الصحافة

لماذا يجد لبنان نفسه عالقا في منتصف طريق نزع سلاح الحزب؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس هذا الأسبوع، والذي أنهى حربا مدمرة استمرت لعامين في غزة، عاد الاهتمام الدولي ليتجه نحو لبنان، حيث تواجه الحكومة تحديا معقدا يتمثل في نزع سلاح حزب الله وسط استمرار الغارات الإسرائيلية شبه اليومية على أراضيها.

ورحّب الرئيس اللبناني جوزيف عون باتفاق الهدنة في غزة، لكنه دعا المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لوقف هجماتها على لبنان، والانسحاب من الأراضي اللبنانية، والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر 2024، والذي كان من المفترض أن ينهي ثلاثة عشر شهرا من القتال بين إسرائيل وحزب الله.

وتجد الحكومة اللبنانية نفسها اليوم بين ضغط أميركي متزايد لنزع سلاح حزب الله، ورفض قاطع من الحزب للتخلي عن ترسانته.

وتكمن المعضلة الكبرى في كيفية تحقيق هذا الهدف من دون الانزلاق إلى صراع داخلي جديد، وفي الوقت نفسه تلبية توقعات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يريد تقدما سريعا في هذا الملف، مع تجنّب استفزاز إسرائيل إلى حد يدفعها إلى توسيع هجماتها.

وفي السادس من أكتوبر، قدم الجيش اللبناني أول تقرير شهري حول عملية نزع سلاح حزب الله، حيث يعمل على إزالة الأسلحة والبنى التحتية العسكرية في منطقة جنوب الليطاني، الخاضعة لانتشار قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل). كما تمكن الجيش من استلام أسلحة تابعة لفصائل فلسطينية مثل حركة فتح في بعض المخيمات، بينما رفضت فصائل أخرى مثل حماس والجهاد الإسلامي تسليم أسلحتها.

ورغم هذا التقدم المحدود، أكد الجيش اللبناني أنه لا يمتلك الموارد الكافية لاستكمال العملية، مشيرا إلى أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الجنوب يمنع انتشاره الكامل هناك.

وانعكست الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان منذ سبع سنوات بشدة على قدرات الجيش، مع انهيار قيمة العملة وتآكل الرواتب.

وإلى جانب مسؤولياته في الجنوب، يتحمل الجيش عبء مراقبة الحدود الطويلة والمعقدة مع سوريا، ما يزيد من الضغوط عليه.

وأما حزب الله، فيرفض تسليم سلاحه قبل أن تنسحب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة وتوقف اعتداءاتها وتطلق سراح الأسرى وتبدأ إعادة إعمار المناطق المتضررة.

وبحسب ما صرح به نعيم قاسم، الأمين العام للحزب، لا يمكن الحديث عن السلاح إلا في إطار إستراتيجية دفاع وطني شاملة، وبعد أن تزول أسباب المقاومة.

ورغم الضغوط المحلية والدولية، من الصعب تصور أن حزب الله سيتخلى طوعا عن سلاحه، إذ إن جناحه العسكري يمثل جوهر هويته وسبب وجوده. فالحزب لم ينشأ بعد اجتياح 1982 ليكون مجرد حركة اجتماعية، بل تأسس كتنظيم عسكري – ديني مدعوم من إيران هدفه مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

وبعد انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000، تحول الحزب إلى ركيزة أساسية في شبكة الردع الإقليمية الإيرانية.

وحتى بعد الضربات التي تلقاها خلال الحرب الأخيرة، لا تزال طهران تعتبره أداة إستراتيجية في مواجهة إسرائيل والغرب.

غير أن نزع سلاح الحزب لن يكون مجرد قضية سياسية أو عسكرية، بل مسألة وجودية بالنسبة له. فبدون سلاحه، سيفقد الحزب مبرر دعمه الإيراني، وبالتالي قدرته على تمويل منظومته الاجتماعية الواسعة من مدارس ومستشفيات ومؤسسات رعاية لعائلات القتلى والجرحى.

ومع تقلص هذه الإمكانات، قد ينهار جزء كبير من البنية المدنية التابعة له، ما يؤدي إلى بطالة جماعية في صفوف موظفيه المدنيين والمقاتلين المسرّحين، ويجعل الحزب هيكلا سياسيا ضعيف التأثير داخل البرلمان والحكومة.

ومازالت القاعدة الشعبية الشيعية للحزب، إلى حدّ كبير، تؤيد احتفاظه بسلاحه، خصوصا في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية ومنع سكان الجنوب من العودة إلى قراهم المدمرة.

وحتى الأصوات الشيعية العلمانية التي تنتقد الحزب عادة، أصبحت تميل إلى الدفاع عن حقه في الرد، ولو كان الثمن تجدد الحرب.

وفي مناطق البقاع الشمالي، تتزايد أيضا المخاوف من النظام السوري الجديد، الذي يتخذ مواقف معادية لحزب الله والطائفة الشيعية عموما، ما يعزز الشعور بضرورة الاحتفاظ بالسلاح كوسيلة للدفاع الذاتي.

ومن الناحية الإسرائيلية، تسير الأمور في الاتجاه المعاكس تماما. فإسرائيل تواصل تنفيذ غارات جوية شبه يومية على لبنان، في خرق واضح لاتفاق وقف النار.

وقد أودت هذه الغارات بحياة أكثر من مئة مدني لبناني، فيما تحتل القوات الإسرائيلية خمس تلال داخل الأراضي اللبنانية، تقول إنها ذات “قيمة إستراتيجية”، رغم أنها في الواقع لا تملك أهمية عسكرية تُذكر.

ويرى الباحث نيكولاس بلندفورد في تقرير نشره المجلس الأطلسي أن وجود هذه المواقع يبدو أقرب إلى رسالة سياسية مفادها أن إسرائيل لن تنسحب قريبا.

وتسببت هذه الانتهاكات في إضعاف موقف الحكومة اللبنانية أمام المجتمع الدولي، إذ تجد نفسها مطالبة بتنفيذ التزاماتها في حين تواصل إسرائيل خرق الاتفاق.

وأما واشنطن، فتواصل الضغط على بيروت لتسريع نزع سلاح حزب الله، دون أن تمارس ضغوطا مماثلة على تل أبيب للالتزام بالهدنة.

ويعزز هذا التباين في المواقف رواية الحزب بأن الحكومة عاجزة عن حماية لبنان، ويمنحه مبررا إضافيا للاحتفاظ بسلاحه.

النتيجة أن لبنان يقف أمام مأزق سياسي وأمني معقد. فالدولة لا تملك القدرة ولا المصلحة في مواجهة حزب الله عسكريا، لأن ذلك قد يؤدي إلى انهيار الجيش وإشعال حرب أهلية جديدة. وفي المقابل، استمرار جمود الوضع قد يدفع إسرائيل إلى تصعيد عملياتها العسكرية.

وحتى الآن، يمارس حزب الله ما يسميه “الصبر الإستراتيجي”، متجنبا الرد الكامل على الغارات الإسرائيلية. لكن إذا تجاوزت إسرائيل حدودها ووسعت عملياتها إلى هجوم شامل جوي أو بري، فإن هذا التوازن الهش قد ينهار، لتجد المنطقة نفسها أمام حرب جديدة، هذه المرة في لبنان بدل غزة.

وهكذا يبقى لبنان عالقا في المنتصف: لا هو قادر على فرض نزع سلاح حزب الله، ولا هو قادر على حماية أراضيه من الاعتداءات الإسرائيلية، بينما تستمر الضغوط الخارجية في دفعه نحو خيارات محفوفة بالمخاطر.

وفي ظل غياب رؤية وطنية موحدة، يبدو أن السلاح سيظل في قلب المعادلة اللبنانية، وأن البلاد ستبقى أسيرة التوازنات الهشة بين الداخل والخارج، وبين الدولة والحزب، إلى أجل غير معلوم.

المصدر : العرب اللندنية

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا