كيف يتكيّف حزب الله مع الوصاية الأميركيّة؟
لطالما فتنتنا ثقافة الحياة في الولايات المتحدة. من رقصة جنيفر لوبيز في "البيفرلي هيلز"، الى صهيل الخيول في الغرب الأميركي، لتصل الوصاية الأميركية على لبنان الى ذروتها في هذه الأيام، وربما في كل الأيام، لتوصف بـ "الاستراتيجية الناعمة (Soft strategy) "، قبل أن يصفها المفكر الفرنسي، ورفيق تشي غيفارا في أدغال أميركا اللاتينية، ريجيس دوبريه بـ "استراتيجية الخداع"، حيث التسلل الى لاوعينا اما بأكياس الطحين (النقطة الرابعة)، أو بـ "الأميركيات الفارهات"، أي السيارات الفاخرة التي كانت تختال في طرقنا، وفي مخيلاتنا ...
لم يكن فرنكلين روزفلت ليقوم برحلة فولكلورية حين قطع نصف المعمورة، وهو يحمل 7 كيلوغرامات من الحديد في ساقيه، لاصابته بالشلل وهو في التاسعة والثلاثين، ليلتقي غداة انتهاء مؤتمر يالطا مع كل من جوزف ستالين وونستون تشرشل في شباط 1945، الملك عبد العزيز آل سعود على متن البارجة "كوينسي" في قناة السويس. مثلما جرى ترتيب خارطة القوى في العالم في تلك الجزيرة المتوسطية، يفترض ترتيب خارطة القوى في الشرق الأوسط، بعدما لاحظ الأميركيون مدى تأثير النفط في مسارات الصراع في الكرة الأرضية .
الآن الوصاية الأميركية في الشرق الأوسط على قرع الطبول. أهو جنون التكنولوجيا، كما قال المؤرخ البريطاني بول كنيدي ؟ أم هو جنون الآلهة ؟ لكأن دونالد ترامب يريد نقل منتجعه الفاخر من ضفاف الكاريبي الى ضفاف المتوسط. واذا كان جورج بوش الأب يقول بالحل الاقتصادي لأزمة المنطقة، وكان هنري كيسنجر يقول بالحل اللاهوتي، بدا الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة وكأنه يبحث عن حل عقاري، حتى إن مبعوثه الى سوريا ولبنان توم براك مستثمرعقاري، وكذلك مبعوثه الى المنطقة ستيف ويتكوف.
بوب ودورد الذي وصف ترامب، في كتابه (مع روبرت كوستا PERIL) بـ "الكائن البشري الذي تخرج النيران من أذنيه"، سأل لماذا ينتظره الكثيرون في الشرق الأوسط، كما لو أنه آخر الأنبياء الذي بعثت به السماء. ولكن ألا توحي سياساته، وبحسب قول سفيره في أورشليم مايك هاكابي، بأنه من أعظم أنبياء "التوراة" ؟
مشهدية عاصفة في المنطقة. لبنان بين النار الداخلية والنار الخارجية. لا أحد يمكنه تبين الخط الفاصل بين الاستراتيجية الأميركية والاستراتيجية "الاسرائيلية"، ليبدو في كلام براك عن الخطر الذي يشكله حزب الله، كما لو أن الشيخ نعيم قاسم بالبزة المرقطة، يدق بقبضته على باب البيت الأبيض.
هنا لا بد من التساؤل، كيف لحزب الله كقوة ثورية وحركة مقاومة، أن يتكيف مع الوصاية الأميركية ؟ طرحنا السؤال على مسؤول بارز في الحزب، ليكون تساؤلنا كيف يتقن هؤلاء الناس الذين يواجهون أهوال الداخل والخارج، لعبة الأعصاب، حتى ليبدو ألا حدود لقوة الأعصاب لديهم، دون أن تصدر عنهم اي كلمة مسيئة ضد القوى الأخرى، والتي تعدت في حملاتها الاعلامية والسياسية كل الخطوط الحمراء: "لا تكيف بل حماية لبنان، وبكل الامكانات".
كلام شديد الاتزان عن تفهم الرئيس جوزف عون لما تعنيه المقاومة، ولما تعنيه "السياسات الاسرائيلية" التي لا تأخذ بالاعتبار لا المواثيق ولا القرارت الدولية، بل هي تقوم على نوع من الايديولوجية السوداء، وحيث الأولوية لثقافة القتل والاقتلاع والتنكيل. المسؤول في حزب الله أشار الى الضبابية التي اكتنفت تصريحات رئيس الجمهورية، وكذلك تبني مجلس الوزراء "ورقة براك" واضفاء الشرعية عليها، ثم لتستقيم الأمور وتتبلور حالة من التنسيق الأوركسترالي بين مواقف السلطة التي تمسك بيدها قرار الحرب والسلم، والمقاومة التي هي نتاج ثوري لواقع أحدثه الاحتلال على الأرض.
شيء ما أقرب الى "التناغم" بين القصر والضاحية، حول التمسك بقرار وقف الأعمال العدائية، والحيلولة دون الالتفاف حوله بالنار لاستيلاد اتفاق آخر يفضي الى المجهول، مع اعتبار أهمية كلام الشيخ نعيم حول اعتماد الاستراتيجية الدفاعية، في وجه أي اتجاه من نتنياهو الى البحث عن أي باب آخر من أبواب النجاة، من شبح الزنزانة التي يفضل عليها المقبرة !
ما يستشف من كلام المسؤول في حزب الله في قراءته لما يحدث في الضوء، أو في ما وراء الضوء، أن المواقف المعلنة عن رفض أي محاولة لاستجرار لبنان الى "غرفة التطبيع"، هي التي حملت مورغان ارتاغوس على تغيير لهجتها، ليلاحظ مدى الهدوء الذي طغى على لقائها مع الرئيس، وان مع ترداد العبارات المعروفة حول حصرية السلاح وخلافه.
المبعوثة الأميركية اشتكت من عمليات تهريب السلاح من سوريا الى حزب الله، (وقد يكون السلاح الذي يتم تهريبه من سوريا الى قوى وخلايا لبنانية معينة)، فهل أن معالجة هذه العملية من اختصاص السلطة اللبنانية، أم من اختصاص السلطة السورية ؟
هل ثمة من تحول لدى الحزب من اللحظة الايديولوجية الى اللحظة البراغماتية، بعدما لاحظنا مدى الواقعية في كلام المسؤول البارز في حزب الله ؟ الاجابة ... "خطنا الاستراتيجي الآن اقتلاع الاحتلال من أرضنا، والانطلاق بالاعمار، لنبني معاً لبنان ـ الدولة بعيداً عن أي وصاية". ماذا عن الحرب ؟ بأعصاب هادئة "لا أحد يعلم ما في رأس نتنياهو لكن ما ينتظره، وهو يعلم ذلك، يجعله يفكر كثيراً". ويتراجع ؟ "هذا هو المفروض"!!
نبيه البرجي -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|

 
       
  
                               
  
                               
  
                              