المركزي السوري يوجّه بطي ملف ودائع السوريين في المصارف اللبنانية
نشرت وكالة «رويترز»، يوم أول من أمس الاثنين، تقريرا كشفت فيه عن مضمون توجيه صادر عن المصرف المركزي السوري إلى المصارف التجارية الـ 14 في البلاد، والتقرير يتضمن أيضا آراء ثلاثة من المصرفيين السوريين كانت الوكالة قد استطلعت مواقفهم حيال ذلك التوجيه الدي صدر يوم 22 أيلول الفائت، ولم يجر الإعلان عنه إلا عبر تقرير «رويترز» المنشور بعد نحو شهر من صدوره.
يلزم التوجيه الصادر عن المصرف المركزي البنوك التجارية بـ«تكوين مخصص مقابل خسائر انخفاض القيمة المرتبطة بالانهيار المالي في لبنان»، ويضيف إن «على المصارف تقديم خطة موثوق بها لإعادة الهيكلة خلال مدة 6 أشهر»، وتقول مصادر في الحكومة السورية إن هذا القرار «يأتي في إطار جهود كبرى لإصلاح القطاع المصرفي، الذي عصفت به الحرب التي استمرت لـ 14 عاما» وكذا يأتي للـ «المساعدة في معالجة أزمة السيولة التي كبلت النشاط الاقتصادي في البلاد»، وقد قال حاكم المصرف المركزي السوري، عبد القادر حصرية، في تصريح سابق له إن «انكشاف المصارف التجارية السورية على لبنان كبير، وهو يزيد على 1.6 مليار دولار»، ووفقا للتقارير المالية للعام 2024، الخاصة بالمصارف التجارية ال 14، والمنشورة على صفحة «بورصة دمشق»، فإن هذه النسبة تمثل أكثر من 25 % من إجمالي الودائع في القطاع المصرفي التجاري السوري البالغ 4.9 مليار دولار.
مع بداية الأزمة السورية، ربيع العام 2011، وخضوع البلاد للعقوبات الغربية، التي راحت سقوفها تتعالى على وقع التطورات الحاصلة فيها، لجأ العديد من المصرفيين السوريين، وبتشجيع من الحكومة السورية، إلى لبنان، وكذا إلى بلدان عديدة، كخيار «آمن» يمكن من خلاله الحفاظ على رساميلهم، أو الاستثمار فيها في ظل نظام مصرفي كانت تقديراته تقول إن «عوامل الأمان» فيه تفوق بدرجة كبيرة تلك السائدة في البلاد، بل وفي بلدان عدة محيطة، إلا أن الأنهيار الذي أصاب القطاع المصرفي اللبناني، العام 2019، كان قد كشف عن «سوء» تلك التقديرات، ومع إعلان العديد من المصارف اللبنانية عن «تجميد» ودائعها، بدا أن سبل إيجاد حلول لها قد تكون طويلة الأمد، وعلى الرغم من مرور 5 سنوات على بدء الأزمة، فإن المعالجة اللبنانية لها كانت قد اقتصرت على قانون «الفجوة المالية»، الذي يقول بـ «تحديد الأولويات لتعويض المتضررين عن خسائرهم»، وما زاد في الأمر سوءا هو أن ذلك القانون لم يخرج بصيغة نهائية، وهو لا يزال قيد الدراسة في البرلمان اللبناني. والجدير ذكره في هذا السياق أن الرئيس السوري السابق كان قد ذكر، صيف العام 2021، في معرض تشخيصه للعقبات التي تحول دون «تنشيط» الاقتصاد السوري، إن «بعض التقديرات تشير إلى إن حجم الودائع السورية في لبنان هو بين 40 - 60 مليار دولار»، وإذا ما كانت تلك الأرقام مُبالغا بها، وفقا لتقديرات العديد من المختصين، فإن الفارق الهائل ما بينها وبين الأرقام التي ذكرها حاكم المصرف المركزي السوري الجديد، قد يكون مرده إلى أن بعض تلك الرساميل تعود إلى شخصيات بارزة في النظام السوري السابق، وهذا يطرح بدوره فرضية، لكنها تمتلك قدرا كبيرا من الواقعية، تقول إن قرار المركزي السوري، الذي يعترف ضمنا بأن الودائع السورية لم تعد موجودة على الإطلاق، وهي تحولت من «أصول» إلى «خسائر» بعد أن نزع عنها صفة «الأموال قيد التحصيل» عبر «إلزامه المصارف الخاسرة بزيادة رأس مالها، وإعادة هيكلة ميزانيتها خلال 6 أشهر»، جاء نتيجة لـ«صفقة» من نوع ما، وهي تقوم على «تقاسم الخسائر» ما بين طرفين خاسرين، وقد كتب الباحث الاقتصادي السوري ماركو علبي في تعليق له إن «القرار يتجاوز الوظيفية التنظيمية للمصرف المركزي»، وما «فعله الأخير لا يقتصر على تنظيم، بل يدخل في إعادة توزيع قانونية للحقوق والالتزامات بين المصارف والمودعين والمساهمين، وهو يغير القيمة القانونية للأصول، ويؤثر بشكل مباشر في حقوق المساهمين من خلال تخفيض رأس المال، أو فرض زيادات جديدة عليه»، محذرا من إن ذلك قد «يفتح الباب لاحتمال إفلاس، أو تسييل، مؤسسات مالية بأكملها».
وقد ذكر المصرفيين الثلاثة، الذين استطلعت «رويترز» آراءهم، أن «هذا الأمر دفع ببعض البنوك إلى البحث عن مستثمرين جدد، أو استكشاف فرص استحواذ أخرى»، وأضافوا إن «بعض البنوك المتضررة تجري محادثات، لا تزال في مراحلها المبكرة، مع مؤسسات مالية عربية بشأن عمليات استحواذ محتملة»، وقد ذكرت صفحات اقتصادية مختصة أن «أكثر المصارف المتضررة هي (بنك الشرق) و (فرنسبنك) و (بنك سوريا والمهجر) و (بنك بيمو السعودي الفرنسي) و (شهبا بنك) و (بنك الأئتمان الأهلي)»، وأضافت تلك الصفحات إن «هذه كلها بنوك لبنانية الأصل، كانت قد افتتحت لها فروعا في سوريا منذ مطلع العقد الأول من هذه الألفية».
وفي أولى ردود الأفعال، انتقد العديد من المصرفيين السوريين ذلك القرار الذي وصفوه بـ «المبرر بحد ذاته، لكن المهلة الممنوحة غير مبررة»، في حين وصفه آخرون بـ «الاستباقي، والمتسرع، وأيا يكن الوصف المناسب، فهو قرار سياسي»، الأمر الذي نفته مصادر الحكومة السورية التي أكدت أن «لا وجود لدوافع سياسية» وراء اتخاذها لذلك القرار.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|