر المراقبة المستمرة، والمساعدة المالية واللوجستية الدولية، والتدابير الأمنية المنسقة، أمورًا أساسية في جميع الخطوات.
تغييرات عسكرية - دبلوماسية
أما إقليميًا، فمن المتوقع أن يؤثر نجاح اتفاق غزة على التعاملات الدبلوماسية مع لبنان لجهة الشروع في مفاوضات ومراقبة الاتفاقيات وتطبيقها، بالإضافة إلى النقاش الدائر حول الترتيبات الأمنية على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية. وفيما يواصل المسؤولون اللبنانيون المطالبة بمزيد من الإشراف الدولي الاستباقي والدعم الملموس لإعادة الإعمار وتلبية الاحتياجات الإنسانية في الجنوب، تتعالى الأصوات في واشنطن حول فعالية هذا الدعم وتوافقه مع المصالح الأميركية. غير أن الجميع يتوافق على أن اتفاق غزة قد ينعكس أملًا حذرًا في خفض التصعيد رغم أن استقرار لبنان في المستقبل سيعتمد على الامتثال للاتفاقيات المستقبلية، وحسابات إيران الاستراتيجية لـ "حزب اللّه"، وفعالية التدخل الدولي في جنوب لبنان.
من هنا، فإن السعي لحلّ التوترات بين إسرائيل و "حزب اللّه" بدون وجود ما أشارت إليه المصادر الأميركية بالعلاقات العسكرية - العسكرية اللبنانية الإسرائيلية (على غرار ما يحصل من مفاوضات بين الجانبين السوري والإسرائيلي) لن يستمرّ طويلًا. فلبنان سيقف عند مفترق طرق خروج قوّة اليونيفيل من مسرح الجنوب في العام 2026، وعليه بالتالي أن يستعدّ للبدائل. في هذا الإطار، لفت مصدر عسكري أميركي إلى أن واشنطن لن تلعب دور الوسيط، وأنه لن يكون أمام لبنان إلّا التفاوض in person وليس بالوكالة كما هو حاصل اليوم. وأشار المصدر إلى أن واشنطن ستضغط في هذا الاتجاه من خلال استعمال نفوذها في تمويل الجيش، إذ هي سئمت من رعاية المداولات العسكرية والعمل كساعي بريد بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي. كما أنها تشعر بالإحباط من التعطيل المستمرّ وتحوّل القوات المسلّحة اللبنانية من مؤسسات عسكرية إلى مؤسسات مسيّسة.
سياسات أميركا في الشرق الأوسط
في المحصّلة، أشار الخبراء إلى أن على لبنان التمعّن في الاستراتيجيات المستجدّة، إذ نجد أن ثلاثة قرارات حملت في طياتها أثرًا كبيرًا على المنطقة، وهي الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، ورفع العقوبات عن سوريا وتطبيع العلاقات مع حكومة دمشق الانتقالية، والدعم الواسع لسياسات حكومة نتنياهو ضد غزة و "حزب اللّه". هذه القرارات مسّت بصراعات المحور، وأثرت على مساراته الجيوستراتيجية. وبحسب الخبراء، ستلعب هذه القرارات دورًا حاسمًا في تشكيل معالم النظام الناشئ في الشرق الأوسط.
وحذر دبلوماسيون أميركيون من تضييع فرص استغلال السلام وخفض التصعيد. فقد أشارت مصادر قريبة من الخارجية الأميركية إلى أن "حزب اللّه" لا يزال يسعى إلى استغلال حالة عدم الاستقرار في لبنان. وقالت إن نهاية حرب غزة يجب أن تكون أشبه بـ "اليقظة"، وإن على لبنان الاستفادة من شخصية دونالد ترامب العنيدة وإرادته في فرض اتفاق السلام والاستعداد له. فترامب، بحسب مصادر البيت الأبيض، لن يترك ملف لبنان مفتوحًا. بل سيعمد من خلال السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى العمل على تحضير الأرضية اللبنانية لمثل اتفاق غزة. في موازاة ذلك، سيتعاون مع الدول العربية والأوروبية الرئيسية في الملف اللبناني، ومن المؤكّد أن يمارس ضغوطًا على إيران لتترك "حزب اللّه" لمصيره. ففي غزة، قرّر ترامب أن وقت السلام قد حان - وأنه لن يتسامح مع أي تباطؤ لا من الجانب الإسرائيلي ولا من جانب "حماس". واليوم، ساد الهدوء ساحة المعركة.
ويشير دبلوماسيون أميركيون إلى أن خطة ترامب للسلام أظهرت مهاراتٍ واستُخدم فيها تكتيكاتٍ بعيدة من الدبلوماسية من خلال إعادة إحياء شعار "تحقيق السلام من خلال القوة"، والانخراط في دبلوماسية هي أقرب إلى تحالف لعقد الصفقات، جمعت دولًا عربية وإسلامية إلى جانب الولايات المتحدة، ودول أوروبية، وإسرائيل، و "حماس". وهذا الأمر مكّن ترامب من الوصول إلى هدفه الذي اختصره خلال مؤتمر صحافي بأنه "تحقيق للسلام".
في مفاوضات غزة، أشار مصدر أميركي إلى أسماء المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، ومهندس الاتفاقيات الإبراهيمية جاريد كوشنر، ووزير الشؤون الاستراتيجية القطري علي الذوادي، ورئيس المخابرات المصرية حسن محمود رشاد، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر إلى جانب وفد حركة "حماس"، متسائلًا: في مفاوضات لبنان المقبلة، من هي الشخصية التي ستضطلع بالملف الاستراتيجي لعقد صفقة لا تكون على حساب لبنان كما حصل مع الفلسطينيين؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|