محليات

سباق بين التصعيد الإسرائيلي والضغوطات الدولية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

قد لا يختلف اثنان في لبنان على أن ما شهده الجنوب والبقاع أمس وأمس الأول من تصعيد إسرائيلي متدرج يؤشّر إلى أن تل أبيب باتت على قاب قوسين أو أدنى من إعلان حرب شاملة، ولكن مفتوحة هذه المرّة، ضد أي هدف لـ "حزب الله" تدّعي بأنه يشكّل خطرًا داهمًا ومستمرًا على أمنها الاستراتيجي.

هكذا بدأت إسرائيل حربها الشاملة على لبنان قبل نحو سنة من الآن، حيث انتقلت مما كان يُسمّى "قواعد الاشتباك"، إلى استهداف القيادات العسكرية وتفجير "البيجرات"، وصولًا إلى اغتيال السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين بما يرمزان إليه من قيم في الوجدان المقاوم والجهادي في التركيبة العقائدية داخل البيئة الشيعية بالتحديد.  
فالتطورات الأخيرة في لبنان تشير إلى أن المنطقة تقف على عتبة مرحلة شديدة الحساسية، خصوصًا بعد إعلان الرئيس نبيه بري سقوط أي إمكانية للتفاوض مع إسرائيل، على أثر إعلان رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون عن استعداد لبنان للعودة إلى التفاوض. فهذا التمازج والتعارض في المواقف الداخلية يطرح مجددًا التساؤل عما إذا كانت إسرائيل قد تلجأ إلى ما يُسمّى "الخطة باء"، أي خيارات قسرية أكثر تصعيدًا في حال اعتُبر المسار التفاوضي مسدودًا.

وفق هذه المعطيات، ولكي تكون أي قراءة تحليلية أكثر واقعية، لا بُدّ من الإشارة إلى ثلاثة مفاصل تاريخية أثّرت في معادلة العلاقة العسكرية والسياسية بين إسرائيل ولبنان:
أولًا، الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، الذي أضاف منطق التدخل الشامل من قبل إسرائيل كأداة لفرض أهداف أمنية وسياسية، لكن هذا الاجتياح أيضاً أظهر أن الحملات العسكرية الواسعة قد تحقق مكاسب تكتيكية لكنها قد تخسر أهدافًا استراتيجية على المدى الطويل.
ثانيًا، إن الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" في شهر تموز من العام 2006 أفضت إلى قتال واسع استمر أسابيع وانتهى بوقف نار تضمنه القرار 1701 الذي وضع حدودًا إقليمية، وقيّد، نظريًا، الوجود المسلح لـ "الحزب" جنوب الليطاني، مع تكثيف وجود قوات "اليونيفيل"، ودعوة لتعزيز سلطة الدولة اللبنانية. إلاّ أن تطبيق هذا القرار بقي حبرًا على ورق، مما يدلّ على أن الحل الديبلوماسي عبر قرارات دولية يبقى هشًا إذا لم تتوافر له آليات تنفيذية.
ثالثًا، إن المفاوضات التي أدّت إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في تشرين الأول من العام 2022 أظهرت أن التحكيم والوساطة الدولية، وبالتحديد الوساطة الأميركية، يمكن أن يفرضا حلولًا تقنية واقتصادية حتى بين دولتين في حالة من الحرب والعداء، ما يدلّ على وجود بدائل تفاوضية ناجعة يمكن توظيفها لتقليل الحوافز للخيارات العسكرية. ومع ذلك، يبقى نجاح مثل هذه الوساطات مرتبطًا بقدرة الأطراف اللبنانية على التوافق الداخلي وتنفيذ القرارات الحكومية .
لا شكّ في أن الخيارات العسكرية الواسعة بالنسبة إلى المجتمع الإسرائيلي قد تحقق أهدافًا آنية، ولكنها تحمل في الوقت ذاته تكاليف استراتيجية وسياسية كبيرة، بينما الوساطات الدولية والقرارات الأممية قد تمنح حلولًا، ولكنها تبقى عرضة لهشاشة التطبيق عمليًا. مما يرجّح رجحان كفة ذهاب إسرائيل في اتجاه ما يُسمّى بـ "الخطة باء".
فاستنادًا إلى سوابق الحروب الشاملة سنتي1982 و2006، فإن أي محاولة إسرائيلية لشن عملية واسعة ستُواجه بـ "الفيتو" الدولي فورًا، وستمتحن صدقية قرارات مجلس الأمن وآليات حفظ السلام. وهذا الأمر قد يجعل خيار الحرب الشاملة أقل حظّا مقارنة بتكتيكاتٍ هجينة قادرة على تحقيق أهداف جزئية بأقل تكلفة سياسية تجاه المجتمع الدولي.
لكن في المقابل، فإن ثمة أصواتًا أميركية وإسرائيلية متطرفة ترى أن لا بديل عن "الخطة باء" لاكتمال عناصر الاستقرار في المنطقة، وبالتالي الاستغناء عن سياسة "الضربات النوعية"، والعمليات الاستخباراتية، أو الضغط المالي والديبلوماسي، والذهاب بالتالي نحو خيارات راديكالية.

ففي ظل كل هذه المعطيات التوصيفية للخيارات، التي يمكن أن تلجأ إليها إسرائيل، يُرجّح خيار تفعيل نسخة هجينة من "الخطة باء"، أي الاكتفاء بضربات محدودة ومستمرة، وعمليات استخباراتية، وضغط ديبلوماسي واقتصادي بدلًا من الحرب الشاملة، وذلك استنادًا إلى دروس 1982 و2006 التي أظهرت كلفة الحروب الشاملة وعدم جدوى الحلول العسكرية.
إن أي تدخل عسكري إسرائيلي واسعٍ على لبنان يُعد انتهاكًا للسيادة ومخالفًا لقواعد ميثاق الأمم المتحدة، ويستدعي نقاشًا دوليًا، وهذا ما حدث بعد 2006 حين صار القرار 1701 المرجع الدولي لوقف الأعمال العسكرية.
وعليه، فإن "المناورة "السياسية اللبنانية، إذا جاز التعبير، ستبقى عاملًا مؤثرًا في تحديد ما إذا كانت الوساطات الدولية ستنجح أم أن الضغوط العسكرية ستتصاعد، على أن يبقى المخرج الديبلوماسي، كما دلّ الاتفاق البحري في 2022، ممكنًا، خصوصًا إذا توافرت إرادة تنفيذية داخلية متزامنة مع ضمانات دولية.
اندريه قصاص- "لبنان 24"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا