بالعمليات العسكرية لا بالانتفاضات الشعبية... هكذا بدأت حقبة شرق أوسطية جديدة...
انزلقت الحافلة ونجا التلامذة بمعجزة: النقل المدرسي بلا فرامل

نجا تلامذة إحدى المدارس الخاصة من حادثة خطرة وقعت صباح اليوم في منطقة عرمون، بعدما انزلقت الحافلة التي تقلّ تلامذة في طريقهم إلى السعديات إلى منحدر سحيق. وأفاد سائق الحافلة إنه كان يقلّ التلامذة إلى مدرسة "مودرن إنترناشونال سكول" في منطقة السعديات. لكن الحافلة فقدت فراملها عند منعطفٍ قريب من مجمّع السعيد في عرمون، قبل أن تتوقف بأعجوبة، ومن دون تسجيل أي إصابات أو أضرار تُذكر. هرع الأهالي إلى المكان واصطحبوا أبناءهم إلى المدرسة سالمين.
حادثٌ صغير مرّ بسلام، لكنه فتح فجأةً أبواب ملفٍّ أكبر بكثير: النقل المدرسي في لبنان، وما يعتريه من فوضى وتشابك بين المدارس والشركات، والسائقين والأهالي والدولة.
إشكالية اسم المدرسة والرخص
بعد بحثٍ أجرته "المدن"، تبيّن أنّ مدرسة "مودرن إنترناشونال سكول" تقع فعلياً في منطقة إيعات في البقاع، لا في السعديات، كما ورد في إفادة السائق. وهذه المفارقة الصغيرة تكشف عن ثغرة خطيرة في نظام تراخيص النقل المدرسي، كيف تُسجَّل الحافلات باسم مدارس لا تقع في نطاقها الجغرافي؟ ومن يُراقب آلية منح الرخص وتبادلها بين المؤسسات التعليمية؟
بحسب معلومات لـ"المدن" أنّ بعض المدارس، تقوم أحياناً ببيع تراخيص النقل أو "إعارتها" لمدارس أو أفراد، بهدف تسهيل تسجيل الحافلات في إدارة السير، لا سيما أن الرخص بعدد الحافلات المسموح به للمدرسة تمنح بحسب عدد الطلاب، وغالباً ما يتمّ ذلك بشكل غير رسمي.
من المسؤول عن الطريق إلى المدرسة؟
تُسلّم معظم المدارس الخاصة في لبنان مسؤولية نقل التلامذة إلى شركات خاصة. فتُريح نفسها من المستحقات، والشكاوى، ومن أعطال الباصات، ومن أي تبعات قانونية في حال وقوع حادث. أو تدير الباصات التابعة للمدرسة مباشرة أو من خلال التعاقد مع شركة. أما الأهل، فيوقّعون عقداً أو اتفاقاً مع الشركة، يرسلون أولادهم كل صباح، ويكتفون بالأمل أن يعودوا مساءً بخير.
لكن الواقع أكثر تشابكاً. في الضواحي والأطراف، لا وجود لشركات نقل متخصّصة. هناك سائق من البلدة، أو جارٌ يمتلك "فاناً"، أو قريبٌ يملك حافلة صغيرة. يجمع التلامذة من الأحياء المتفرّقة من دون رقابة أو إشراف من المدرسة، وغالباً بلا تأمين، ولا مرافقٍ يراقب الأطفال داخل الباص.
وهذا حال المدارس الصغيرة، التي تفتقر إلى الميزانيات الكافية لشراء الباصات، فتُبرم اتفاقات جانبية مع سائقين محلّيين، أو تترك للأهل مهمّة "تدبير أمورهم". وهكذا يتحوّل طريق المدرسة إلى شأنٍ خاص، يخلو من أي نظام واضح أو سلطة رقابية.
"نوعان من الباصات"
توضح لمى الطويل، مسؤولة لجان الأهل في عدد من المدارس الخاصة، لـ"المدن" أن "هناك نوعين من الباصات. الأول هو نقل داخلي، تابع للمدرسة، وتكون المدرسة مسؤولة عن رقابته. أما الثاني فهو نقل خارجي، يتولّاه سائق متعاقد مع الأهل، ولا رقابة عليه خارج حرم المدرسة".
وتضيف: "يفترض أن يكون لكل باص تأمين وسائق ومعاون، إضافةً إلى شخصٍ مسؤول عن المتابعة اليومية. لكن الباصات الخارجية غالباً لا تخضع لأي رقابة، وتقع مسؤوليتها بالكامل على عاتق الأهل".
فرامل بلا نظام
حادثة السعديات، التي مرّت بسلام، ليست إلا تذكيراً بأن الخطر قائم كل يوم. ففي بلدٍ لا تُنظَّم فيه مواصلات المدارس ضمن إطارٍ موحّد، تبدو "الفرامل" رمزاً أدقّ لحال الانهيار العام.
ليس في القانون اللبناني ما يُلزم المدارس برقابة مباشرة على الباصات المتعاقدة معها، ولا في وزارة التربية قسمٌ يُعنى بمتابعة النقل المدرسي أو مراقبته. والوزارة، في معظم الأحيان، على غير علم بما يجري فعلياً في هذا القطاع غير المنظّم، حيث تختلط مسؤوليات المدارس بالأهالي والسائقين من دون مرجعية واضحة.
ويقول المسؤول الإعلامي في وزارة التربية ألبير شمعون لـ"المدن": "الأهمّ أن التلامذة بخير، ومن المؤكّد أن إدارة المدرسة تتابع الشؤون الأخرى"، مضيفاً أنّ "هناك تعاميم تُرسل سنوياً من مصلحة التعليم الخاص إلى المدارس، تتضمّن إرشاداتٍ عامة تتعلّق بالباصات والرقابة عليها". لكن بحسب تحقيقات "المدن" تبين أن وزارة التربية لم تعرف بعد كل تفاصيل الحادثة ولا اسم المدرسة التي كانت الحافلة تقل التلامذة إليها. لا بل جرت أحاديث في أروقة الوزارة أن الحافلة تقل تلاميذاً إلى مدرسة رسمية. ولم يعرف بعد إلى أي مدرسة كان السائق يقلّ الطلاب، لا سيما أن إفادته بأنه كان ينقلهم إلى مدرسة "مودرن إنترناشونال سكول" مشكوك في صحتها.
حادثة اليوم مرّت بسلام. لكن المعضلة ما زالت قائمة. وحتى إشعارٍ آخر، سيبقى الطريق إلى المدرسة في لبنان، مثل كل طرقه الأخرى، معلّقاً على فرامل قد ترتخي في أي لحظة.
المصدر: المدن
الكاتب: نغم ربيع
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|