الخسائر قاسية.. كم دمّرت إسرائيل في لبنان من ألواح الطاقة الشمسية؟
"النووي بلا قيود".. إيران تدخل مرحلة "التحدي المفتوح" مع الغرب
بعد انقضاء الإطار الزمني المحدد للاتفاق النووي والقرار الأممي 2231، تعاملت إيران مع نهاية الاتفاق كفرصة لفرض وقائع إستراتيجية على الأرض، ففي إعلان رسمي، أسقطت طهران نهائياً جميع الالتزامات المرتبطة بالاتفاق، معتبرة أن الإطار القانوني الدولي الذي كبّل برنامجها النووي لم يعد ملزماً.
الإجراء الإيراني يُقرأ فعلياً كتحرك تصادمي، يحمل رسائل مزدوجة؛ واحدة موجهة للغرب تفيد بانهيار مسار التفاهم، وأخرى موجهة للإقليم تُكرّس منطق الانفلات النووي كامتداد طبيعي لمشروع الهيمنة الإيرانية.
هذا الخروج العلني من منظومة الضبط الدولية لا يعكس فقط سقوط تفاهمات، إنما يُترجم كخيار إستراتيجي مقصود لتحويل التوتر إلى أداة مناورة، إيران تُعيد بناء أوراقها من خارج القانون، وهو ما يضع المنطقة أمام مرحلة جديدة من التصعيد المفتوح، خاصة إذا اقترن الأمر بتسارع تخصيب اليورانيوم وتوسيع النشاط البالستي بلا رقابة.
قرار انعزالي
مسؤول في بعثة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، أوضح لـ"إرم نيوز" أن إعلان إيران انتهاء العمل بالاتفاق النووي وبالقرار 2231 مثّل، ومن وجهة نظر بروكسل، منعطفاً سلبياً حاداً أنهى آخر أشكال الرهان السياسي على إمكانية التفاهم مع طهران، ووفقاً للمصدر، تنظر العواصم الأوروبية إلى هذا التصرف باعتباره خطوة أحادية غير منسّقة، تحمل طابعاً تصعيدياً هدفه خلق أزمة خارجية للتغطية على انسداد داخلي متفاقم.
وأكد المصدر أن القرار الإيراني لا يُقرأ في أوروبا كموقف قانوني أو تفاوضي مشروع، بل كأداة ضغط نووي متهورة فقدت فاعليتها مع تغيّر البيئة الدولية، ويضيف أن الخطوة أسقطت عملياً صفة "الشريك القابل للدمج" عن إيران، وأعادت تقديمها كدولة تُعيد إنتاج الأزمات وتُمعن في تعطيل أي مسار احتواء.
وتابع بالقول إن العواصم الأوروبية لم تُفاجأ بإعلان إيران، لكنها تلقّته كمؤشر نهائي على انتهاء صلاحية الخطاب الدبلوماسي المزدوج الذي كانت طهران تمارسه منذ سنوات؛ ما يُمهّد لمواقف أكثر صرامة في التعامل معها داخل الاتحاد.
وأضاف المصدر أن الأروقة الدبلوماسية في بروكسل كانت رصدت خلال الأشهر الماضية تحركات تقنية غير مبررة في منشآت نطنز وفوردو، إلى جانب تباطؤ ملحوظ في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما فُسّر آنذاك كمؤشر على أن طهران تُمهّد فعلياً للتنصّل الكامل من الرقابة.
وأشار إلى أن اللافت في الموقف الإيراني ليس فقط مضمونه، بل توقيته وأسلوب طرحه، إذ جاء بمعزل عن أي تنسيق حتى مع الحلفاء التقليديين، مثل: روسيا والصين؛ ما اعتُبر داخل الاتحاد الأوروبي دليلاً إضافياً على غياب رؤية تفاوضية بديلة، وتخبّط في إدارة الملفات الإستراتيجية.
كما أكد أن الانزعاج الأوروبي لا يقتصر على الشق النووي، لكنه يمتد إلى الخشية من توظيف طهران هذا "التحلل الرسمي من القيود" كغطاء لسلوك إقليمي أكثر عدوانية، سواء في العراق ولبنان أو عبر تهديد طرق الملاحة الحيوية في الخليج.
وأوضح أن هذا التصعيد يدفع بعض مؤسسات الاتحاد إلى طرح تصنيفات أكثر تشدداً تجاه إيران، على غرار ما يُعتمد مع كوريا الشمالية، بما يشمل توسيع نطاق العقوبات غير التقليدية.
واختتم المصدر بالقول: "لم تعد لدينا أوهام سياسية أو قانونية تجاه إيران، النظام يتخذ قراراته بناءً على اعتبارات داخلية معزولة، ويغلق الباب أمام أي توازن إستراتيجي يمكن البناء عليه خارج منطق الاستفزاز المستمر".
إعادة فرض الشروط
في حين ذكرت مصادر دبلوماسية أمريكية لـ"إرم نيوز" أن واشنطن تنظر إلى إعلان إيران إنهاء التزاماتها بموجب الاتفاق النووي والقرار 2231 كـ"هدية سياسية غير مقصودة"، لأنها تُظهر بحسب تعبيرها أن سياسة الضغط القصوى التي تبنتها الإدارة منذ 2018 كانت مبررة، وتؤكد عجز طهران عن الصمود من دون دعم خارجي وهيكل تفاوضي دولي.
المصادر أوضحت أن الإدارة الأمريكية تعتبر أن هذه الخطوة تمثل نهاية مرحلة المساومة وبداية مرحلة فرض الشروط، مشيرة إلى أن البيت الأبيض يعمل على تجهيز حزمة عقوبات جديدة تستهدف شبكات مالية مرتبطة بالحرس الثوري والبنية التحتية لتمويل البرنامج النووي، بالتوازي مع تنسيق ردع أوسع مع العواصم الأوروبية يشمل تعزيز الرقابة البحرية على الخليج وخطوط الإمداد الحيوي.
وأكدت المصادر أن واشنطن ترى في التصرف الإيراني تأكيداً على فشل النظام في إدارة توازناته الداخلية، وأن الإدارة لن تعود إلى موقع "منتظر التفاوض"، بل تتحرك الآن من موقع الطرف الذي يُحدّد قواعد اللعبة السياسية والأمنية.
وتوقعت المصادر أن يؤدي هذا التصعيد إلى تسريع عمليات التنسيق العسكري بين الولايات المتحدة وحلفائها، ولا سيما في ما يتعلق بالرصد المبكر، وتأمين خطوط الملاحة، والاستجابة لأي تحرك نووي أو صاروخي غير محسوب.
كما اعتبرت أن انتهاء الإطار القانوني للاتفاق يُشكّل فرصة إستراتيجية لإعادة توصيف الملف الإيراني من كونه مجرد "أزمة نووية" إلى كونه ملفاً أمنياً شاملاً يرتبط بالانتهاكات الحقوقية، والتوسّع الإقليمي غير المشروع.
واختتمت المصادر بالقول إن واشنطن تدرس الآن آلية لإعادة إدراج الملف الإيراني على طاولة مجلس الأمن، استنادًا إلى وصف طهران كطرف يرفض الامتثال لقرارات دولية منتهية زمنياً لكنها قائمة في تأثيرها، وهو ما قد يُمهّد لفرض رقابة جديدة بصلاحيات موسعة حتى في غياب اتفاق بديل.
توسيع العقوبات
تضمّن الاتفاق النووي المعروف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" قيوداً تقنية صارمة على البرنامج النووي الإيراني، شملت تحديد مستوى تخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3.67%، تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة، تحويل منشآت حساسة كـ"فوردو" إلى الاستخدامات البحثية، وإخضاع البرنامج لرقابة مباشرة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إعلان إيران إنهاء التزاماتها بهذه البنود، وتعليقها التعاون مع الوكالة، يعني فعلياً أن البرنامج بات خارج الرقابة الدولية، وأن طهران استعادت حرية المناورة الكاملة في مسارات التخصيب والتطوير النووي. هذه الخطوة تُعيد فتح ملف التسلح النووي كمصدر قلق دولي مشروع، وتُفاقم المخاوف من تحوّل البرنامج إلى منصة تهديد جيوسياسي إقليمي.
سياسياً، يُقرأ القرار الإيراني كمحاولة لفرض أمر واقع جديد انطلاقاً من لحظة ضعف داخلي، تعكس ضيق هامش النظام في إنتاج حلول تفاوضية، واختياره الهروب إلى التصعيد بدل المعالجة البنيوية لأزماته، ومن هذا المنطلق، فإن السلوك الإيراني يُعيد تأسيس حالة فقدان الثقة دولياً، ويمنح الغرب المبررات القانونية والسياسية لاستئناف الضغوط القصوى التي جُمّدت سابقاً.
الولايات المتحدة، بحسب تقديرات دبلوماسية، لن تجد عائقاً في إعادة تفعيل شبكات العقوبات القديمة وربطها مجدداً بالملف النووي، مستفيدة من غياب أي التزام يمكن البناء عليه تفاوضياً، كما أن أوروبا تجد نفسها أمام لحظة مراجعة حاسمة، قد تدفعها للتخلي عن موقع "الوسيط" والاقتراب من موقف الطرف المتضرر، خصوصاً في ضوء إخلال إيران بأي تنسيق أو شفافية.
اقتصادياً، لا يحمل القرار الإيراني أي مكاسب مباشرة، بل على العكس، يزيد تعقيد بيئة العقوبات، ويؤجل نهائياً أي احتمال لانفتاح مالي أو تجاري، وبذلك، يتحول هذا المسار إلى رهان عالي الكلفة، يعمّق عزلة النظام ويُضعف قدرة طهران على جذب أي غطاء دولي جديد.
تفكك الاتفاق النووي
يُعد القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في يوليو/تموز لعام 2015 الإطار القانوني الذي منح الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1"الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، وألمانيا طابعاً دولياً ملزماً، من خلال هذا القرار، تم التصديق على الاتفاق المعروف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة"، والذي نصّ على رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على إيران مقابل التزامها بسلسلة من القيود الصارمة على برنامجها النووي.
دخل القرار حيّز التنفيذ رسمياً في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وكان محدداً بفترة زمنية تنتهي بعد 10 سنوات، أي في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهو التاريخ الذي كان من المفترض أن تُرفع فيه آخر القيود المتبقية على أنشطة إيران النووية، بما في ذلك حظر الأسلحة، وأن تُغلق بموجبه ملفات إيران داخل مجلس الأمن، بما يخرجها من نطاق البند السابع الذي يُجيز فرض العقوبات والتدابير القسرية.
وفق البند الثامن من القرار، فإن مجلس الأمن مُلزم بإلغاء القرار نهائياً بعد مرور عقد على اعتماده، ما لم تُسجَّل خروقات جوهرية من طرف إيران، إلا أن هذا المسار لم يُستكمل كما خُطّط له؛ فقبل أسابيع من موعد الانتهاء المفترض، فعّلت دول أوروبية فرنسا وبريطانيا وألمانيا آلية "السناب باك" لإعادة تفعيل العقوبات الأممية، مستندة إلى ما تعتبره انتهاكات إيرانية للاتفاق. في المقابل، رفضت طهران هذا التحرك، واعتبرته منعدم الأثر قانونياً، مؤكدة أن هذه الدول فقدت صلاحية تفعيل الآلية منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018.
تكتيك لإدارة الانهيار
ويرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أمير صادق، في حديثه لـ"إرم نيوز" أن إعلان إيران إنهاء التزاماتها النووية يجب قراءته في سياق آليات الحكم داخل النظام ذاته، فهو لا يُعبّر عن تحول إستراتيجي محسوب، بل عن رد فعل على أزمة داخلية تتفاقم سياسياً واقتصادياً.
ويشير صادق إلى أن هذا النمط ينسجم مع ما يسميه "المراهنة تحت الضغط"، وهو سلوك تقليدي لدى المؤسسة الحاكمة حين تتراجع قدرتها على ضبط الداخل، فتلجأ إلى توليد أزمة خارجية أكثر خطورة لصرف الانتباه وتأجيل الانفجار الداخلي.
ويؤكد أن مؤسسات القرار، وعلى رأسها الحرس الثوري، لم تكن تنظر للاتفاق النووي كأداة استقرار، إنما كقيد مؤقت، ومع تصاعد الشعور بأن التفاهمات الدولية لم تعد تخدم حسابات القوة، اتُخذ القرار برفع الالتزامات. فوفق قوله، "الانهيار الداخلي وتآكل أدوات السيطرة الاجتماعية دفع النظام إلى هذه الخطوة باعتبارها مخرجاً تكتيكياً، وليس خياراً إستراتيجياً مدروساً".
ويلفت صادق إلى أن النظام الإيراني، منذ انسحاب واشنطن عام 2018، بدأ بتفكيك التزاماته تدريجياً دون إعلان؛ ما مهّد عملياً لإنهاء الاتفاق بالكامل، وقد قاد هذا التوجه تيار مؤثر داخل الدولة العميقة مرتبط بالحرس الثوري، كان يرى في استمرار الالتزام إضعافاً لقدرته على التحكم بالمواجهة.
ويختم بالإشارة إلى أن هذه الخطوة ستعمّق عزلة إيران، وتُقفل الأبواب أمام أي مسار تفاوضي محتمل، حتى من داخل النظام نفسه، لأنها أضعفت حجج الأصوات التي طالبت بالعودة المتوازنة إلى المجتمع الدولي.
طرف غير قابل للاحتواء
من جانبه، يرى الباحث في العلاقات الدولية، جلال مكّي، في حديثه لـ"إرم نيوز" أن إعلان إيران إنهاء التزاماتها النووية يُعدّ إشكالياً من زاوية القانون الدولي، لأنه يُضعف الثقة بمنظومة الاتفاقات متعددة الأطراف، ويخلق سابقة قد تُستغل من قبل دول أخرى للتنصل من التزامات مشابهة.
وبحسب مكّي، لا يمكن تفسير السلوك الإيراني كاستجابة لضغط مشروع أو تهديد داهم، فهو وفق تعبيره دليل على غياب الاستعداد المبدئي للاندماج في منظومة الضوابط الدولية. وهذا ما يزيد قلق العواصم الأوروبية التي كانت تحاول رغم الانتهاكات المتكررة إبقاء مساحة ضيقة للتفاهم، قبل أن يُجهز القرار الأخير على ما تبقّى منها.
ويُضيف أن هذا النمط من التحلل الأحادي من القيود لا يُبقي أي بنية تفاوضية قائمة، إنما يُعيد رسم إيران كطرف غير قابل للدمج في النظام الدولي، حتى في نظر القوى التي كانت تسعى لاحتوائها.
كما يلفت إلى أن التبعات لن تقتصر على مجال العقوبات، بل ستنعكس على توازنات الإقليم، وتدفع نحو بناء اصطفافات أمنية جديدة لمحاصرة قدرة إيران على المناورة وخرق قواعد الردع.
ويتابع مكّي أن هذه الخطوة تُحدث تآكلاً في مبدأ عدم الانتشار النووي، وهو أحد أركان النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، إذ إن تخلي دولة موقّعة عن التزاماتها دون تعرضها لعدوان أو انهيار تفاوضي موثّق، يُشكّل سابقة تُضعف شرعية مؤسسات الرقابة الجماعية.
ويختم بالقول إن القوى الكبرى لم تعد قادرة على التعامل مع إيران كطرف "قابل للاحتواء"، بل باتت تُدرك أنها أمام نموذج سياسي يُقوّض منطق القانون الدولي نفسه، ومن هنا، يُرجّح أن يُعاد الملف الإيراني إلى مجلس الأمن مجدداً، مع احتمال تصنيفه كخطر مباشر على الأمن والسلم الدوليين، بما يستدعي التعامل معه تحت مظلة الفصل السابع.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|