محليات

عودة: الغني في الإنجيل قد يكون دولة لا تقوم بواجباتها

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس. وبعد الإنجيل قال في عظة: "عندما يحدثنا الرب يسوع عن الغني ولعازر الفقير لا يقدم لنا حكاية أخلاقية، بل يكشف لنا سر الحياة الأبدية، ويدعونا إلى إدراك معنى الخلاص وجوهر العلاقة بين الإنسان والله. فالمسيح الذي تجسد لأجل خلاصنا أراد فتح عيون قلوبنا على أن كل حياة تبنى على الأنانية والتشبث بالمال والمجد الباطل هي موت روحي ولو بدت مزدهرة ظاهريا، وكل حياة تبنى على المحبة والرحمة والإيمان المرفق بالعمل، هي حياة ممتلئة بالله ولو كانت فقيرة من خيرات هذا العالم. عاش غني إنجيل اليوم محاطا بالمجد الأرضي، غارقا في الملذات الدنيوية، مكتفيا بنفسه وبما يملك، فيما لعازر ملقى عند بابه، متألما وجائعا ومصابا بالقروح. لم يذكر أن الغني كان شريرا بمعنى ارتكابه جرائم أو تجاوزات، بل كانت خطيئته الكبرى في أنانيته، وانغلاق قلبه، وعجزه عن الرحمة، وتجاهله صورة الله في أخيه الإنسان. فالأنانية تعمي البصيرة وتحول القلب إلى صخر بارد لا يعرف الحنو، الأمر الذي يبعد الإنسان عن نعمة الله الذي هو المحبة عينها. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم إن الفقر لم يدخل لعازر إلى حضن إبراهيم لأن الفقر بذاته ليس فضيلة، لكن التواضع والصبر والإيمان وسط الألم هي التي فتحت له باب الملكوت. كما أن الغنى لم يطرح الغني في الجحيم لأن المال شر في ذاته، بل لأنه لم يستعمله للخير، ولم يدرك أن الغنى الحقيقي هو أن يصير الإنسان غنيا بالله".

أضاف: "في التباين بين الغني ولعازر نرى صورة الدينونة الحقة، التي لا تقاس بمعايير هذا العالم بل بمعيار القلب. حين انفصل لعازر والغني عن هذا العالم، مقياس الدينونة لم يكن ما يملك الإنسان، بل من كان هذا الإنسان. يعلن الإنجيل أن حياة الإنسان الحقيقية تقاس بمدى اتحاده بالله. كلام الرسول بولس في رسالة اليوم يضيء بعمق على المعنى اللاهوتي للإنجيل إذ يقول: «مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في». يعلمنا بولس الرسول أن الخلاص لا ينال بالأعمال الناموسية، ولا بتبرير الذات، بل بالإيمان العامل بالمحبة، الذي يفتح القلب ليحل فيه المسيح، ويحول الكيان كله إلى هيكل للنعمة. الغني الذي لم ير وجه الله في لعازر كان يعيش بحسب الجسد، مستندا إلى بره الذاتي وإلى مظاهر الحياة. أما لعازر فحمل في ضعفه صورة المسيح المصلوب، عائشا في الإيمان والرجاء، لا ينتقم ولا يتذمر، بل يسلم أمره للرب. لذا، صار هو الغني الحقيقي، لأن المسيح كان يحيا فيه. هنا يلتقي نصا الإنجيل والرسالة في عمق واحد، هو أن من يحيا للمسيح، وإن بدا فقيرا، هو وارث الملكوت، ومن يعيش لنفسه، وإن كان مكرما بين الناس، هو بعيد عن الحياة الأبدية".

وتابع: "الإيمان الذي يتحدث عنه بولس ليس مجرد اعتراف ذهني أو إقرار لفظي، بل حياة متجسدة. يقول القديس إسحق السرياني أن الإيمان الحقيقي هو أن يؤمن الإنسان بالمسيح حتى يصير شبيها به في التواضع والمحبة. هذا الإيمان لا يمكن أن ينفصل عن الأعمال، لأن المحبة هي ثمرة الإيمان الحي. هذا ما يعلمنا إياه يوحنا الرسول القائل: «من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره» (1 يو 4: 20). الغني الذي لم يعرف أن يحن على لعازر هو فاقد الإيمان مهما كان متدينا ظاهريا، لأن «من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة» (1 يو 4: 8). كل إنسان صابر، متكل على الله وحده وسط الألم، هو لعازر، أما الغني فيرمز إلى كل نفس أغلقت بابها أمام الآخرين وظنت أن خلاصها في امتلاك الماديات. يريدنا الرب أن نهتم بقلوبنا لا بجيوبنا، وأن نطلبه ليحيا فينا، لا أن نحيا لأنفسنا. حين يصلب الإنسان مع المسيح، تموت فيه الأنا، ويبعث فيه قلب جديد محب ورحوم، يرى المسيح في كل متألم. وإذ يذكرنا بولس بأن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بالإيمان بيسوع المسيح، هو لا يلغي الأعمال بل يصوب مسارها ويعيد توجيهها، لأن العمل الذي لا ينبع من الإيمان هو بلا روح، والإيمان الذي لا يثمر عملا هو ميت. إذا، التبرير الذي يتحدث عنه الرسول ليس حكما قضائيا، بل تجديد في الكيان، كي يصبح الإنسان مساكنا لله بالروح".

وقال: "رسالة اليوم والنص الإنجيلي يدعواننا جميعا إلى التفكر في حياتنا وسلوكنا. سمعنا بولس الرسول يقول: «ما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه في إيمان ابن الله الذي أحبني وبذل نفسه عني». فإن كان الله الخالق قد بذل ابنه الوحيد من أجل خلاص العالم، ألا يستحق أخوك في الإنسانية أن تنظر إليه بعين المحبة والرحمة والرفق؟ ألا يستحق مواطنك أن تحترمه وأن تعامله كما تتمنى أن تعامل؟ قال إبراهيم للغني: «تذكر يا ابني أنك نلت خيراتك في حياتك ولعازر كذلك بلاياه، والآن فهو يتعزى وأنت تتعذب». ليكن هذا الكلام دافعا لنا للتأمل في حياتنا وإدراك أن ما نزرعه خلال حياتنا سنحصد نتائجه عند الدينونة، وأن الإنسان، علا شأنه أو صغر مقامه، سيجني نتيجة أعماله".

أضاف: "غني الإنجيل قد يكون أي إنسان احترف البغض والظلم وأغلق قلبه مانعا محبته عن الآخر أو خبزه عن المحتاج، وقد يكون دولة لا تقوم بواجباتها تجاه مواطنيها فلا تعتمد المساواة بينهم ولا تقضي بالعدالة فيما بينهم، فتترك مصابي كارثة المرفأ لمصيرهم، وذوي ضحايا السلاح المتفلت والمخدرات أو الإغتيالات لآلامهم، ونزلاء السجون لقدرهم، أو تمنع من ترك وطنه مكرها، خوفا أو هربا، من ممارسة حقه في انتخاب من يمثله ويطالب بحقوقه. لذا الجميع مدعوون إلى الخروج من الأنا المدمرة إلى الآخر، والإرتقاء فوق الأحقاد والتناقضات، وفوق المصالح الخاصة والمكاسب الآنية، نحو المصلحة العامة، والخير العام، والعمل على إرساء المساواة والعدالة، ونشر المحبة والسلام، والنظر إلى الآخر كما لو كان نفسك".

وختم: "المسيح لا يزال حاضرا عند أبوابنا في صورة الفقير والمريض والمتألم والمهمش. قال الرب يسوع: «لأني جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريبا فآويتموني، وعريانا فكسوتموني، ومريضا فعدتموني، ومحبوسا فأتيتم إلي» (مت25: 35 – 36). نحن مدعوون أن نفتح قلوبنا ونعيش المحبة والرحمة والتعاطف مع كل إنسان مظلوم ومتألم ومغبون لنتذوق منذ الآن الحياة الأبدية. علينا أن نحيا الإيمان العامل بالمحبة، ونصلب ذواتنا مع المسيح، لنحيا معه في حضن الآب".

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا