هل تخلت تركيا عن الخيار العسكري في سوريا؟
باتت التصريحات التركية تؤكد على ضرورة اندماج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، حيث أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحاته مؤخراً في 14 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، إلى أن عملية الاندماج ستسرّع من خطوات التنمية في البلاد.
تلوّح التصريحات التركية، خصوصاً تلك التي تصدر عن وزارة الدفاع، بالقوة في حال فشلت المفاوضات بين الحكومة السورية و"قسد"، إلا أن الواقع الميداني يشير إلى توقف الهجمات الجوية التركية على المواقع التابعة لـ"قسد" منذ بداية العام الحالي.
ترابط الملفات
لا يخفِ المقربون من دوائر الحكومة التركية، أن الأخيرة تراعي في تحركاتها ضمن سوريا مسار المصالحة السياسية في تركيا، وإنجاح عملية "تركيا خالية من الإرهاب" التي تضمنت إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان إنهاء العمل المسلح، بالإضافة إلى تشكيل مجلس النواب التركي في أب/أغسطس الماضي، لجنة نيابية لمتابعة عملية نزع السلاح وحلّ المنظمات الإرهابية.
وقد لوّح أوجلان مراراً، بأن استخدام الحل العسكري في سوريا، سينعكس سلباً على مسار المصالحة في تركيا
ومن المنتظر أن تنطلق المرحلة الثانية من عملية نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني، في معاقله الرئيسية في جبلي قنديل وكارا ومنطقة سنجار شمال العراق، بعد إتمام المرحلة الأولى التي انطلقت في تموز/يوليو الماضي.
ومن المرجح أن ينتج عن أي تصعيد تركي ضد أذرع حزب العمال الكردستاني، سواءً في العراق او سوريا، عراقيل في وجه استكمال عملية إلقاء السلاح.
وتحاول بعض التيارات المتشددة التابعة لحزب العمال الكردستاني، والمنتشرة في سوريا، وعلى رأسها "شبيبة الثورة"، دفع الأمور باتجاه المواجهة الميدانية، حيث شنّت أواخر أيلول/سبتمبر الفائت، حملة اعتقال بحق السكان العرب في المحافظات السورية الشرقية، واستهدفت مواقع حكومية شرق حلب، فيما يبدو وكأنه محاولة لتعطيل المسارات السياسية في تركيا وسوريا معاً.
تقليص حجم التدخل الخارجي في سوريا
تتصدر تركيا الدول التي تطالب بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ووقف التدخلات الخارجية، خصوصاً من إسرائيل التي ترفع شعار منع تشكيل حكومة مركزية قوية في سوريا، والتحالف مع الأكراد والدروز لمواجهة التمدد التركي والإيراني.
تُعتبر أجواء التصعيد العسكري مناسبة جداً للدول الراغبة بالمزيد من التدخل في الشأن السوري، وبالفعل لم تفوت تل أبيب فرصة المواجهات التي اندلعت في تموز/يوليو الماضي، بين القوات الحكومية السورية والفصائل المحلية الدرزية في السويداء، ووسعت من نطاق هجماتها ضد المواقع الحكومية، وزادت من منسوب دعمها للفصائل الدرزية، وغالباً فإن التحرك العسكري التركي المباشر في سوريا، ستتعامل معه تل أبيب كذريعة لتبرير استمرار توغلاتها في الأراضي السورية، وتقويض حالة الهدوء.
التعويل على الدبلوماسية
تلقّت العلاقات بين تركيا وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، دفعة قوية بعد القمة الثنائية بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وترامب، أواخر أيلول الماضي، ثم وساطة تركيا لوقف إطلاق النار في غزة بناءً على طلب ترامب الذي أشاد بالدور التركي وبشخص أردوغان، وبالتالي فإن الفرصة مواتية لتكثيف العمل السياسي من أجل حلّ ملف "قسد" التي تحظى بدعم أميركي.
وأكدت مصادر دبلوماسية في واشنطن، أن إدارة ترامب لا تعارض أبداً حصول تفاهم سياسي بين "قسد" والحكومة السورية، بل تدعم هذا الخيار طالما أن عملية الدمج ستصب في صالح عدم ترك فراغ أمني يعود من خلاله تنظيم "داعش" للنشاط، ويجبر الإدارة الأميركية على زيادة حجم قواتها في سوريا، أو يؤثر على خططها الخاصة بتقليص هذه القوات.
تقوية موقف الحكومة السورية
في ظل هذه الحسابات السياسية، يبرز خيار تقوية موقف الحكومة السورية لتتولى بنفسها عملية السيطرة على كامل الأراضي السورية عبر التفاهمات، أو الحل الأمني المحسوب عند الضرورة.
ومنذ منتصف أيلول الماضي بدأ بالفعل برنامج تدريب تركي لقوات سورية، كما جرت في تشرين الأول/أكتوبر، مباحثات بين دمشق وأنقرة لزيادة التنسيق الأمني والعسكري.
وفي حال نجحت جهود الحكومة السورية في تطوير العلاقات مع روسيا، من المتوقع أن تتمكن من توفير بعض المعدات والتجهيزات العسكرية وقطع الغيار والذخائر لسلاح الطيران المتبقي بحوزة الجيش السوري، مما يزيد من قدراته العسكرية، ويجعله أقدر على مهمة توحيد البلاد.
ويمكن القول إن المقاربة التركية في سوريا تركز على إنهاء المشروع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، المتمثل بـ "الإدارة الذاتية" التي تشبه حالة استقلال ضمن الدولة، وعبر استخدام الطرق الأقل تكلفة سياسية على أنقرة، خصوصاً وأن تصدر الحكومة السورية لجهود توحيد البلاد، لن يثير حساسية كبيرة لدى باقي الفاعلين الدوليين التي يمكن لدمشق أن تجري تفاهمات معهم على مصالحهم في سوريا، على غرار ما تفعله مع روسيا حالياً.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|