الصحافة

الشيباني يذكّر اللبنانيين بزمن الوصاية… وصمت رسمي وسيادي مريب

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

الجمعة الماضي لم يكن يومًا عاديًا في مطار رفيق الحريري الدولي. زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت تحوّلت إلى عرضٍ مسلّحٍ صريحٍ داخل مرفقٍ سيادي لبناني، في مشهدٍ استعاد منه اللبنانيون صورًا من زمنٍ ظنّوا أنهم دفنوه مع نهاية الوصاية السورية.

منذ لحظة هبوط الطائرة، بدا أن ما يحصل لا يمتّ إلى الأعراف الدبلوماسية بصلة. موكب ضخم دخل من معبر المصنع لمرافقة الوزير، يضمّ نحو خمس عشرة سيارة محمّلة بعناصر مدججين بالسلاح الفردي والرشاش. مرافقة حاولت تخطي الإجراءات اللبنانية التي تُطبَّق على كل الوفود الرسمية من دون استثناء، لتصطدم بجدارٍ من الحزم أقامه جهاز أمن المطار، الذي رفض السماح لهم بالدخول إلى قاعة الطيران العام قبل مطابقة الأسلحة مع الرخص والبيانات المرسلة مسبقًا إلى وزارة الخارجية اللبنانية.

الإجراء كان بسيطًا، روتينيًا، معمولًا به في كل مطارات العالم لحماية السيادة. لكن مرافقي الشيباني تعاملوا معه بفوقية واستعلاء، رافضين الانصياع له وكأنهم في أرضٍ يملكونها لا دولةٍ يزورونها. وبعد أخذٍ وردٍّ وتوترٍ دام أكثر من ربع ساعة، اضطر الوفد السوري للرضوخ والإذعان. غير أن التوتر عاد ليتفجّر عند المغادرة، حين امتنع بعض المرافقين عن تمرير حقائبهم عبر أجهزة السكانر، ورفضوا التوقيع على ورقة رفع المسؤولية التي تُطلب عادة بسبب رفضهم إخضاع الحقائب للتفتيش. عندها وقع تدافع واعتداء مباشر على أحد عناصر قوى الأمن اللبناني، قبل أن تتدخل الأجهزة الأمنية في المطار مجددًا لتطويق الموقف وإعادة فرض النظام.

غير أن ما فاقم وقع الحادثة لم يكن فقط استعراض القوة ولا الاعتداء، بل الصمت المطبق من الدولة اللبنانية. صمتٌ ثقيل يساوي في مضمونه الإقرار بالمهانة. لا بيان من الحكومة، ولا استنكار من وزارة الخارجية، ولا حتى تلميحٌ إلى أن ما حصل مرفوض شكلًا ومضمونًا. وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن كرامة الدولة يمكن أن تُختصر باتصالٍ هاتفي أو “تسوية سريعة” تحفظ ماء الوجه.

أين هم الذين ملأوا المنابر بالشعارات السيادية؟ أين الفريق السياسي الذي لا يفوّت فرصة لاتهام الآخرين بـ”الخضوع لمحور الممانعة”؟ لماذا غابت أصواتهم هذه المرة، وهم الذين يرفعون راية السيادة عند كلّ خلاف داخلي؟ أليس مطار بيروت جزءًا من تلك السيادة التي يزعمون الدفاع عنها؟ أليس الاعتداء على عنصر من قوى الأمن اللبناني إهانة لمؤسسات الدولة التي يقولون إنهم يحرسونها؟

الجواب مؤلم بقدر ما هو واضح: السيادة عند هؤلاء انتقائية، تُستحضر فقط حين تتناسب مع الحسابات السياسية، وتُدفن حين يفرض “الواقع الإقليمي” الصمت. مشهد الشيباني ومرافقيه المسلحين في المطار لم يُحرّك ساكنًا في صفوف هذا الفريق، وكأنهم يخشون أن تزعجهم الحقيقة أو تُغضب بعض “الحلفاء الظرفيين”.

وللمفارقة الموجعة، لو كان وزير خارجية اخر قد تصرّف بهذه الطريقة، لقامت القيامة ولم تقعد. ولرأينا البيانات تتوالى، والخطب تُلقى، والعناوين تتصدر نشرات الأخبار تحت شعار “انتهاك السيادة اللبنانية”. لكن بما أن الفاعل هذه المرة وفدٌ سوري، فالحياد هو سيد الموقف، والكرامة الوطنية مؤجّلة إلى إشعارٍ آخر.

ما جرى يوم الجمعة ليس حادثًا عابرًا ولا سوء تفاهم بروتوكوليًا، بل امتحان حقيقي لجدّية الدولة اللبنانية في الدفاع عن هيبتها. فالمطار ليس ساحة لاستعراض السلاح، ولا منصةً لتذكير اللبنانيين بزمنٍ مضى كانوا فيه مجبرين على الخضوع.

اللبنانيون الذين شاهدوا المشهد وسمعوا تفاصيله ينتظرون موقفًا، لا تبريرًا. ينتظرون من وزير الخارجية يوسف رجي أن يتصرّف كوزيرٍ لدولةٍ حرة، لا كموظفٍ في إدارةٍ متفرّجة. ينتظرون بيانًا رسميًا يرفض ويستنكر، لا صمتًا يُترجم تواطؤًا أو ضعفًا.

لأن الصمت في السياسة ليس دائمًا دبلوماسية… في بعض الأحيان يكون شراكة في الإهانة.

 وليد خوري - ليبانون ديبايت

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا