جنبلاط بين السيادة و"المقاومة": تغريدة تعيد رسم التوازنات السياسية
أثارت التغريدة الأخيرة للرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية، بعدما وصف إلغاء المجلس الأعلى السوري - اللبناني بأنه "خطوة متقدمة على طريق العلاقات الطبيعية بين البلدين"، مضيفاً أن "تحميل المقاومة كل تبعات العدوان هو تزوير للتاريخ وإهانة لشهداء المقاومة". وتساءل في الوقت نفسه: "متى تطالب بعض الأصوات السيادية في لبنان بالانسحاب الإسرائيلي الكامل والتزام اتفاق الهدنة؟"
هذا الموقف الذي يجمع بين الإشادة بخطوة ذات طابع سيادي والدفاع عن "مقاومة حزب الله"، عكس مجدداً الأسلوب الجنبلاطي في إدارة التوازنات الدقيقة داخل المشهد اللبناني، بين متطلبات الدولة ومقتضيات الواقعية السياسية.
فمن ناحية، يُظهر جنبلاط دعماً واضحاً لإلغاء المجلس الأعلى الذي كان أحد رموز مرحلة الوصاية السورية على لبنان. وهو بذلك يوجّه رسالة إلى الشارع "السيادي" مفادها أن علاقة بيروت بدمشق يجب أن تعود إلى طبيعتها الديبلوماسية لا الوصائية، وأن تصحيح هذه العلاقة لا يعني القطيعة بل إعادة الانتظام المؤسساتي بين بلدين تجمعهما حدود وتاريخ مشترك.
وفي المقابل، يضع جنبلاط القوى السيادية أمام مرآة أخرى، عبر دعوته إياها إلى المطالبة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة والتزام اتفاق الهدنة. وهنا تتضح النبرة النقدية حيال ما يسمّيه "الانتقائية السيادية"، أي التركيز على "حزب الله" وتجاهل الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال قائماً في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
ويرى مصدر في الحزب التقدمي الاشتراكي دفاع جنبلاط عن "حزب الله" ورفضه تحميله وحده مسؤولية العدوان الإسرائيلي، محاولة لتصويب الخطاب الوطني في لحظة تتزايد فيها أصوات التفرقة وتحميل "حزب الله" وحده تبعات التصعيد في الجنوب، مشيراً إلى أن جنبلاط يلفت إلى أن "حزب الله" سيبقى جزءاً من التاريخ الوطني اللبناني لا يمكن شطبه أو شيطنته.
توازيا، تلاحظ أوساط سيادية أن التغريدة تنطوي على خلط مقصود بين مفاهيم السيادة والمقاومة، وأن الدفاع عن المقاومة بهذا الشكل يُضعف المطالبة بحصر القرار الأمني والعسكري بيد الدولة. بينما يقرأها أنصار "حزب الله" على أنها موقف "عاقل ومتزن" يعيد التوازن إلى النقاش الداخلي ويذكّر بأن مواجهة إسرائيل ليست مسؤولية فئة واحدة.
ويأتي هذا الموقف في سياق سياسي دقيق، يتزامن مع إلغاء المجلس الأعلى السوري-اللبناني في إطار مراجعة شاملة للاتفاقات الثنائية الموروثة من حقبة الوصاية، ومع تصاعد التوتر في الجنوب نتيجة الضربات الإسرائيلية المتتالية.
بهذا المعنى، تعكس تغريدة جنبلاط محاولة لإعادة التموضع في لحظة حرجة، تجمع بين الدفاع عن استقلالية القرار اللبناني، والحرص على عدم خسارة توازن العلاقات مع "حزب الله" وسوريا في آن واحد. إنها عودة إلى المعادلة الجنبلاطية التقليدية: لا مواجهة مع أحد، ولا انخراط كاملا في أي محور.
اسكندر خشاشو - النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|