مأزق رواتب موظّفي القطاع العام
في ظلّ الجمود الاقتصادي الذي يعيشه لبنان وتراجع قدرات الدولة الماليّة، يطفو مُجدّدًا على السطح ملف رواتب موظفي القطاع العام، وسط مطالبات بزيادات جديدة لمجاراة الغلاء والتدهور المعيشيّ. إلّا أن الخبراء يرون أن أي رفع للأجور في ظلّ غياب الإصلاحات البنيويّة لن يؤدّي سوى إلى تعميق الأزمة.
يُقدّم الخبير الاقتصادي باتريك مارديني قراءة واقعيّة لمأزق القطاع العامّ، موضحًا في حديثه إلى «نداء الوطن»، أن «الحلّ لا يكمن في ضخ أموال إضافية في جهاز مترهّل، بل في إعادة هيكلته جذريًا وتحديد من يستحق فعليًا البقاء في الخدمة».
«إنتاجيّة شبه غائبة»
يرى مارديني، أن «البحث في أي زيادة لأجور موظفي القطاع العام في الوقت الراهن غير ممكن، لأن الأجور ترتبط بالإنتاجية، وهذه الأخيرة شبه غائبة في الإدارة العامّة، بل هي في تراجع مستمرّ».
ويستند في رأيه هذا على معطيات أبرزها أن «الناتج المحلّي للبنان كان قبل الأزمة يُقارب 54 مليار دولار، فيما يتراوح اليوم بين 20 و 30 مليار دولار، ما يعني أن ما بين 40 و 60 في المئة من حجم الاقتصاد اللبناني تلاشى فعليًا، مُعتبرًا أن «هذا الانكماش الحادّ أفقد الدولة جزءًا كبيرًا من مداخيلها، فباتت عاجزة عن تغطية نفقاتها الأساسية».
ومن منطلق أن القطاع العامّ يعتمد على عائدات الجباية التي يؤمّنها القطاع الخاصّ، وفي ظلّ غياب النموّ والاستثمار والتوظيف، يصبح تمويل القطاع العامّ، برأيه شبه مستحيل، مقارنًا هذا الواقع مع ما حصل في القطاع الخاص مع اندلاع الأزمة، حيث خضع لعملية إعادة هيكلة قاسية أدّت إلى إقفال عدد كبير من الشركات وصرف عشرات الآلاف من الموظفين، فيما اضطرّ آخرون إلى تغيير أعمالهم لتأمين سبُل العيش.
لا تصحيح في القطاع العامّ
في المقابل، لم تشهد الإدارة العامة، وفق مارديني، أيّ عملية تصحيح أو إعادة هيكلة حقيقية، إذ لم تُقفل مؤسسات ولم يُصرَف موظفون رغم تدني الإنتاجية في معظم الدوائر، كما لم تُجرَ مراجعة لبنية القطاع العام ولا لعدد الأجهزة والمجالس والصناديق التي تثقل كاهل الدولة من دون أن تقدّم قيمة مضافة.
ويُصوّب مارديني على عدد من موظفي القطاع العامّ الذين يتقاضون رواتبهم من دون تقديم أي إنتاج فعلي، في وقت يحتاج الاقتصاد إلى اليد العاملة النشطة في القطاع الخاصّ. هذا الخلل البنيوي، برأيه، يفاقم الأزمة الاقتصادية ويقوّض قدرة الدولة على النهوض.
«الأساتذة المتقاعدون»
في ما يخصّ الأساتذة المتقاعدين، يُوضح مارديني أن «معاشاتهم التقاعدية تتراوح اليوم بين 300 و400 دولار شهريًا، وهي لا تزال أدنى من مستويات ما قبل الأزمة، لكنها أعلى بكثير ممّا كانت عليه في ذروة الانهيار حين تراجعت إلى نحو 30 أو 40 دولارًا شهريًا. ولكن بالمقارنة مع متقاعدي التعليم الخاص الذين لا تتجاوز معاشاتهم نحو 100 دولار، يبدو أن أوضاع متقاعدي القطاع العامّ أفضل نسبيًا.
ويتطرّق في هذا الإطار، إلى ظاهرة لافتة إذ يتبيّن أنه مقابل كل مئة تلميذ في المدارس الرسميّة، يوجد ضعف عدد الأساتذة والإداريين مقارنة بالمدارس الخاصة، ما يعكس حالة تضخم في التوظيف داخل القطاع التربوي الرسمي. ورغم أن التعليم الرسمي مجانيّ، فإن معظم الأهالي ما زالوا يُفضّلون تسجيل أولادهم في المدارس الخاصة ودفع الأقساط، ما يدلّ على ضعف الإنتاجية في التعليم الرسمي رغم فائض الكادر التعليمي والإداري.
رماح هاشم -نداء الوطن
| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|