إقتصاد

هل تشتري الدولة الكهرباء من أصحاب المولدات الخاصة؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

هي الأزمة التاريخية التي يعيشها لبنان منذ أن دخل في صراع بين كهرباء الدولة وأصحاب المولدات، لتتفجّر الساحة اليوم، وتتحول إلى معركة شدّ حبال بين الحكومة وأصحاب المولدات.. وهكذا حصل، بدأت عمليات الدهم التي تنفذها وزارة الاقتصاد بالتعاون مع أمن الدولة، حيث تم تسيطر محاضر ضبط وتوجيه إنذارات لعدد من أصحاب المولدات المخالفين، وحسب معلومات "لبنان24"، فإنّ الأمر لن يتوقف فقط عند المداهمات، بل إن البحث داخل أروقة الإدارات المسؤولة يتلخص في رفع قيمة العقوبات أكثر، والذهاب نحو المصادرة.

اللافت في هذه الحملة أنّ القرار اتخذ بمواجهة أصحاب المولدات إلى النهاية، على قاعدة "إما غالب أو مغلوب"، وهذا ما يبرر فتح "محاضر عدلية" بحق أصحاب المولدات المخالفة، خلال عمليات التفتيش الأخيرة، حيث لم يتم الاكتفاء بالمحاضر العادية التي كانت تُسطّر بحقهم. في السياق، تؤكّد مصادر وزارة الاقتصاد لـ"لبنان24" أنّ التنسيق يتم بين 3 جهات، وهي الوزارت المعنية، القضاء، والجهة الامنية المتمثلة بأمن الدولة، وهذا ما يؤكّد أيضا أنّ التحرك لن يكون كغيره أبدًا، طالما أنّ الامر اليوم لم يعد عند المفتشين فقط، بل دخل القضاء، من باب المدعي العام المالي، على خطّ معالجة هذا العالم الواسع من المولدات، وبالتالي، لم تعد وزارة الاقتصاد لوحدها على الأرض حسب المصادر، خاصة وأنّ معالجة هذا الملف بات أكثر من ضرورة، طالما أنّ أصحاب المولدات لا شرعية قانونية لهم، أي بكلمات أخرى، لم تستطع الدولة إلى يومنا هذا تنظيم هذا القطاع، وهذا ما سيصعّب عليهم حق الاعتراض، طالما أنّ القضاء قد بات جهة اساسية في هذا الملف، حيث أن وزارة الاقتصاد، ومن خلال إشراك القضاء في عملية تنظيم المولدات، قد أزاحت عن كاهلها العبء الأكبر، رامية

الكرة في ملعب أصحاب المولدات الذين بات يتوجب عليهم اليوم التقيد بـ3 أمور أساسية: التسعيرة، تركيب العدادات، ووضع الفلاتر.
 
ولكن ماذا لو صودرت المولدات.. فما البديل؟ وهل سيستوجب على المواطن أن يعود إلى الشمعة، أو يفاقم أزمة المولدات باستخدام مولد خاص، الذي سيرفع نسبة التلوث ويخلق فوضى كهربائية لا تُحتمل؟؟ في حال قرّرت الدولة مصادرة المولدات بشكل كامل، سيكون المواطن أمام معادلة قاسية: فاتورة "العتمة" من جديد. فطالما أنّ لا كهرباء 24/24 من "مؤسسة كهرباء لبنان"، فإنّ غياب المولدات يعني ببساطة العودة إلى الظلام، أو الاعتماد على حلول فردية أكثر كلفةً وخطورةً. والنتيجة الحتمية: ارتفاع إضافي في أسعار الاشتراكات الخاصة، سواء من خلال شراء مولد منزلي صغير أو الاشتراك في شبكة "سوداء" غير خاضعة للرقابة. مصادر متابعة للملف تؤكد لـ"لبنان24" أنّ خيار المصادرة، إن تمّ، لا يمكن أن يُنفّذ قبل وضع بديل فعلي، لأنّ المولدات، مهما كانت غير شرعية قانونًا، أصبحت اليوم العمود الفقري لتغذية الكهرباء في معظم المناطق اللبنانية. وتشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 65% من التغذية اليومية مصدرها المولدات، في مقابل أقل من 35% فقط من كهرباء الدولة، ما يعني أنّ أي توقف مفاجئ سيؤدي إلى شلل في المؤسسات، والمحال التجارية.
 
البديل الوحيد الواقعي حتى الساعة هو تفعيل الإنتاج المحلي عبر المعامل الرسمية، أو فتح الباب أمام شركات خاصة مرخّص لها لتوليد الطاقة وبيعها مباشرة للمشتركين، ضمن أطر قانونية واضحة. إلا أنّ هذا الطرح ما زال يواجه عراقيل سياسية وتقنية، في ظل غياب خطة وطنية شاملة للطاقة. بكلمات أخرى، لا يمكن مصادرة المولدات قبل أن تشرق كهرباء الدولة من جديد، وإلا سيدفع اللبناني الثمن مرّتين: مرّة بفاتورة العتمة، ومرّة بغياب أي ضمانة لبديل مستدام.
وللوقوف أكثر على مستقبل الخطة التي ترسمها الدولة بشأن المولدات، تواصل "لبنان24" مع رئيس "تجمع المولدات الخاصة" عبدو سعادة، الذي أشار إلى أنّ مواجهة هذا القطاع لا يمكن أن تتم في هذا الشكل وجلّ ما نطلبه هو إعطاء أصحاب المولدات مهلة للقيام بما هو مطلوب منهم".
 
وأضاف سعادة أنّ هذا القطاع، وللأسف، نشأ نتيجة عجز الدولة عن تأمين الكهرباء للمواطنين، ليصبح اليوم القطاع الأساسي في تأمين الكهرباء..فهل يعقل أن يتم الضغط على من يؤمن الكهرباء للمواطنين بهذا الشكل؟.

وفي حين أكّد سعادة عبر "لبنان24" أنّ التجمع يمدّ يده دائما إلى الدولة للقيام بما هو خير وصالح المواطن، فقد أشار إلى أنّ أصحاب المولدات ملتزمون بشكل كامل بما نص عليه قرار الحكومة، ولكن هذا لا يعني أنّ الجميع باستطاعتهم القيام بهذه الورشة خلال الفترة المعطاة لهم، فمثلا على صعيد تركيب العدادات، اكّد سعادة أنّه من ناحية أولى هناك نقصا في كمية العدادات المطلوب تركيبها، ناهيك عن الوقت الذي يحتاجه صاحب المولد لتركيب العدادات للمواطن، بالاضافة إلى أزمة رفض بعض المواطنين تركيب العدادات، حيث أنّ هناك قسما كبيرا منهم يفضل التعامل على أساس القاطع (مقطوعة شهرية من خلال دفع مبلغ ثابت من المال)، فما الحلّ هنا، وكيف يمكن لصاحب المولد أن يركّب عدادا لا يريد المواطن تركيبه؟
 
وعلى الرغم من إبداء استعداد التجمع للتعاون الكامل مع الحكومة، تساءل سعادة:" لماذا لا تقوم الدولة بشراء الكهرباء من المولدات مباشرة وتقوم هي بتوزيعها على المواطنين، بدلا من شراء الفيول بشكل دائم، إذ إنّ المولدات تقوم بما عليها وأكثر، وهنا في هذه الحالة نستطيع تأمين ساعات أكثر للمواطن، وتكون الدولة قد استلمت القطاع بشكل كامل، بناء على اتفاق يحمي حقوق كافة الأطراف".
 
فهل هذا هو الحل؟
حتى لو اتجهت الدولة إلى شراء الكهرباء من أصحاب المولدات بدل شراء الفيول لتشغيل المعامل، فإن هذا الخيار لا يصلح إلا كحلّ انتقالي مُنضبط، لا كبديل نهائي. المولدات اليوم تؤمّن معظم التغذية الفعلية، لكن كلفة الكيلوواط/ساعة فيها أعلى، وأثرها البيئي والصحي أثقل، وتوزيعها على الأحياء غير عادل. لذلك، تحويلها إلى "مصدر أساسي" من دون إطار قانوني محكم ومدة زمنية محددة سيعني ببساطة تكريس اقتصاد كهربائي موازي، يبتلع ما تبقّى من قدرة الأسر والمؤسسات على الصمود، ويعيد إنتاج الفوضى تحت سقف شرعي.
 
فكرة "الشراء من المولدات" تبدو جذابة لأنها تمنح استقرارًا سريعًا في ساعات التغذية وتخفف العتمة الفورية. لكنها، كي لا تتحوّل إلى فخّ دائم، تحتاج إلى ثلاثة عناصر حاسمة: أولاً، عقود قصيرة الأجل بين الدولة (أو البلديات) و"تجمّعات" مرخّص لها من المولّدين (الذين لا صفة قانونية بعد لهم اليوم)، تحدد هدف التغذية اليومي بدقة، وتربط التعرفة بمعادلة معلنة تشمل سعر المازوت والصيانة والفلاتر والقراءة الفعلية عبر العدّادات. ثانيًا، شفافية كاملة في الفوترة والجباية مع إنهاء "المقطوعة" نهائيًا، لأن أي ثغرة في القياس تعيدنا إلى تفاوتات الأحياء والزبائنية المحلّية. ثالثًا، رقابة بيئية وتقنية صارمة: فلاتر وأماكن تخزين مرخّصة للوقود، ضبط للضجيج، وخطط تخفيف أحمال واضحة تحمي الشبكة والمشتركين.

اقتصاديًا، "الشراء" يوفّر على الدولة فاتورة العتمة الاجتماعية ويمنحها وقتًا ثمينًا لإعادة تأهيل المعامل وتوسيع الربط الإقليمي، لكنه لا يخفض كلفة الطاقة على المدى الطويل. على العكس، كل شهر يبقى فيه المولد هو العمود الفقري للتغذية، تتراكم كلف غير منتجة: قطع غيار، خسائر حرارية، انبعاثات، وهوامش مخاطر يتحملها المواطن سعرًا وجودةً. لذا، لا بدّ من جدول زمني معلن لتراجع الاعتماد على المولدات بنسب متدرجة مع كل ميغاواط رسمي يعود إلى الشبكة، وإلا ستتحول "المرحلة الانتقالية" إلى إقامة دائمة.
 
سياسيًا، أي محاولة "مصادرة" بلا بدائل واقعية ستشعل مواجهة مفتوحة، وأي تسليم كامل لسلطة المولدات سيقضي على ما تبقّى من هيبة الدولة في قطاع حيوي. المطلوب ليس كسر عظم، بل "تأميم تنظيمي" مؤقّت يضع اليد على التسعير والعدّادات ومعايير السلامة من دون الاستيلاء على المعدّات، ويحوّل المشغّلين إلى شركاء متعاقدين يخضعون لدورات تلزيم وتجديد دورية تمنع الاحتكار وتكافئ الالتزام.
 
تقنيًا، النجاح يتطلب تجميعًا لامركزيًا منظّمًا: مراكز تَحكّم محلّية لإدارة الأحمال في الأقضية، حدود ربط واضحة تحمي الشبكة من الأعطال، وعدّادات ذكية تُقرأ دوريًا وتُصدر فواتير رقمية قابلة للتدقيق. هنا تلعب البلديات دور الجسر بين الدولة والمزوّدين والسكان: مراقبة تطبيق العقود، تسوية الاعتراضات بسرعة، وقياس الأداء شهريًا.
بيئيًا وصحيًا، لا يمكن القبول بـ"استقرار ساعات" على حساب هواء سامّ وضجيج مزمن. الفلاتر، ونقاط التعبئة المرخّص لها، وجدولة الصيانة ونشرها علنًا، ليست كماليات بل ثمن الحدّ الأدنى من الأمان. وكل عقد يجب أن يتضمن "مفتاح قاطع" للعقوبة: تعليق فوري للتشغيل عند المخالفة الجسيمة وإحالة فورية إلى النيابة العامة، كي لا تتحول الرقابة إلى حبر على ورق.
 
الخلاصة، نعم، تستطيع الدولة أن تشتري كهرباء من المولدات لتتجنب العتمة وتضبط الفوضى، لكن بشرط أن تربط هذا الخيار بخارطة خروج مُلزمة، وبمؤشرات أداء منشورة، وباستثمارات متزامنة في المعامل والربط الإقليمي والطاقة الموزّعة النظيفة. المولدات يمكن أن تكون "شبكة لبنان المؤقّتة" التي تعبر بسلام من أزمةٍ إلى دولةٍ تستعيد إنتاجها المركزي… لكنها لا يجب أن تصبح قدره الدائم.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا