إصلاح القطاع المصرفي: تعديلات جوهرية من المجلس الدستوري اللبناني على القانون المثير للجدل
صدر المجلس الدستوري اللبناني في 3 تشرين الأول قرارًا قضى بإبطال عدد من المواد الواردة في قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي أقرّه البرلمان في تموز الماضي، وذلك بعد طعن تقدّم به عشرة نواب من التيار الوطني الحر. القرار جاء ليؤكد على بعض النقاط التي طُعن بها، ويُدخل في الوقت نفسه تعديلات إضافية غير واردة في نص الطعن نفسه، ما يجعله محطة مفصلية في مسار الإصلاح المالي المنتظر.
أولوية النظام العام المالي على الحق في الملكية
يُعدّ هذا البند أبرز ما تضمّنه القرار، إذ اعتبر المجلس الدستوري أن «النظام العام الاقتصادي والمالي يمكن، في ظروف استثنائية، أن يسمو على الحق في الملكية الخاصة المكرّس في المادة 15 من الدستور».
وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها القاضي الدستوري اللبناني هذا المفهوم المستمد من بعض التجارب الأوروبية عقب أزمة 2008 المالية.
وبموجب هذا الاجتهاد الجديد، يمكن للدولة الحدّ من حقوق الملكية الخاصة، بما فيها حقوق المودعين، عندما تقتضي المصلحة العامة ذلك.
ويشرح الخبير القانوني كريم ضاهر أن هذا المبدأ «يسمح بتحديد تدرّج في تحمّل الخسائر يبدأ من المساهمين مرورًا بالمودعين، عبر أدوات مالية طويلة الأجل تمتد على 15 إلى 20 سنة بقيمة أقل من الودائع الأصلية».
هذا التوجّه، بحسب ضاهر، قد يفتح الباب لاحقًا لتبرير تقييد حرية التعاقد واستبدال إدارات مصرفية أو تحديد صلاحياتها باسم المصلحة العامة.
تصويب على العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية
كما ألغى المجلس عبارة في المادة الأولى من القانون كانت تلزم الحكومة بتقديم مشروع قانون «إعادة التوازن المالي» إلى البرلمان.
واعتبر القاضي أن البرلمان لا يمكنه إلزام السلطة التنفيذية بتقديم مشاريع قوانين، لأن ذلك يشكل انتهاكًا لمبدأ فصل السلطات.
وبذلك، يصبح مجلس الوزراء حرًّا في إعداد المشروع متى يشاء، من دون إلزام قانوني من البرلمان، وإن كانت هذه التعديلات لن تغيّر كثيرًا في الممارسة العملية.
تحديد واضح لتاريخ الودائع الجديدة
أزال المجلس الدستوري الغموض المحيط بتعريف «الودائع الجديدة» من خلال اعتماد 17 تشرين الأول 2019 كتاريخ مرجعي فاصل بين الودائع القديمة والجديدة، منهياً تضارب التواريخ الوارد في النصوص السابقة (17 و30 تشرين الأول).
وبحسب الخبير ضاهر، فإن هذا التوضيح «لن يؤثر مباشرة على المودعين، لأن المصارف كانت مغلقة خلال تلك الفترة».
مبدأ المساواة بين الدائنين ثابت
كما ألغى المجلس جزءًا من المادة 16 التي كانت تمنح الهيئة العليا للمصارف صلاحية عدم تطبيق مبدأ المساواة بين الدائنين من الفئة نفسها، بحجة «تجنّب تداعيات انهيار مصرف على القطاع ككل».
وأوضح ضاهر أن هذه المادة كانت ستسمح بمعاملة مودعين من الفئة نفسها بشكل غير متكافئ، «ما يتعارض مع الدستور، وبالتالي جرى حذفها بالكامل».
حماية استقلال القضاء
وشمل القرار أيضًا إلغاء الفقرة الثانية من المادة 29، التي كانت تنص على تحويل جميع الدعاوى القضائية القائمة بين المودعين والمصارف إلى محكمة مصرفية خاصة فور تعيين المصفّي.
واعتبر المجلس أن هذا الإجراء يشكّل تدخلاً في عمل السلطة القضائية، لأن كل محكمة تنظر في قضية تملك وحدها الحق في الفصل فيها.
الطعون تستعيد مفعولها الموقِف
أخيرًا، ألغى المجلس النص الذي كان ينص على أن الطعون المقدمة ضد قرارات الهيئة العليا للمصارف لا توقف التنفيذ، ليعيد بذلك المفعول الموقِف للدعاوى القضائية.
ويرى ضاهر أن «هذا التعديل يحمل تداعيات كبيرة»، إذ يمكن أن يؤدي إلى تعطيل تنفيذ قرارات الهيئة وتأخير عملية إعادة الهيكلة، وهو ما كان صندوق النقد الدولي قد حذّر منه سابقًا.
فالصندوق يعتبر أن الطابع غير الموقِف للطعون أساسي لضمان سرعة وفاعلية تنفيذ الإصلاحات، ويرى في إلغائه خطوة قد تُعقّد المفاوضات مع لبنان وتزيد من فقدان الثقة بالإطار التنظيمي.
تداعيات القرار
يكرّس قرار المجلس الدستوري مبدأً جديدًا في القانون اللبناني يمنح «الاستقرار المالي» أولوية على بعض الحقوق الفردية، لكنه في المقابل يعيد التوازن الشكلي بين السلطات. ومع أن هذه التعديلات تبدو في ظاهرها انتصارًا للرقابة الدستورية، إلا أنها قد تبطئ عمليًا مسار الإصلاح المصرفي وتزيد من تردد المؤسسات الدولية حيال التعاون مع لبنان.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|